المحتوى الرئيسى

فيلم Redoubtable.. الوجه الآخر لـ جان لوك جودار

09/25 17:25

"أنا لا أريد أن أسمع عن هذا، لا يعجبني، وفي الحقيقة، أنا لا أهتم... غبي، فكرة غبية"، هكذا جاء رد فعل المخرج السويسري الفرنسي جان لوك جودار عندما سُئل عن رأيه في فيلم Redoubtable، الذي يتطرق إلى فترة من فترات حياته.

ولكن هذا الموقف العدائي لن يمنع متابعو ومحبو السينما العالمية من مشاهدة الفيلم، خاصة وأنه يحمل توقيع المخرج ميشيل هازانافشيوس، الفائز جائزة الأوسكار عن فيلمه The Artist، ويتناول فترة دقيقة من حياة واحد من أهم مؤسسي الموجة الجديدة في السينما الفرنسية. فجودار يتمتع برؤية فنية ثورية أسهمت في تقديم أساليب جديدة في السرد، والمعالجات البصرية، والأفكار على مدار السنوات الماضية، ولا يزال يعمل على إنتاج أفلام جديدة رغم تجاوزه السادسة والثمانين من عمره.

يركز Redoubtable على الجانب الشخصي من حياة جودار بعد عرض فيلمه La chinoise "الصينية، الصادر عام 1967. فقد دفعه عدم نجاح الفيلم على مستوى الجمهور والنقاد إلى مراجعة أفكاره ونظرته للفن والسينما وعلاقتهما بالمجتمع، معلنًا تمرده على كل شيء حتى أعماله السابقة التي اكسبته شهرة واسعة. يعرض هازانافشيوس هذه التحولات الفكرية بالتوازي مع علاقة جودار بالممثلة آن ويازمسكي، التي التقى بها أثناء تصوير الفيلم وتزوجها رغم أنها كانت تقترب من بلوغ عمر العشرين عامًا، فيما كان هو في السابعة والثلاثين من عمره.

هذه هي الحياة على متن لو ريدوتابل

يربط الفيلم بين ما يمر به جودار خلال هذه الفترة وبين الإعلان عن غواصة نووية فرنسية تحمل اسم "لو ريدوتابل". فهي تتميز بقوة طاقهما مثلما يتمع هو بشخصية قوية، وجريئة، ولكن يتعرض إلى تقلبات حياتية تشبه ما يواجه طاقم الغواصة في الأعماق. فالحياة على متن غواصة ليست سهلة، وكذلك حياة جودار، وعلاقته بزوجته، كانت متينة ولكنها مرت بالكثير من المواقف الصعبة.

تظهر مشاكل هذه العلاقة منذ بدايتها، لأن المخرج الكبير لا يعتبر مهنة الممثلة عمل جاد بالقدر الكاف، وبالتالي ينصحها باستكمال دراستها واختيار تخصص أكثر أهمية. كما أنه يتحول مع الوقت من شخص محب، متفهم، ومنفتح إلى آخر غيور، ومتحكم، منشغل بكل شيء متعلق بالأحداث السياسية، والأفكار السينمائية، ولا يأبه بما تريده هي. لكن هذا لا يعني أنه لم يكن بحاجتها، بالعكس، فقد كان يستمد قوة مواقفه منها، ويستند عليها عندما يتعرض إلى أي هجوم.

أهم ما يميز هذا الفيلم ويجعله فيلمًا مهمًا، هو أن ما مر به جودار خلال هذه الفترة، يشبه ما يشعر به الكثير من الفنانين الحقيقيين في مراحل مختلفة من حياتهم. فالمخرج الذي صنع أفلامًا في بداية الستينبات، يعتبرها المتخصصون من أهم أفلام السينما العالمية، انتقال من مرحلة الثقة بالنفس التي تصل حد الغرور، والتباهي إلى مرحلة الشك في كل ما يقدمه، والبحث عن الحقيقة والذات.

لم يكن فشل فيلم La chinoise السبب الوحيد وراء هذه الحالة، ولكن أيضا الشعور المسيطر على جودار بأنه يتقدم في العمر، ويبتعد عن مرحلة الشباب، لذلك قرر المشاركة في أحداث مايو 1968، وحضور اجتماعات الطلبة والإيمان بمطالبهم في التغيير والثورة، إلا أن أفكاره لم تكن مرتبة ومستندة على حجج مقنعة بالقدر الكاف، ونتج عن ذلك انسحابه من النقاشات نظرًا لارتباكه، واهتزاز صورته أمام نفسه قبل الآخرين.

أصبح مع الوقت، يتعامل بجمود مع المشيدين بأعماله السابقة، معتبرًا أنها لا تتماشي مع أيديولوجيته الجديدة. يعلن موت جودار القديم، وولادة شخص جديد يرغب في تقديم أعمال جادة وابتكار أفكار سينمائية مختلفة. يحاول مرارًا وتكرارًا خلق إنسان آخر بداخله، تنتهي هذه المحاولات بإقدامه على الانتحار عندما تخبره زوجته أنها ستتركه.

لا يكف الفيلم عن طرح أفكار تربط بين السينما والمجتمع، فهي الأزمة الحقيقية التي شغلت جودار، سواء عن طريق أسئلة يوجهها هو إلى نفسه، أو أسئلة يواجها الآخرون إليه. هل يريد العمل بالسياسة أم السينما؟ هل السينما مرأة للواقع تكشفه وتعريه وتفضح تناقضاته أم أن دورها ترفيهي يخلق عالم مواز؟ كيف يتجاهل السينمائيون ما يحدث من حولهم في المجتمع أو في العالم بشكل عام؟

اختار ميشيل هازانافشيوس أن يستخدم النظارة الطبية التي يرتديها جودار لخدمة أمرين؛ الأول أن يمنح الفيلم جانب كوميدي يجعل المشاهد يطلق الضحكات في كل مرة يتحطم زجاج النظارة عند حدوث اشتباكات مع الشرطة، أو الدخول في شجار مع شخص يختلف معه في الرأي. والثاني أن النظارة مرتبطة بالرؤية الواضحة للأمور، وفي كل مرة كانت تتعرض للكسر، كان يتأكد عدم رسوخ أفكاره وتماسك وجهة نظره التي يحاول إقناع الآخرين بها.

مع انتهاء الفيلم، يجد المشاهد نفسه حائرًا أمام الإجابة على سؤال هل هذا هو جودار الحقيقي أم جودار الذي تخيله هازانافشيوس؟ يتطلب الأمر البحث وراء ما عاشه المخرج الثمانينيي في فترة الستينيات، ولكن هذا لا يقف حائل في أي لحظة بين المشاهد والفيلم الممتع، الذي يحمل قدر كبير من الكوميدية، ويقترب كثيرًا من عالم جودار الفلسفي.

مهرجان الجونة السينمائي- لهذه الأسباب يستحق فيلم "قضية 23" المشاهدة.. عمل مبهر

5 تصريحات من المخرج زياد دويري حول "قضية 23".. قصة حقيقية وهكذا يرد على اتهامه بالسذاجة

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل