المحتوى الرئيسى

أسرار الدماغ البشرى | المصري اليوم

09/18 11:21

ما مناسبة الكلام عن الدماغ؟ لا شىء سوى أننى أحرص من وقتٍ لآخر على مراجعة الكتب التى نويت قراءتها، ثم لم أفعل بدافع الكسل أو الانشغال. من بين هذه الكتب المهمة كتاب «مستقبل العقل- الاجتهاد العلمى لفهم العقل وتطويره وتقويته»، من تأليف ميشيو كاكو وترجمة سعدالدين خرفان. الكتاب طبعته سلسلة «عالم المعرفة»، فى إبريل الماضى. وقد أردتُ أن أُشركك فى متعة قراءة هذا الكتاب، الذى يشرح الكثير عن أسرار عمل الدماغ وما سيحمله المستقبل من أعاجيب فى هذا الباب، علماً بأن ميشيو كاكو هو من أمهر مَن يقومون بتبسيط العلوم للجمهور الواسع، وأكثرهم جاذبية فى هذا الزمان.

المعرفة العامة عن عمل الدماغ البشرى تُفيد الإنسان العادى، بل تكاد تكون ضرورية له على أكثر من مستوى. الدماغ هو باليقين أكثر جهاز نستهلكه فى حياتنا اليومية. هو مصدر أفراحنا وأتراحنا، ومنبع سعادتنا وآلامنا. إنه سلاحنا الذى نشهره فى فخر ونحن نتقدم فى حياتنا الدراسية والمهنية. فى الخلاصة هو نحن، ولا شىء أقل!.

مع ذلك نعرف القليل عن الدماغ، وعن أسراره. ثمة نظامان نقف أمامهما- كقُراء عاديين غير متخصصين فى هذه الفروع العلمية- فى عجز ودهشة كاملة. إنهما نظامان يتشابهان فى أشياء كثيرة. أهم العناصر المشتركة هو حجمهما الهائل الذى يفوق التصور. النظام الأول هو النظام الكونى المكوّن من مليارات المجرات، وفى كل مجرةٍ مليارات النجوم. النظام الثانى، الذى ربما يفوقه فى التعقيد، هو الدماغ البشرى. فى الدماغ نحو مائة مليار خلية عصبية. ليس هذا فحسب، الأكثر إدهاشاً هو الوصلات بين هذه الخلايا. عملية التفكير تحدث من خلال هذه الوصلات، التى يبلغ عددها نحو عشرة مليون مليار وصلة. إنه أمرٌ يفوق التصور. الدماغ البشرى قادرٌ على فعل أى شىء تقريباً. فى مقدوره مُعالجة 2 مليون معلومة فى الثانية الواحدة!.

ما عرفه العلماء فى السنوات الأخيرة عن الدماغ مهول. غوامض كثيرة تكشفت عن كيفية عمل أجزائه. فى 2013 أطلق الرئيس الأمريكى أوباما مبادرة «برين»، بتكلفة 3 مليارات دولار، من أجل فك أسرار الدماغ بمسح مسالكه الكهربائية. مستقبل هذا الفرع من العلم واعدٌ ومُبشِّر. هو يلمس كل واحدٍ فينا. معرفتنا بكيفية عمل الدماغ سوف تقربنا أكثر من فهم طبيعتنا كبشر. الأمر متصل كذلك بأحد التطورات الرئيسية فى عالمنا المعاصر، الروبوتات. السؤال الكبير هو: هل يمكن تعزيز قدرات الروبوت إلى مرحلة تفوق قدرة البشر؟. بيل جيتس، مؤسس مايكروسوفت، يرى أنه «لا أحد حياً الآن سيعيش ليرى اليوم الذى تُصبح فيه الحاسبات ذكية بما يكفى للتفوق على البشر». على أن السؤال يطرح معضلة أعمق بشأن طبيعة الذكاء الإنسانى نفسه، وما يُميزه. هل الدماغ هو مجرد كمبيوتر مُعقد وضخم؟.

ليس هذا التصور عن الدماغ صحيحاً. هو ليس حاسوباً رقمياً، بل شبكة عملاقة ومتطورة للغاية من الخلايا العصبية. هذه الشبكة تعمل باستمرار على إعادة ربط وتقوية ذاتها بعد تعلم كل مهمة جديدة. لا يملك الدماغ نظام برمجة أو تشغيل مثل ويندوز. ليس له معالج مركزى. هذه الشبكة العملاقة تُطلق مائة مليار خلية فى الوقت نفسه من أجل تحقيق هدف واحد: التعليم!.

العنصر الحاسم الذى يُميز الدماغ الإنسانى هو الوعى. هذا الأخير لم تُحَلّ ألغازه بعد. الحيوانات لديها وعى، ولكنه منخفض للغاية مقارنةً بالبشر. الحيوانات لا تستطيع التعرف على ذاتها فى المرآة. هى لا تُدرك كُنه أو مغزى ما تقوم به من أنشطة. الأهم أن وعى الحيوانات محصور فى اللحظة الحاضرة. لا ماضى ولا مستقبل، فقط اللحظة الآنية. ما يجعل الدماغ البشرى مختلفاً هو قدرته على تصور أشياء غير موجودة، بما فى ذلك إمكانية تخيل أشياء فى المستقبل. بمعنى من المعانى، العقل هو آلة ضخمة لتوقع المستقبل بشكل مستمر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل