المحتوى الرئيسى

الحديد المستعمل.. «الهروب من نار الأسعار إلى الموت» | المصري اليوم

09/18 22:40

مع استمرار الارتفاع الجنونى فى أسعار كل القطاعات، أصبح التحايل والاتجاه للبدائل هو السبيل الوحيد بالنسبة للمواطن المصرى، ولكن تعدى هذا الأمر ليصبح متعلقا بأمان الفرد، فارتفاع أسعار مواد البناء وتحديدا «الحديد» الذى وصل سعر الطن فيه إلى 12500 جنيه، جعل المقاولين يبحثون عن «الأرخص»، ومثلما بحث عدد من المواطنين عن شراء الملابس المستعملة لتكون بديلة عن الملابس الجديدة، فعل المقاولون هذا أيضا بعدما اتجهوا فى محافظة الإسكندرية – صاحبة أعلى نسبة من مخالفات البناء – إلى استخدام الحديد المستعمل الذى يتراوح سعر الطن فيه من 7 آلاف إلى 9250 جنيها فى بناء العمارات الجديدة، وما جعل البعض يردد أن انهيار آخر عمارات الإسكندرية كان بسبب استخدام هذا الحديد، والذى يتم استخراجه من العمارات المخالفة التى يتم إزالتها.

«المصرى اليوم» خاضت تجربة شراء حديد مستعمل من المقاولين فى الإسكندرية، وجدت خلالها الأمر سهلا دون رقابة، بل يقوم المواطنون بشراء وحدات يعلمون مسبقا أنها بنيت بـ«حديد مستعمل» والسر فى «عزبة البحر».

«عزبة البحر» بمنطقة العوايد فى محافظة الإسكندرية، ذلك المكان الذى يشتهر بمركزيته فى بيع الحديد وبخاصة الحديد المستعمل أو كما يطلق عليه «حديد عهد إزالة» (وهو الحديد الذى يتم استخراجه من هدم البيوت المخالفة أو القديمة) كما يطلق عليه المقاولون.

فى بداية الطريق تجد مصنعا مهجورا، وعلى حسب رواية أهالى المنطقة فإن المصنع قد أغلق أبوابه عقب ثورة 25 يناير، ولكن غلق المصنع قد فتح بابا للرزق أمام سكان منطقة عزبة البحر، هو بيع وإصلاح كل شىء يخص الحديد سواء كان جديدا أو مستعملا، تقسم العزبة إلى قسمين جزء خاص بالحديد الخردة والأبواب القديمة والجزء الآخر يخص حديد التسليح.

داخل الممرات تجد البائعين مصطفين على الرصيف الخاص بالمصنع، وحولهم الحديد القديم وبواقى الحديد الناتج من الأبواب القديمة، والحديد الخردة (هو نوع من الحديد يشمل باقى حديد التسليح، أو حديد ناتج عن أجهزة أو سيارات)، وبمجرد وصولك إلى الشارع الرئيسى تجد أكواما من الحديد المعوج ملقاة على الأرض، وهناك عمال يحاولون إصلاحه وتقطيعه، وفى الجانب الآخر حديد مسلح وصحيح ولكن الصدأ منتشر بكل أجزائه وبجانبه حديد باللون الطبيعى، وهناك حديد آخر مقطع لقطع صغيرة.

ولأجل الحصول على حديد مستعمل ومعرفة ما المعتاد استخدامه فى بناء الوحدات السكنية ذهبت محررة «المصرى اليوم» إلى أحد محال العزبة لمحاولة شراء حديد مستعمل لبناء «وحدة سكنية» فى منطقة الساحل الشمالى بمساحة 50 مترا دور علوى، وبسؤاله عن أسعار الحديد المستعمل والجديد وما الفرق بينهم أفاد أحمد رجب، أحد بائعى الحديد بعزبة البحر أن طن الحديد المستعمل يصل سعره إلى 9540 جنيها لطن، وسعر طن الحديد الجديد يتراوح من 11500 إلى 12500.

ويقول صاحب محل الحديد إن الحديد المستعمل لا يمكن الاستفادة به إذا كانت النية بناء وحدة سكنية بمساحة صغيرة، لأن فرق السعر سوف يكون غير مغر وليس كبيرا، لكن يمكن الاستفادة منه عند بناء عمارة سكنية بمساحة كبيرة تحتاج إلى أكثر من طن حديد.

وواصل «رجب» حديثه بأن هناك أنواعا ودرجات من الحديد المستعمل، فهناك الحديد الذى يكون مصاحبا بصدأ، وهو أقل سعر لحديد المستعمل ويصل سعره إلى 7000 جنيه مصرى، وهناك حديد عهد الإزالة والذى يتم استخراجه من هدد الوحدات السكنية وذلك النوع يصل ثمنه إلى 9250 جنيهًا مصريًا لطن، مكملًا حديثه أن الحديد الإزالة له بائعون متخصصون فى بيعه وبيتم الاتفاق مع عدد من مقاولى الإزالة لشرائه منهم وحسب حالة وجودة الحديد يتم تحديد سعره. ويضيف تاجر الحديد أن الحديد المستعمل بالنسبة له «متعب جدا» لأنه عقب وصوله يقوم العمال بتسوية الحديد وفرزه وتوزيعه على حسب جودته وحالته، ويتم تقسيمه إلى حديد خردة أو حديد أسياخ ويقول «تاجر الحديد» أنه يشترط على المقاول أن يكون حديد الإزالة بدون صدأ، وحديد أسقف (الحديد الذى يستخدم فى بناء أسقف الوحدات السكنية)، ويشير إلى أن حديد الأسقف من الممكن أن يكون من أسوأ أنواع الحديد المستعمل ولا يوجد مشكلة فى استعماله.

ويشرح «صاحب محل الحديد» أن هناك حديدا متبقيا من البناء يسمى حديد «فضلات» حيث يصل طول سيخ الحديد إلى 12 مترا، وفى أثناء البناء يكون الحديد المستخدم أقل من 12 مترا، ويقوم المقاول ببيع الحديد المتبقى إلى تجار الحديد والتى تتراوح أطواله بين (3.5 و4.5 و6.5)، لافتًا إلى أن ذلك النوع يتم بيعه بنفس سعر الحديد الجديد وليس المستعمل، وأشار إلى نوع آخر من الحديد يسمى «حديد المناطق الراقية» وهو الحديد المتبقى من بناء الوحدات السكنية فى المناطق الراقية بالإسكندرية ويتم بيعه أيضا بسعر الحديد الجديد.

وأشار إلى أنه من المتوقع مع زيادة أسعار الوقود أن يصاحبها ارتفاع فى سعر الحديد الفترة المقبلة، وذلك سوف يؤدى إلى لجوء بعض المقاولين إلى تخزين الحديد سواء جديد أو مستعمل، مضيفًا أن الحديد يجب أن يخزن بطريقة صحيحة، لأنه بمجرد دخول الماء على الحديد سواء جديد أو مستعمل يكون مادة عازلة، وبالتالى لا يمكن استخدامه، وبالتالى لا يمكن تخزينه بالعقارات أو مخازن تكون بالقرب من البحر، أو يتعرض إلى مياه الشتاء.

عند سؤال الحاج على محسن، صاحب محل حديد آخر بعزبة البحر، حيث قامت المحررة بتعريف نفسها على أنها مهندسة وتريد بناء وحدة سكنية بمنطقة الساحل الشمالى، وتريد استخدام حديد إزالة فى بناء وحدتها السكانية، جاء الرد مصاحبا بالصراخ «حديد مستعمل وعلى البحر استحالة يا مدام»، حيث قامت محررة «المصرى اليوم» بشرح وجهة نظرها لتاجر الحديد وأن أسعار الحديد الجديد باهظة وأكبر من التكلفة المادية التى وضعتها وأن المقاول هو من نصحها باستعمال حديد الإزالة فى البناء.

جاء رد «محسن» أنه لا يمكن على الإطلاق استعمال حديد الإزالة، وذلك لأن مادة اليود والرطوبة المرتفعة بالبحر سوف تساعد على تآكل الحديد، وكذلك سقوط المبنى بسرعة غير متوقعة، مؤكدًا أن الحديد المستعمل لا يستخدم فى بناء أى شىء على بحر أو بالقرب منه، وأن سعره يتراوح من 8500 إلى 9500 على حسب حالته.

وتابع «محسن» أن حديد الإزالة يكون مادة عزلة مكونة من التراب، وبالتالى تصبح مادة الأكسدة الخاصة به غير موجودة فيصبح غير قادر على التماسك مع الخرسانة، ومن هنا لا يمكن استخدامه مرة أخرى.

أثناء البحث عن عدد من مقاولى الإزالة تواصلت محررة «المصرى اليوم» على جروب خاص بالمقاولين على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، وقامت بالاتصال هاتفيًا بعدد من المقاولين لكن فى هذه المرة كمالكة أرض على طريق الواحات بمساحة 500 متر وتريد بناء عمارة سكنية كاملة مكونة من 5 طوابق.

فى البداية تم الاتصال بالمقاول أبوعمرو «اسم مستعار» الذى أفاد بأن الحديد المستعمل لا يمكن استخدامه فى بناء الوحدة السكنية بشكل كامل، وإنما سوف يتم استخدامه فى الجزء الخاص بأساس البناية وفى إنشاء الدور الأول بالوحدة السكنية، وأنه لا يوجد أى ضرر فى استخدامه فى أساس البناية، وقامت المحررة بالتأكيد على هذه النقطة قائلة «طول عمرى أسمع أن الحديد المستعمل فى البناء بشكل عام لكن مش أساس العمارة»، وجاء رده بالتأكيد أن معظم الوحدات السكنية يتم صب الجزء الأساسى لها من الحديد المستعمل، على حد قوله.

وعند سؤاله عن المتبقى بالعمارة قال إن أنسب حل هو استخدام حديد الفضلات الذى يتراوح طوله من 2.70 الى 3.5 متر، لكن الجزء الخاص «بالأسقف والكمر» يلزم فيه استخدام حديد جديد، وأضاف أنه سوف يقوم بشراء الحديد المستعمل بسعر 7000 للطن، والحديد «الفضلات» بسعر يصل إلى 6000 جنيه للطن، وسعر طن الحديد الجديد يصل إلى 11800 جنيه للطن.

«الحاج محمود الحداد» اسم مستعار «مقاول»، قامت المحررة بالاتصال به عبر الهاتف لطلب شراء وبناء وحدتها السكنية وأفاد المقاول بأنه من الممكن استخدام الحديد المستعمل فى البناية لكن لا يمكن استخدامه فى أساس الوحدة والدور الأول قائلًا «بصى يا مدام سواء أنا أو غيرى اشتغلت معاكى الأساس يكون حديد جديد والباقى مستعمل مفيش ضرر كله إلا الأساس».

وتابع أن الحديد المستعمل يتراوح سعره من 6000 إلى 8500 جنيه للطن، وعند سؤاله أن المحررة قامت بمعرفة سعر الحديد المستعمل فى عزبة البحر وأنه يصل إلى 9500، قال لها إنه يقوم بالتعامل مع مقاولى الإزالة بشكل مباشر، وبالتالى سوف يكون سعر الحديد له أرخص من تاجر الحديد، وهو نفسه يملك مخزنا للحديد المستعمل، لكنه كان غير متوفر عنده.

«الحديد المستعمل ده الشغل البلدى لكن شغل الحكومة كله جديد».. تلك العبارات التى بدأ بها محمد عبدالجواد، 55 عاما، مقاول مسلح بشركة المقاولون العرب، حديثه لـ«المصرى اليوم» بشكل مباشر عن كيفية استخدام الحديد المستعمل فى بناء الوحدات السكنية، فيقول «عبد الجواد» إن الحديد المستعمل يتم استخدامه مع الأهالى ويطلق عليه المقاولون «الشغل البلدى أو شغل العشش»، حيث يقوم أحد الأهالى بالاتفاق معه لبناء وحدة سكنية، ويريد التوفير فى المصاريف الخاصة بالبناء.

ويكمل «عبدالجواد» أن المقاولين يقومون بالذهاب إلى تجار الحديد وشراء الكمية المطلوبة له، وبثمن أقل من نصف الحديد الجديد- على حد قوله- مضيفًا أنه عقب شرائه تتم معالجته على الرغم من أنه فى أغلب الأحيان يتم استخراج الحديد من العمارات المخالفة بكفاءة 80% وهى نسبة لا تضر العقار فى أى شىء.

ويواصل «عبدالجواد» أنه خلال عمله مع شركة المقاولون العرب، خاصة فى المشاريع التى تخص الحكومة، من الاستحالة استخدام أى شىء من الحديد المستعمل، لأنه يتم وضع عمر افتراضى لمشروعات أكثر من 100 عام، مضيفًا أنه يتم العمل وفقًا لمراحل محددة، فعقب الانتهاء من أى خطوة يجب على الاستشارى الاطلاع على الوحدة، وفى حالة وجود صدأ بالحديد الخاص بالبناية يتم رفض تسلمها وإعادة البناء مرة أخرى.

فيما تحدث «محمد آدم»، مهندس معمارى، لـ«المصرى اليوم»، عن إعادة استخدام الحديد الناتج عن إزالة العقارات، قائلاً: «يعتبر أمرًا غير مقبول فى الشأن المعمارى وذلك بسبب حالة الإجهاد والتشوهات التى تحدث للحديد، فضلًا عن أن القطر الطبيعى للسيخ الحديد هو 16 ملليمتر، وعقب استخدامه فى البناء تقوم الخرسانة بالعمل على تآكل قطره، فيصبح قطر الحديد عقب استخراجه من الهدم من 14 إلى 12 مم، كما أن التآكل فى قطر الحديد سوف يضعف من تحمله للخرسانة ومدى قوته وبالتالى سقوط العقار يصبح أمرًا طبيعيًا».

ويرى «آدم» أن الحل الأمثل فى استخدام الحديد المستعمل هو بيعه كخردة لمصانع الحديد، وإعادة تصنيعه مرة أخرى وغلق كل النوافذ التى تقوم ببيع الحديد المستعمل كأسياخ جاهزة للبناء.

وعقب الدكتور عبدالمنعم صالح، رئيس جهاز التفتيش الفنى، بأنه لا يوجد فى إدارة التفتيش الفنى أى معلومة عن بناء الوحدات السكنية باستخدام الحديد المستعمل، وأن معظم الوحدات السكنية تستخدم حديداً جديداً لأنه يُمنع استخدام «المستعمل» مطلقا، مؤكدا أن المركز منذ أن قام بحملات تفتيش عن المبانى المخالفة أو المبانى بشكل عام لم يتم رصد أى حالة على مستوى الجمهورية تقوم بالبناء بالحديد المستعمل.

ويؤكد «رئيس جهاز التفتيش الفنى» أن هناك هيئة متخصصة فى الجهاز الفنى للتفتيش والمركز القومى لبحوث البناء مختصة بالمراقبة على مواد البناء، مشيرًا إلى أن المركز يقوم بعمل اختبارات لمواد البناء المستخدمة أثناء عملية البناء، ويقول إن التفتيش على مواد البناء والمبانى المخالفة بشكل عام يتم فى معظم المحافظات ومن أشهرها (الجيزة والإسكندرية وأسيوط والمنيا وسوهاج)، ويكون التفتيش دوريا بمعدل مرة كل شهر، ولم يتم التنسيق مع أى جهة حتى يكون التفتيش بدون سابق إعلان.

وحسب الدكتور خالد الذهبى، رئيس مركز بحوث الإسكان، فإن المركز لم يرصد أى حالة مخالفة ثبت استخدام الحديد المستعمل فى إعادة بناء الوحدات السكنية مرة أخرى، مؤكدًا أن المركز لا توجد به وحدة للمراقبة على مواد البناء، مشيرًا إلى أن المركز كان يخطط لإنشاء هذه الوحدة.

ويرى «رئيس مركز بحوث الإسكان» أن إعادة استخدام «حديد الإزالة» مرة أخرى أمر طبيعى بعد أن تتم معالجته، وخضوعه لاختبارات تخص الخواص الطبيعية للحديد، والتى تثبت أن خواصه لم تتغير، ففى هذه الحالة يمكن استخدامه وأنه لا يسبب أى ضرر أو خطورة على الوحدة السكنية المستخدم فيها.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل