المحتوى الرئيسى

«فوة».. السجاد والكليم «صنعة» فقدت عرشها والورش تحولت لمقاهٍ ومحلات

09/20 10:10

ورش بالطوب اللبن، متهدمة، تمتد على كورنيش بحيرة البرلس، قليل منها لا تزال تفتح أبوابها وتعمل بقوة «نول» واحد أو اثنين فقط، وكثير منها ضاعت ملامحه، وتغيرت، وارتدت ثوب حوائط السيراميك والأرضيات الرخام، بعدما قرر أصحابها تحويلها إلى مقاهى بلدى ومحلات لبيع الفسيخ.

فى الماضى القريب، كانت مدينة «فوة»، التابعة لمحافظة كفر الشيخ، تُعد إحدى القلاع المصرية التى تشتهر بصناعة السجاد اليدوى والكليم والجوبلان «المفروشات المطرزة بالآيات القرآنية والرسومات اليدوية»، باستخدام النول الخشبى، فكان لا يوجد داخل تلك المدينة موضع قدم إلا وتوجد فيه حركة بيع وشراء وتصنيع، زاد على ذلك قيام بعض أبنائها بالمشاركة فى المعارض المقامة فى بعض الدول الأوروبية وتمثيل مصر فى الخارج بتلك الصناعة اليدوية، واليوم تبدل الحال، وتغير المشهد، وأُغلق ما تبقى من الورش أبوابها، نظراً لعدم وجود عمالة، والأهم من ذلك توقف حركة البيع والشراء بشكل شبه كامل، فضاع حلم تطوير الحرفة واستخدام أحدث المعدات والآلات التى لطالما ناشد أبناء المدينة المسئولين من أجل توفيرها لهم ولكن دون أن يحدث ذلك.

داخل ورشة صغيرة، بسقف «ساقط» من أحد جوانبه الأربعة، جلس محمود مصطفى، صنايعى، بمفرده، يُحرك دفتى «النول» ويرُص الخيوط التى تتوزع بين يديه، بشكل احترافى لا يُخطئ، بلا زميل ولا صبى، بعدما ترك زميله الورشة من أجل العمل فى صيد الأسماك، وذهب والد «صبيه» بابنه للعمل فى مقهى مجاور للورشة. ويقول الرجل الأربعينى إن المهنة اندثرت بالفعل، والدليل على ذلك أن أكثر من 10 آلاف صنايعى محترف تركوها على مدار الثلاث سنوات الماضية، وأغلقوا ورشهم، واتجهوا للعمل فى البحر أو فى حرف أخرى، بعدما زادت عليهم المديونيات، نتيجة توقف حركة البيع والشراء بشكل كامل: «إحنا كنا بننتج بس وكان فيه ناس من المدينة بيشيلوا شغلنا على بعضه ويمشوا، الناس دى اختفت والحتة اللى بنصنعها بتقعد بالسنة مش لاقية حد ياخدها، يبقى هنشتغل ليه؟!».

وأضاف «مصطفى» أن الصنايعى يأخذ أجره على ما أنتجته، ولا يعامل بنظام اليومية، ومع انخفاض سعر المنتج، أصبح الصنايعى يتحصل على مبلغ 200 جنيه فقط فى الأسبوع «ودول هياكل بيهم ولا يشرب ولا يصرف على ولاده ولا يعالج ولا يدخل مدارس».

بين ليلة وضحاها، قرر حسين صبحى، صاحب ورشة لتصنيع السجاد والكليم، إبعاد أبنائه عن المهنة، بعدما أوشكوا على إتقانها، واشترى لهم مركب صيد صغيراً بتكلفة 25 ألف جنيه، وأجبرهم على النزول للبحر وامتهان صيد الأسماك لحين إشعار آخر، فيقول: «ليه أورث عيالى مهنة يتذلوا فيها على ما يلاقوا لقمة العيش، ويبقى رزقهم على غيرهم اللى مسئول عن التسويق»، لذا قرر أن يفك عنهم الرباط الذى قيده به والده، والآن ينتظر بيع ورشته البالغة مساحتها 40 متراً والانتفاع بثمنها فى عمل مشروع آخر يضمن له وأسرته حياة كريمة.

يرى «صبحى» أن ضياع المهنة جاء نتيجة تضافر عدة عوامل؛ أولها: ارتفاع أسعار المواد الخام التى يقومون بشرائها من مصانع الخيوط فى مدينة رشيد، وكذلك مصانع مدينة العاشر من رمضان، ثانيها: اهتمام الدولة بالمنتجات الصينية والغربية وفتح السوق المحلية لها على حساب المنتجات المصرية الوطنية، ثالثها: تجاهل الحكومة والأجهزة المعنية لطلبات المُصنعين البسيطة المتمثلة فى إقامة سوق دائمة للبيع وسط المحافظة ومنح أصحاب الورش قروضاً ميسرة، وأخيراً: تغير ذوق المستهلك المصرى «اللى بقى يشوف صناعتنا قديمة وبلدى ومبقتش تنفع للبيوت العصرية».

وقالت النائبة هالة أبوالسعد، وكيل لجنة المشروعات الصغيرة بمجلس النواب، ورئيس مجلس إدارة جمعية سيدات الأعمال بمدينة فوة فى محافظة كفر الشيخ، إن الأسباب الحقيقية وراء ضياع واندثار المهنة هى عدم تطويرها من جانب العمال والحرفيين حتى تواكب الصناعات الحديثة من ناحية، وعدم دعمها مادياً وفنياً من قبَل الأجهزة المعنية من جهة أخرى، لذا ضاعت تلك المهنة العريقة التى كانت تشتهر بها المحافظة وأصبحت فى طى النسيان، واليوم أصبح لدينا فى المدينة خمسة صناع فقط بعدما كنا نمتلك ما يزيد على 80 مصنعاً وورشة.

وأضافت «أبوالسعد» أنه يتعين على الدولة توفير مبلغ 10 ملايين جنيه لتطوير تلك المهنة، وفتح أسواق تصدير جديدة لها فى الخارج كما كان يحدث فى الماضى، كذلك إقامة أسواق محلية ثابتة تمكن أصحاب الورش من عرض منتجاتهم فيها بشكل دائم، حتى تتحرك عجلة البيع والشراء ومن ثم الإنتاج، ومن ثم يصبح لتلك المهنة كيان قائم بذاته، يتم ضخ الأموال فيه لتطويره وإجبار المنتجين على توحيد نموذج الإنتاج للعودة مرة أخرى للسوق الأوروبية التى توقفنا عن الذهاب إليها نتيجة ظهور عيوب خطيرة فى الصناعة، فى الوقت الذى نمتلك فيه صنايعية مهرة على أعلى مستوى، ولكن عدم امتلاكهم للمال جعلهم «يمشوا حالهم».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل