المحتوى الرئيسى

زعيمة "البديل" تنسحب من الكتلة البرلمانية لحزبها.. ماذا بعد؟

09/25 19:39

اليمينيون الشعبويون الألمان يشبهون في نقطة واحدة على كل حال الأحزاب الشعبوية الأخرى في أوروبا: فهم يميلون للتدمير الذاتي بسبب خصومات مميتة على السلطة في أعلى هرم الحزب. ففي حزب "الجبهة الوطنية" في فرنسا وصل حد الصراع أفراد العائلة الواحدة، وهي عائلة لوبين. وعلى إيقاع الاختلافات، كشفت نائبة زعيم حزب البديل من أجل ألمانيا فراوكه بيتري في برلين عن مشهد دراماتيكي سيبقى مسجلا في تاريخ الأحزاب.

بعد يوم من الانتخابات ظهر حزب البديل من أجل ألمانيا كأول حزب أمام الصحافة. وذلك في تشكيلة رباعية جمعت المرشحين البارزين في الحملة الانتخابية: أليس فايديل و وزعيمي الحزب: ألكسندر غاولاند يورغ مويتين وفراوكه بيتري. لكن بعد مرور عشر دقائق فقط حصلت المفاجأة.

خلال الحفل الانتخابي في ليلة إعلان النتائج، انتشرت شائعة مفادها أن بيتري تنوي تأسيس حزب جديد. وأثناء مقابلة تلفزيونية في اليوم الموالي، انتقدت بيتري  تصريحات بعض أعضاء حزبها خلال الحملة الانتخابية ـ وقالت إنها ليست مع أن يعم السلم بأي ثمن في صفوف الحزب. ومع ذلك فسر بعض زملائها في حزب البديل من أجل ألمانيا كلامها كإشارة للسلم.

وبعد إعلانها عدم المشاركة في كتلة حزبها بالبرلمان، قالت بيتري أمام الصحافة "إن الاختلاف في المضامين داخل حزبها لا يمكن السكوت عنه. وتابعت بيتري إن الحزب "الذي بدا فوضويا في بعض أجزائه خلال الأسابيع الماضية لا يمكن أن يقدم للناخبين عرضا موثوقا به". وقالت بيتري إنها تريد ممارسة سياسة واقعية وإعداد سياسيين في الحزب بإمكانهم تحقيق ما جاء في برنامج الحزب حتى 2021، أي خلال الانتخابات التشريعية المقبلة، حتى يكون "البديل من أجل ألمانيا" قادرا على ممارسة الحكم.

بيتري قبل بداية المؤتمر الصحفي إلى جانب أليس فايديل وألكسندر غاولاند ويورغ مويتن

وعلى هذا الأساس قررت بيتري عدم الانتماء "لكتلة حزب البديل من أجل ألمانيا" داخل البرلمان، حسب ما جاء على لسانها. سمات المفاجئة ظهرت فورا على وجوه الصحفيين الذين حضروا اللقاء الذي نظمه قادة حزب البديل من أجل ألمانيا. وغاولاند اختبأ وراء ابتسامة مريرة، فيما بدت فايديل تنظر بعيدا. ولا أحد في قيادة الحزب كان يتوقع ذلك.  وأضافت بيتري أنه لم يعد لديها شيء تقوله، فقامت من مقعدها وغادرت المؤتمر الصحفي. وناشد ممثل المؤتمر الصحفي الاتحادي الذي يدير المؤتمر الصحفي بيتري لتعود وتأخذ مكانها. لكنها غادرت القاعة دون رجعة وعشرات الكاميرات ترافقها.

قيادة حزب البديل من أجل ألمانيا في حيرة

داخل القاعة حاول غاولاند وفايديل ومويتين الحفاظ على ماء الوجه، وكان لون بشرة وجه غاولاند يتغير من لون إلى آخر. وفرحة فايديل بالفوز الانتخابي تلاشت دقيقة بعد الأخرى. واستمر الوضع 30 دقيقة إلى أن تحكم الاثنان في نفسهما. وقال غاولاند بعدها إن حزب البديل من أجل ألمانيا مجموعة في حالة غليان، ولكن هذا لا يحق أن يقود إلى آلام رأس مفرطة. أما مويتين الذي ظهر عليه الغضب فقد أوضح أن "هذا لا يساعد في شيء". ومن جانبها اختارت فايدل أسلوب الهجوم، معتبرة أن ثقافة القيادة تملي الكشف قبلها للآخرين عن القرارات المتخذة، وأن بيتري ملزمة ببحث ذلك من قبل مع الحزب.

لكن بيتري تراجعت منذ المؤتمر الحزبي في كولونيا في بداية الصيف عن العمل السياسي المباشر، وكان عليها تحمل هزيمة انتخابية مؤلمة في كولونيا. فهي كانت تريد تحويل مسار حزب البديل من أجل ألمانيا في اتجاه مسار سياسي واقعي وقيادة الحملة الانتخابية. لكن ذلك لم يفضي إلى شيء. وبعدها بقليل وضعت طفلها الخامس ولم تشارك في أية جلسة لرئاسة الحزب. والخلاف بينها وبين الأخرين كان حاضرا في ليلة الانتخابات. فقد حضرت لوقت قصير "الحفل الانتخابي" وشاركت في بعض المقابلات واختفت مجددا دون الصعود إلى المنصة لمخاطبة أعضاء الحزب.

كيف سيكون الوضع؟ بيتري فازت بتفويض مباشر في دائرتها الانتخابية بولاية ساكسونيا، حيث خرج حزب البديل من أجل ألمانيا أقوى حزب، وهي لا تريد التخلي عن تفويضها في البرلمان. وفي يومي الثلاثاء والأربعاء ستعقد كتلة حزب البديل من أجل ألمانيا جلستها التأسيسية.

بهذا الشعار للحزب المسيحي الديمقراطي "لا تجارب!"، أراد الحزب المحافظ الابتعاد عن الخوض في تغييراك كبيرة في ألمانيا. ويبدو أن ذلك أعجب الناخبين الألماني في ثاني انتخابات برلمانية في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية عام 1953. وحاز الحزب فيها على الأغلبية المطلقة. ويعتبر هذا الشعار أحد أبرز الدعايات الانتخابية في تاريخ ألمانيا الحديث.

الديمقراطية والاشتراكية – هدفان رفعهما الحزب الاشتراكي الديمقراطي عام 1949 بُعيد تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية. ففي أول انتخابات برلمانية أراد الحزب الاشتراكي أن يكون جسراً بين شطري ألمانيا المقسمة إلى غربية وشرقية، ودعا إلى الاقتصاد المنظم. لكن الحزب المسيحي الديمقراطي الذي أُعيد تأسيسه آنذاك كان يدعو إلى ارتباط وثيق بالغرب وإلى اقتصاد السوق الاجتماعي.

في أول انتخابات للبرلمان الألماني "بوندستاغ" 1949 كان دمار الحرب يغطي معظم أرجاء ألمانيا، فكان من الطبيعي أن تجذب الأحزاب الناخبين بوعود لإعادة الإعمار. ولهذا خاطب الحزب المسيحي الديمقراطي ناخبيه بـ: "البناء والعمل" بدلاً من "البيروقراطية والاقتصاد الموجه"، في إشارة إلى الاقتصاد المنظم الذي كان يطالب به الحزب الاشتراكي. يقول الملصق: الاقتصاد في مفترق طرق. أصواتنا تقود إلى العمل والبناء.

يبدو هذا الملصق الانتخابي كلوحة زيتية قديمة، حيث ينظر كونراد آديناور، أول مستشار في تاريخ ألمانيا، إلى ناخبيه. على كل حال نجح السياسي الكاثوليكي من الحزب المسيحي الديمقراطي المنحدر من منطقة وادي الراين في الفوز مجدداً بانتخابات 1953. واستمرت حقبة آديناور عقداً كاملاً حتى حل محله زميله في الحزب لودفيغ إيريهارد عام 1963.

حذر الحزب الديمقراطي الليبرالي عام 1953 من المرشح الاشتراكي لمنصب المستشار إريش أولنهور، حيث صُور على الملصق. على الملصق كمتواطئ مع الاتحاد السوفيتي. تصوير موسكو كزارع الموت جاء ليدغدغ مخاوف الكثير من الناخبين من الاتحاد السوفيتي. واستمرت الخطة، حيث أُعيد انتخاب آنديناور بسبب نهجه المعادي للشيوعية. كُتب على الملصق: حيث يحرث أولنهور تزرع موسكو!

أم أنيقة الملبس تتبضع مع طفلتها. وحازت ربة المنزل المثالية المفترضة هذه على إعجاب الناخبين الألمان. وبنهجه المحافظ وشعاره الانتخابي "الرخاء للجميع" نجح مرشح الحزب المسيحي الديمقراطي لودفيغ إيريهارد في الفوز بمنصب المستشار عام 1965 ليكون ثاني أكبر فوز انتخابي في تاريخ الحزب. كُتب على الملصق: أمننا الحزب المسيحي الديمقراطي.

ملصق جداري كبير، لكنه لم يعد مؤثراً في الوقت الحاضر. حاول الحزب الاشتراكي كسب أصوات الناخبين بمرشحين من الرجال فقط عام 1969. وبعد محاولتين خائبتين نجح نائب المستشار فيلي براندت بالفوز بمنصب المستشار في إطار تحالف حاكم من الاشتراكيين والليبراليين. كُتب على الملصق: كي يمكنكم العيش بسلام غداً. نحن نؤسس ألمانيا الحديثة. تأمين الوظائف واستقرار الاقتصاد.

رسالة واضحة من الاشتراكيين الديمقراطيين: "فيلي براندت يجب أن يبقى مستشاراً لألمانيا". عام 1972 أصبح الحزب الاشتراكي الديمقراطي أقوى كتلة برلمانية بالبوندستاغ بنسبة 45.8 في المائة. واعتبرت النتيجة الممتازة للانتخابات موافقة لسياسة براندت الرامية للتهدئة مع الكتلة الشرقية. ونال براندت جائزة نوبل للسلام عام 1971 لسياسته هذه.

حتى لو بات رمز عباد الشمس اليوم جاذبية مُعادة فإن هذا الرمز ما زال مرتبطاً ببساطة بحزب الخضر. وبواسطته دخل الحزب الذي يضع حماية البيئة ضمن أهدافه، إلى البرلمان الألماني للمرة الأولى عام 1983. وكان مرشح الحزب البارز يوشكا فيشر (أقصى اليمين) مرتدياً حذاء رياضياً. ورغم التغيرات الكثيرة في مظهر أعضاء الحزب وملبسهم لكن زهرة عباد الشمس لم تتغير.

أثارت حملة الجوارب الحمراء للمسيحي الديمقراطي الكثير من الجدل، لكن رسالتها كانت واضحة: حملة ضد الائتلاف المحتمل بين الاشتراكي الديمقراطي وحزب الاشتراكية الديمقراطية، وريث حزب الوحدة الألماني الذي حكم ألمانيا الشرقية. وحذر منه أمين عام المسيحي الديمقراطي آنذاك. ونشأ حزب الوحدة الألماني عام 1946 بالإدماج القسري للاشتراكي الديمقراطي والحزب الشيوعي في منطقة الاحتلال السوفيتية آنذاك.

ينظر مستشار ألمانيا الأسبق هيلموت كول إلى ناخبيه واثقاً من النصر. وروج الحزب الديمقراطي المسيحي لمستشار الوحدة بألوان العلم الألماني. تظهر على الملصق عبارة "الأمر يتعلق بألمانيا"، ويوحي الشعار بأن ألمانيا بمأمن في يدي كول. كما يبدو منافسه الاشتراكي رودولف شاربينغ (على اليمين) بشكل يوحي بعدم الرسمية وهو يضع سترته على كتفه.

أراد وزير الخارجية نائب المستشارة الأسبق غيدو فيسترفيله عام 2002 أن يحوز على 18 بالمائة من الأصوات لحزبه الديمقراطي الليبرالي. ورغم تحسن نتائج الحزب من 6.2 بالمائة في 1998 إلى 7.4، إلا أن خطط فيسترفيله بقيت أمنيات فقط. كُتب على الملصق الانتخابي: تخفيض الضرائب وخلق المزيد من الوظائف.

استفزاز بحت، لكن فقط لهؤلاء الذين يفهمونه. كاتيا كيبينغ، مشرحة حزب اليسار/ والاشتراكية الديمقراطية، أرادت أن يُخرج لسانها للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. ويُذكر اللسان باللون الأصفر فوراً بالعلامة التجارية لفرقة الروك الشهيرة رولينغ ستونز. كُتب على الملصق: دريسدن تنتخب اليسار والاشتراكية الديمقراطية

ملصقات مرشح الخضر كريستيان شتروبله كانت ملونة مثل مجلة رسوم. ونجح شتروبله عام 2002 من الدخول إلى البرلمان الألماني عن طريق التفويض المباشر. ولا يُعرف ان كان قد نجح بفضل هذا الملصق؟ لكن المعروف أن الكثير من هذه الملصقات سُرقت وكانت الكثيرون يفضلون تعليقها في شققهم بحي كرويتسبيرغ البرليني. كُتب على الملصق: جردوا أسواق المال من أسلحتها! فيرا كيرن/ ع.غ

قال زعيم حزب البديل من أجل ألمانيا في برلين غيورغ باتسديرسكي "سنرى كم هو عدد البرلمانيين المنتخبين الذين سيظهرون هناك"، وذلك لمعاينة كم هو عدد مساندي بيتري، إذ تبقى إمكانية انقسام الكتلة قبل تأسيسها واردة. وإذا وجدت بيتري 35 برلمانيا يتبعونها لتجاوز عتبة خمسة في المائة، فبإمكانها تشكيل كتلة خاصة. ويمكن لها فعل ذلك إذا انضمت إلى ثلاثة مرشحين مباشرين ـ وهذا هو العدد الذي فاز به حزب البديل من أجل ألمانيا في ولاية ساكسونيا.

وإذا لم يكن عدد "الهاربين" كافيا، فبإمكانها تشكيل مجموعة لن تحظى بنفس الحقوق البرلمانية مثل الكتلة، أو أن تجلس وحدها في الهامش. لكن من الناحية القانونية ليس سهلا تشكيل كتلة جديدة داخل كتلة. ويوجد حاليا في البرلمان الألماني كتلة جماعية مشكلة من حزبين هما الحزب المسيحي الديمقراطي الدمقراطي والحزب الاجتماعي المسيحي، لكن فقط بشرط أن لا يتنافسان ضد بعضهما البعض. ولذلك يمكن في ولاية بافاريا انتخاب فقط الحزب الاجتماعي المسيحي. وهناك خيار آخر، لا يرجحه الكثير من المراقبين، هو أن تؤسس بيتري حزبا خاصا بها. فسلفها في المنصب زعيم الحزب بيرند لوكه اختار هذه الخطوة للانتفاضة ضد ميل يميني للحزب. لكن حزبه الجديد اندثر من المشهد السياسي.

بيتري: الأيام المقبلة ستكشف عن المستقبل

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل