المحتوى الرئيسى

لماذا نتلذذ بقهر الشوق؟

09/18 18:14

الشوق وعذاب الشوق شعوران لا يستطيع أحد منا الهرب منهما. إحساس يتملكنا منتصراً على أي إحساس آخر فيوقظ فينا صوراً وذكريات ورغبات مؤجلة، بعيدة أو ربما صعبة المنال لكننا نريدها الآن وفوراً. من منكم لم يشعر بتلك اللهفة التي تحرّك الروح وتعزلها عن الواقع؟ لهفة لضمّة أو حضور محبّب أو ماض حمل إليكم فرحاً تفتقدونه اليوم؟ شعور غريب هو الشوق. فحلوه ومرّه متلاصقان لا يفترقان.

رغبة بالتقرب من الحبيب بأي شكل. رسالة، صورة، عطر أو حضور جسدي... حبيب غائب في الحاضر وحاضر في رغبات الشوق حتى ولو عذبنا الشوق إليه. ما سرّ ذلك الشعور الغريب؟ هل لذّتنا به إيجابية؟ كيف يحمينا من الوحدة ويعدنا بلقاء قريب.

سواء كان لقاؤكم مع الشخص أو الحدث المنتظر قريباً، بعيداً أو حتى مستحيلاً، فإن دماغكم يأبى إلا أن يتوق إلى هذا اللقاء. فينتقي أحاسيس جميلة من الذاكرة ويستحضرها لتوقّع فرح التواصل المرتقب أو المرغوب. ويتملككم ذلك الشعور بحسب علماء النفس عند وجودكم وحدكم أو حين لا تستثمرون طاقتكم وتفكيركم بنشاط مفيد يلهيكم عن الركون إلى الشوق. لكن الحسرة التي تشعرون بها جراء الشوق تساهم في تشويه مفاهيم منطقية في ذهنكم كالوقت والمكان، فتشعرون أن الثانية تساوي ساعة وأن بينكم وبين الحبيب بحوراً حتى ولو لم تكن المسافة التي تفصلكم بعيدة.

ويأتي الشعور بالشوق بدرجات مختلفة. فكلّما كانت الذكرى جميلة والحاضر متعباً، اشتدّ الحنين إلى الماضي حتى أن بعض الأشخاص يعيشون أسرى الشوق حتى تصبح حياتهم محورها شخص واحد أو حدث واحد ويصبح الحاضر بالنسبة لهم وهماً كبيراً.

لكن السؤال الأصعب. لماذا نتمسك بالشوق رغم الألم والحرمان اللذين يخلّفهما فينا؟

شارك غردأن تشتاقوا لشخص ما يعطيكم دافعاً لاستثمار وقتكم معه ويجعلكم أكثر تأكداً بالنسبة لطبيعة مشاعركم تجاهه

شارك غردإما أن يكون الشوق موجهاً إلى موعد يستحق الانتظار وإما انكم تهدرون مشاعركم في الاتجاه الخاطئ

أجاب علماء النفس بأن الشوق يجعلنا أقرب إلى من أو ما نحب. بمعنى أنه يستحضره فينا حتى في غيابه ويشعرنا بقيمة علاقتنا به فنتعامل معه بحبّ وحرص وتعلّق أكبر. لكنهم في الوقت ذاته ميّزوا بين الشوق البناء والشوق المدمّر. فالأوّل هو الذي يجعلنا ننتظر شيئاً سيحدث فعلاً. حبيباً سيرجع. حلماً سيتحقق. حدثاً منتظراً سيحصل في الواقع وذلك شوق يسلّي الروح ويحميها من الوحدة.

أما الشوق المدمّر فهو أن تعيشوا في حال من الانتظار لشيء انتهى إلى غير رجعة. شعور يولّد الكآبة والحسرة ويقف في وجه تطوّركم وإرادتكم في البحث عن بدائل. وهنا تكمن حكمة الشخص على التمييز بين أن يشتاق إلى مستقبل ملموس وبين التمسك بماض انتهى هروباً من حاضر تعيس أو خوفاً من مستقبل مجهول.

أن تشتاقوا لشخص ما يعطيكم دافعاً أكبر لاستثمار وقتكم وشعوركم معه ويجعلكم أكثر تأكداً من طبيعة مشاعركم تجاهه وتجاه أنفسكم أيضاً. فالشوق يساعدكم على إدراك حاجاتكم العاطفية من الشريك أو الحبيب أو أي شيء تشتاقون إليه. وأنتم في الحقيقة في حال من الحرمان أو النقص الذي يكتمل بوجود ذلك الشخص.

بعبارة أخرى، التي تشتاقونها هي حاجتكم التي تتأمن اليوم مع ذلك الشخص أو ذاك. الشخص نفسه الذي إن حرمكم من تلك الحاجات أصبح وجوده سلبياً أو غير محبب وغيابه عوضاً أن يوقظ فيكم مشاعر الشوق سوف يشعركم بالراحة والتحرّر.

ما يعني أنه كلّما أصبح الشخص أكثر إدراكاً لحاجاته، أصبح انتقاؤه لشركائه وأصدقائه أكثر نضوجاً ومعرفة، أشخاص سيبقون إلى جانبه بفعل التشابه والمصالح المشتركة وشوق للبعاد أقل ألماً وأكثر تأكداً بلقاء قريب. أي شوق ليس فيه شك. فالشكّ يهدم العلاقات والأحلام ويجعلها تتحوّل إلى صراعات ذاتية لا تنتهي.

كيف يمكن لشعور ينخر القلب كالشوق أن يكون إيجابياً؟ وهل يمكن للمرء أن يسعد ويستمتع به؟ على عكس الفكر السائد والأغاني الرومانسية الحزينة التي تتناول الشوق بألحان شجيّة، فهناك إمكانية للنظر إلى الشوق بأمل أكبر وكأنه نسمة تغذّي الروح وتنعشها وتحميها من وجع الفراق.

1 – الشوق يعيد تصليح ما تهدّم

يلعب الشوق دوراً أساسياً في تقييم العلاقة بينكم وبين الحبيب أو الشيء الذي تشتاقون إليه. فذلك الشعور يعني أنكم تستخدمون المسافة الزمنية بينكم وبينه من أجل التحضّر للقاء بشغف وإيجابية. شغف سوف ينسيكم ألم الفراق وينسيكم معه أي ألم يمكن أن ينتج نتيجة البعد. وبعد، يكون الفراق جيداً لأنه يسمح للشخصين بمساءلة ذاتية لمشاعرهم تكون مفيدة لمستقبل العلاقة ولكيفية استمرارها.

2 – تدركون قيمة وجود الحبيب بجانبكم

كما يقال، البعد يذيب القلب. أي يجعل العاطفة متينة وصلبة. ويجعلكم تتذكرون حالكم في حضوره والأمور الجميلة التي يوقظها فيكم. يضحككم ويضيف جوّا من المرح إلى حياتكم. يجعلكم أكثر إنتاجية. يشعركم بقيمتكم. أنكم لستم بحاجة لأي قناع معه. وغيرها من المشاعر الجميلة التي تكون بديهية في وجود الحبيب وتصبح حلماً جميلاً في غيابه.

3 – تصبحون أكثر إبداعاً

تعرفون أن الغرق في الشوق يصبح مدمراً فيتخذ دماغكم وضعية الدفاع عن النفس لحمايتكم من خطر الشوق. فتخلقون وسائل جديدة للتلهي واستثمار الوقت فإما تلجؤون إلى ممارسة الرياضة أو الاستماع إلى الموسيقى أو زيادة أوقات العمل أو زيارة أصدقاء مرّ وقت على رؤيتهم وغيرها من الوسائل المفيدة.

لكن حذارِ من اللجوء إلى وسائل أخرى يمكن أن تؤذيكم! من الشراهة العاطفية أو شراء ما لا يلزمكم أو العصبية الزائدة.

4 – تلجؤون إلى الذكريات الجميلة

تشتاقون لحبيب فتستحضرون من الذاكرة كلّ لحظة حلوة جمعتكما. وتتناسون كل المرّ الذي يصبح غير مهم. الشوق يساعدكم إذاً على تصفية الذاكرة وتغليفها بالأفكار المنعشة التي تحضركم للقاء الآتي.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل