أنا وأبي واكتئاب سبتمبر

تتعلق درجات الحرارة وتغير الفصول بالحالة المزاجية والنفسية للإنسان فمثلا، يرتبط برد الشتاء وحرارة الصيف بالانفعالات النفسية الحادة، بينما الربيع يبعث العواطف الإنسانية الرقيقة، أما عن الخريف فهو يرتبط بالسكون والذبول، هذا ما جاء به العلم الحديث مؤكدا أن الخريف وخصوصا  أواخر سبتمبر وأكتوبر هو وقت فقدان الاتزان الانفعالي والشعور بالغضب السريع وعدم الاهتمام بممارسة الأنشطة، والتوتر والشعور بالخمول أوقات النهار، والأكل بكثرة طوال اليوم، مما يجعل الأطباء أحيانا يلجؤون لاستخدام مضادات الاكتئاب لإعادة توازن المخ والسيطرة على إفراز هرمون تقلب المزاج.

اعتقدت قديما أن سبب اكتئابي هو بدء السنة الدراسية بهذا الشهر، وأشرت لأبي بأصابع الاتهام، حيث أن ظروف عمله كضابط جعلت من فرص التقائنا فترة الدراسة شبه معدومة، ولكني أشكر الآن سبتمبر واكتئاب سبتمبر، فقد اقترن عندي الحزن ببعدي عن أبي وأمي، وبت أكثر التصاقا بهم، فكلما حل بي ما يحل بالمرء وقت ضعفه هرولت جارية نحو حضن أبي أدفن فيه ألمي، نحو مطبخ أمي أملي عليها شروطي، أطلب وأتمني وهي تلبي وتحضر فأنسي بحبهم أي وجع، وأمحو بعطفهم أي جرح، فجلسة مع أبي آخذ فيها تلك العبر وأسمع فيها نفس النصائح والتوبيخ أحيانا، وحكايات من أمجاد الماضي أعرفها كما أعرف كف يدي، كانت لي يوما بمثابة روايات رجل المستحيل، كفيلة بأن تعيد لي ابتسامتي، يسعدني كثيرا لقب حرم فلان وأم فلان، ولكن سيظل لقب ابنة أبي هو المحبب إلى قلبي، سيظل هو مصدر فخري وكبريائي أن تظل تتعامل مع أبيك كقائد أعلى لحياتك، هو ببساطة ومن وجهة نظري بر الأب، أما بر الأم فهو أسهل بكثير، يكفيها أن تعترف كم كنت أنانيا حينما استنفذت مخزون الكالسيوم لديها أثناء الرضاعة، كم كنت أحمقا حينما حرمتها من النوم إما صغيرا تصرخ، أو كبيرا تشكو هما حرم عيناها النوم، تدعو لك وتبتهل إلى الله حتى يرفع عنك البلاء، يكفيها أن تقول لها كم هي لامعة بين صديقاتها وكأنها أخت صغرى لهن، قليل من الاعتراف سيخفف آلام عظام هشت، وقليل من المجاملة سيعيد إشراقة ذهبت، أمام موقد الطعام التصقوا بآبائكم إن كانوا أحياء، وترحموا عليهم إن فارقوا الحياة، أفرغوا لهم أوقاتكم، ادعوا لهم بقدر ما وهبوكم من سعادة، وتصدقوا على أرواحهم بقدر ما رأيتموه فيهم من عطاء.