المحتوى الرئيسى

الأسرار البهيّة للأطعمة الذكيّة

09/23 22:23

ستمضي الحياة في مساراتٍ مألوفة وسيعرف الناس أنواعًا شتَّى من الطعام، وستَتشكَّل لدى كل بلدٍ بل وكل مُجتمع محلي ثقافة طعام نوعية خاصة، تحمل من تاريخه البعيد شيئًا ومن خصائص بيئته المحلية شيئًا ويمتزجان معًا، وستصنع ثقوب ذاكرة الشبع نهمًا مرنًا نحو التهاماتٍ جديدة تبحث عن مذاقات طعام مختلفة، تُضيف وتُجرب وتتذوَّق، مُقاومة ثبات الطعم وتكرار الشكل وملل المعرفة التي صارت ثباتًا.

وبينما تتغير تفضيلات أنواع ووصفات الطعام بين البشر في كل مجتمع، تبقى دومًا تلك الأكلات العابرة للذائقة الشخصية وأيضًا للزمان وللجغرافيا الضيقة، تفرض سِحر سطوتها رائحةً وطعمًا ووهجًا لاينتهي، تلك هي ما يُطلق عليها الأكلات القومية أو مذاقات الأطعمة الوطنية التي يقرأ عنها السائحون ويميلون إلى تجربتها حين يحلّون أهلًا، ويُفضِّلها المسافرون عن البلاد غربةً فيتذكَّرونها في معلقات الشغف بالطعام ويُلحِّون ويُرسلون في طلبها.

وتظل تلك الطاقة الباحثة الساعية المكتشفة عمومًا المتضمنة في فطرة الإنسان هي صانعة تحوُّلات الكون جميعها، مضفرة بالمشيئة الإلهية تُطوِّر تفاصيل الحياة في رحاب فعل السعي، وهكذا تغيَّرتْ طبيعة الإنسان من مخلوق أول بدائي عارٍ سِوى من ورق الشجر إلى كل ذلك الحاصل مما صار معروفًا ومألوفًا في شكل وهيئة البشر وثقافات مـأكلهم وملبسهم وعموم سلوكهم.

يحضر السؤال: كيف كان الطعام الأرضي الأول لآدم وحواء؟وهل شَعُرَا معًا مثلًا بملل تكراره بعد هدأة اكتشافه وتلبية حاجات الطعام كمقوّم أولي لاستمرار الحياة؟ وكيف جرت محاولتهما في بناء أول ثقافة وتقاليد للطعام بعد مشهد خروجهما من الجنة وحين صارا أرضيين يفعلان ما يفعل الساعون في الأرض من بحث ومكابدة.

ثم كيف كان شكل شجرة الطعام المكتشفة الأولى؟ وما مذاق الطعم الأول وهل كان الطعام ثمرًا أم ورقًا أم لحاء أم لحمًا لحيوانات برية، وما نوع ذلك الحيوان الأول الذي مثَّل أوَّل تعرف للبشرية على لحوم الحيوانات والطير، ثم استساغتها واستقراراها في العالم جميعه.

ربّما يتم توارث المذاق الغذائي مثلًا كفعل أول ثم يتم تطويره بإضافات، بحيث أن ما يستسيغه الأب والأم يأكله الأبناء ليشيع ثقافة مجتمعية بعد ذلك، ويأخذ معالم الاستقرار طعامًا، أم أن اكتشاف نوع الطعام ودوام حضوره يتم بفعل مبادرات واكتشافات فردية شجاعة تضيف إلى عادات وتقاليد وثقافة الطعام، ربّما الأمر مزيج أيضًا من كلا الأمرين.

تقول لنا تجارب المجتمعات إن معظم البشر في مجتمع ما يستطيب طعامًا معينًا ويُصبح مفضلًا لديهم، بينما لا تحظى أطعمة وأكلات أخرى بذلك القبول الواسع، تغيب المؤشرات والدراسات التي تمنح تفسيرًا دالًّا لذلك وتبقى التجربة الخاصة وما نراه مجال التقدم في المعرفة والفهم.

وتظل بعض الأطعمة والمشروبات تحتفظ بذاكرة خاصة لدى بعض الناس، لكونها لها تاريخٌ شخصي وجماعي وبعض من سيرة حياة وصور أماكن ورائحة صحبة، فبعض الطعام يستحضر طقسًا ما وذكرى ما، وبعض الطعام من قوة تأثير سياق حضوره الأول الفريد تأبى أن تأكله ثانية سوى في مكانه الذي شكَّل تاريخه في ذاكرة شهيتك بقاءً جميلًا مزهرًا.

والمسألة هنا ليست أبدًا في جودة ولا نوع الطعام ذاته بل ما صنعه طقس تناوله، فربما ساندوتش جبنة رومي قديمة في مقعد يُطلُّ على بحيرة يظل شهيًّا تمامًا عن كل ما يحضر في عرف الناس مبهرًا.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل