المحتوى الرئيسى

المطرودون من جنة المدن الجامعية: نعيش 9 فى الغرفة والسرير بـ400 جنيه

09/23 20:07

شوارع ضيقة، مداخل المنازل مُحطمة، سلالمها غير صالحة للصعود لكنها صالحة للانزلاق على حين غفلة، غرف غير آمنة، ولا أشياء صالحة بها، كل شىء مُعطل، وحدها الحشرات تنشط بالليل والنهار، غرباء يلتقون هنا، ويسكنون معًا، ويتقاسمون المعاناة، ويرحلون فى نهاية الدراسة وليس فى أذهانهم سوى ذكرى سيئة.

محرر «الدستور» تقمص دور طالب جامعى أتى حديثًا إلى القاهرة ويبحث عن سكن، لتنفيذ جولة ميدانية فى المناطق الملاصقة لجامعة القاهرة، منها بين «السرايات» و«بولاق الدكرور»، التى تكتظ بمئات الطلاب سنويًا.

منشية الصدر.. الإيجار أغلى والمواصلات أقرب والغرف مثل عنابر المرضى

الأمر لم يختلف كثيرا فى «عزبة عبدالنبى» أو فى المنطقة المقابلة لمحطة مترو منشية الصدر، وإن كان وضع الشقق أفضل نسبيًا فى العمارات الجديدة، إلا أن وضع الغرف والإيجار بالسرير الواحد يتشابه كثيرًا مع حال «بين السرايات» و«بولاق الدكرور».

يقول حسن مفتاح، طالب بالسنة الأولى بجامعة عين شمس: «أنا حاسس إنى فى عربخانة مش فى سكن، ٣ فى الأوضة و٩ فى الشقة، ده إحنا لا هنذاكر ولا هنام، كوم لحم فوق بعضه، والحمام بالدور، والتلاجة لا تصلح، ومافيش مطبخ، ولا مكتب للمذاكرة، ماكنتش فاكر إن القاهرة بالشكل ده». وبدوره يقول أدهم على، طالب بكلية التجارة: «إحنا دوّرنا على سكن فى منطقة بعيدة شوية علشان تكون هادية بس لقينا الإيجار أغلى، والمواصلات أصعب، فبقينا مضطرين للسكن هنا، لكن ما حصلناش عنابر المرضى، الوضع سيئ جدًا والمفروض الدولة تعمل مساكن للطلبة قريبة، غير المدينة الجامعية لأنها لا تسع الجميع».

«بين السرايات».. الشقة من غير باب

مكوجى وسيدة خمسينية تدعى «أم عبدالله» هما الدليلان للسكن فى «بين السرايات»، السيدة بدأت حديثها لنا بأن «السرير الواحد بـ٤٠٠ جنيه، والدفع فى الحال»، وأعطتنا المفاتيح لاستكشاف الشقة المكونة من غرفتين و«ريسبشن» وتضم نحو ٨ أسرة.

يضطر الطلاب المقيمون فى الشقة إلى ترك الباب مفتوحًا بشكل دائم، ما يجعل بإمكان أى شخص أن يتجول فى الشقة، وهو الأمر السائد فى جميع الأماكن التى تعتمد على تأجير «السرير الواحد»، لذلك لا يمكنك أن تترك أى شىء خاص أو مهم فى السكن، لأن الباب لا يُغلق، كما أنك لا تعرف شيئًا عن الساكن إلى جوارك.

يقول أحمد مجدى، طالب بالفرقة الثالثة كلية التجارة بجامعة القاهرة: «الأزمة هنا أن السكن غير آدمى، فلن تجد شقة نظيفة ولا سريرًا يصلح للنوم، لكننا مضطرون إلى ذلك لعدم وجود أماكن قريبة من الجامعة، إلى جانب أنها مناسبة لنا اقتصاديًا».

وأضاف مجدى: «معظم الشقق فى الأماكن الأخرى مرتفعة الثمن وأصحابها يشترطون عددا محددا من الطلاب حتى لا تتلف»، مشيرا إلى أن «السكن فى شقق بين السرايات يتطلب منك ألا تترك أى شىء تخاف عليه فى الشقة، فالأمر أشبه بالشارع، طالب يدخل وآخر يخرج، إلا إذا أسعدك الحظ ومكثت فى غرفة مع رفاقك فتستطيعون حينها وضع «قفل» على الغرفة، وهو ليس آمنًا أيضًا».

وكشف عن أن «اللاب توب» الخاص به سرق حين جاء فى العام الأول وسكن فى المنطقة ولم يستطع استرداده لأنه لم يتوصل لسارقه، كما أن صاحب المنزل قال له إنه غير مسئول عن أى شىء.

ويعد بدء الدراسة موسم عمل السماسرة فى المناطق المحيطة بالجامعات، وما إن تدخل أحد مقاهى المنطقة حتى تجد معظم روادها سماسرة، ولن يتركوك إلا وأنت ساكن، يصطحبك أحدهم للمرور على جميع منازل المنطقة ويحاول إقناعك بمزاياها، التى يتصدرها: «المكان قريب من الجامعة».

وخلال جولتنا مع أحمد المكوجى، سمسار «بين السرايات»، أكد أن لديه كافة ما نحتاج إليه من شقق كاملة أو أماكن بالسرير الواحد، موضحا أن سعر الشقة يبلغ ٣ آلاف جنيه، وبعضها ٣٥٠٠، أما الغرفة فتبدأ من ٥٠٠ جنيه وحتى ١٤٠٠ جنيه، حسب حالة الشقة وعدد الأسرّة بها، وطلب منا شهرًا مقدمًا ونصف شهر عمولة.

فى غرفة أخرى أكثر سوءًا من السابقة، يجلس عمر عبدالله، طالب بكلية حقوق القاهرة الفرقة الرابعة، من المنيا، ويصف لنا مساكن الطلاب بـ«المقابر»، قائلًا: «ما شاهدته فى الـ٤ سنوات يستحق أن يُسجل فى كتاب، فالروائح التى تسيطر على الشقق تسبب الغثيان، والحشرات التى تملأ كل أركان الغرفة مقززة جدًا، لكن فى النهاية أصبحنا مضطرين لتحمل الأمر ونقضى فقط ساعات النوم هنا ولا نناله أيضًا». ويضيف عمر أن انتشار البلطجة والمخدرات فى المنطقة أدى إلى انحراف الكثير من الطلاب ودخولهم فى مرحلة الإدمان، أما الأزمة الراهنة أيضا فهى خاصة بالأسعار التى ارتفعت بنحو ٤٠٪، فالغرفة التى كانت بـ٣٠٠ جنيه أصبحت بـ٤٥٠ جنيهًا، ولا أحد يحصل على التأمين الذى يُدفع فى البداية، لأن صاحب الشقة غالبًا ما يعُلق بأن هناك أشياء أتلفت فى حين أنه لا أشياء صالحة من الأساس.

بولاق الدكرور.. على المقيم تحمل البلطجية والحر ومراعاة «الحمامات المشتركة»

جولتنا التالية كانت فى حى «بولاق الدكرور»، الذى يتشابه فى كل أزماته مع «بين السرايات»، ويقول رأفت هشام، أحد طلاب الفرقة الثالثة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، إن ارتفاع الأسعار جعل الكثير من الشباب يبحثون عن سرير فى «بولاق»، لكن «المنطقة سيئة جدًا، وعلى المقيم أن يتحمل بلطجية المنطقة والمناخ السيئ، وفى حالة سرقة أى متعلقات من الشقة لن تجد أحدا تلجأ إليه، أنت فقط المسئول».

وأشار هشام إلى أن الأكثر معاناة من كل هذا أنك قد تجلس فى ذات الغرفة مع اثنين لا تتآلف معهما، لكنك مضطر للقبول بذلك الأمر، مضيفا: «الحمامات مشتركة، وفى الصباح يكون الطابور كأفلام السينما».

ويتابع: «الأمر لا يمكن أن يساعد على التركيز نهائيًا، فلا يُعقل أن تكون غرفة لا تصلح إلا لفردين يسكن فيها نحو ٨ أو ٩ أفراد، ويتم وضع عدد من الأسرّة فى الريسبشن أيضًا، وتتلاصق الأسرة فى الغرف كما لو كانت موتى متراصين».

ويقول إبراهيم السماك، سمسار فى المنطقة: «الأماكن هنا قريبة من الجامعة والمواصلات متوفرة، والشقق فى الأماكن الأخرى أغلى، لذلك يفضل الشباب السكن فيها».

وأضاف السماك: «إحنا بنشتغل أول شهر بس عشان بنسكّن كل الناس وبيبقى بينا وبين بعض تواصل فى المناطق الأخرى عشان لو حد ماعجبوش السكن هنا بنجيب له شقة فى أى مكان تانى، وكل واحد ومقدرته، وعمولتنا نص شهر على كل حال».

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل