المحتوى الرئيسى

النائب الأسبق لرئيس «المركزي للمحاسبات»: تبعية « الجهاز» للرئيس تنتقص من استقلاليته (حوار) | المصري اليوم

09/16 23:00

تولى المحاسب فؤاد عبدالوهاب، منصب نائب رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات حتى يناير 1991، وبعدها شغل موقع أول رئيس للمكتب الفنى لوزير قطاع الأعمال العام، واستمر لمدة 8 سنوات تقريبا فى منصبه، ثم عمل مستشارا للمعونة الأمريكية لشؤون الخصخصة لأكثر من 4 سنوات. «المصرى اليوم»، التقت «عبدالوهاب»، وقال إن تبعية جهاز المحاسبات لرئيس الجمهورية تعنى أن «لورد كرومر يراقب لورد كرومر»، وأن الخصخصة شهدت أخطاء مؤكدة، لكن سببها من وجهة نظره ليس الفساد، بل الجهل و«نخز» صندوق النقد الدولى للحكومة.. وإلى نص الحوار.

المصري اليوم تحاور«فؤاد عبدالوهاب النائب الأسبق لرئيس الجهاز المركزى للمحاسبات»،16 سبتمبر 2017.

■ بداية لاحظنا أنك لم تكن بين المكرمين فى الاحتفال بالعيد الماسى للجهاز لماذا؟

- كان من المخطط حسب علمى تكريم كل الأحياء من قادة الجهاز، لكن يبدو أن الموقف من المستشار هشام جنينة جعل المنظمين يتجاهلون دعوة رؤساء الجهاز الأحياء وبالتبعية عدم دعوة النواب مثلى، والاكتفاء بتكريم بعض وكلاء الجهاز.

■ كيف ترى واقعة إبعاد المستشار هشام جنينة؟

- جنينة ارتكب خطأ غير مبرر حين قال إن حجم الفساد كذا، وبما يعنى أن كل الإنفاق العام المخصص للأجور والتشغيل والاستثمار وسداد الديون والبعد الاجتماعى ذهب بدلا من ذلك إلى الفاسدين، كما لم يكن معه الحق فى الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام والصحافة الأجنبية خروجا على كل التقاليد، فرئيس الجهاز ليس أمامه إلا أن يرسل تقاريره إلى البرلمان ولرئيس الجمهورية، وعليه أن يذهب إلى البرلمان بنفسه ليوضح لمن يملكون حق إقرار ضرائب جديدة أو تخفيضها حسب حالة الموازنة العامة، ويعرض عليه ما يراه من خلل فى جانبى الإنفاق أو الإيرادات، ويطلب منهم تصويب الأمر تشريعا أو مساءلة الحكومة، كما أن علاقة رئيس الجهاز بالبرلمان يجب ألا تكون علاقة تقارير فقط.

■ لكن ألا ترى أن استقلالية الجهاز تعرضت أو تتعرض لتحديات؟

- أنا ممن يرون أن تبعية الجهاز لرئيس الجمهورية – باعتباره حكما بين السلطات – تنتقص من استقلاليته، وهذا التوجه لا يوجد إلا فى عدد محدود من الدول، والجهاز يجب أن يتبع البرلمان حفاظا على استقلاله عن السلطة التنفيذية، وإلا سيكون الموقف كـأن اللورد كرومر يراقب اللورد كرومر. ومن علامات الاستقلالية أيضا صيانة حصانة رئيس الجهاز الذى يجب ألا يعزل إلا فى حالة المرض الذى يبعده عن أداء مهامه أو الإصابة التى تؤدى إلى نفس النتيجة، وهناك سوابق فى تاريخنا شهدت تقديم رئيس ديوان المحاسبة استقالته من تلقاء نفسه تعبيرا عن عدم الرضا عن أمور أو مخالفات تم اكتشافها ولم يتم التصدى لها.

■ شعار الجهاز هو «حراس المال العام» هل هو كذلك حقا؟

- الجهاز ينشط فى مواجهة الفساد كلما كانت الحالة العامة كذلك والعكس بالعكس، وأذكر أنه فى بداية عهده كانت الحكومة وجهاتها تهمل ملاحظاته أو لا تتم محاسبة أحد على ما وقع من مخالفات، ولذا تم إعداد تعديل تصادف انه لم يصدر الا بعد ثورة يوليو بأيام يقضى بإنشاء مجلس تأديبى لمحاكمة الموظفين المسؤولين عن المخالفات المالية ثم تغير ذلك بعد سنوات قليلة، وليتنا نعود إلى تلك الفكرة إذا كنا نريد حقا محاصرة الفساد.

■ ما مدى جديتنا فى مواجهة الفساد؟

- توجد حاليا مهمة واضحة فى محاربة الفساد تتجلى فى استعادة الأراضى المنهوبة أو التى تم «تسقيعها».

■ ما أهم التطورات التى حدثت فى الجهاز؟

- أولا محكمة المحاسبة التى أشرت إليها، ثانيا استحداث الرقابة على حسابات الشركات العامة، وقبلها كنا نراقب مال الموازنة العامة فى الجهات الحكومية فقط، وثالثا استحداث تقارير تقييم الأداء والفضل فيها يعود إلى رئيس الجهاز الراحل عادل حسن، وكان قد أوفدنى إلى باريس لمدة 5 أشهر للتعرف على تجاربهم، واستحث الرقابة على الأداء للتأكد من تحقيق الأهداف المخصص لها مال عام محدد، وظلت الجمعيات العمومية لفترة تطلب من مراقب الجهاز تلاوة التقرير المالى وتقرير تقييم الأداء جنبا إلى جنب، ولكن بعد فترة عادت كل الجهات وأهملت ذلك.

وأرى أن أهم أزمات الإدارة فى مصر أنها تهتم بـ«التستيف»، أى سلامة الإجراءات، ولا تعنيها الأهداف، وإذا حدثت مخالفة بـ 100 جنيه مثلا تقوم الدنيا ولا تقعد، لكن لو حدث إنفاق 100 مليون جنيه بلا طائل نجد تجاهلا تاما.

■ هل يقل نشاط الجهاز إذا نشطت الرقابة الإدارية والعكس؟

- مفترض أن مهامهما مختلفة، وتكون هذا الانطباع عند الجمهور العام حاليا نتيجة كثرة القضايا الكبيرة التى ضبطتها الرقابة مؤخرا، بينما صوت جهاز المحاسبات خافت، والرقابة الإدارية تعمل على ما يصلها من معلومات أو حتى فلنقل نميمة أو «تسريبة» أو ما تتحصل عليه هى من معلومات نتيجة استخدام معيناتها الفنية، وهى تحيل إلى النيابة مباشرة، أما الجهاز فيعمل على وثائق ومستندات لكى يمكنه القول إنه توجد مخالفة أو توجد جريمة ويقف دوره عند إعلام البرلمان بذلك أو الجهة المعنية.

■ هل تقارير الجهاز لا تذهب إلى كل أعضاء البرلمان؟

- ما جرى عليه العرف هو كتابة ملخصات للتقارير وتسليمها النواب وإيداع نسخ من التقارير الكاملة فى المكتبة لمن يريد أن يستزيد.

■ ومن يراقب الجهاز نفسه؟

-توجد إدارة عامة بالجهاز من أعضاء أكفاء تقوم بذلك وتقدم تقريرا عن الإيرادات/ المخصصات والمصروفات إلى رئيس الجهاز.

■ أليس من حق المجتمع ولو عبر ممثليه فى البرلمان أن يرى هذا التقرير؟

- منطقيا نعم. ومن حقنا فى المقابل أن نرى كناخبين تقارير رقابة البرلمان نفسه عن نفسه.

■ يقول البعض إن الجهاز بدأ مبكرا مسيرة تدهور بعد أن تم تعيين عدد هائل فيه بالوساطة ومن غير الأكفاء؟

- عينت فى الجهاز عام 1949 بعد تخرجى فى كلية التجارة بجامعة القاهرة بتقدير جيد جدا، وخاطبونا بالترتيب ليتم تعييننا. وأذكر أن الأول كان اسمه مصطفى عيسى عيسى، وتم تعيينه، وبعد فترة انتقل إلى عمل آخر. المهم كان يتم تعيين الأوائل بلا أدنى محاباة، وكنا نعمل مع عمالقة، ثم جاء وقت بعد ذلك تغيرت الدنيا وعلا صوت المجاملات، وهبط الكيان، وظنى أنه تمت مؤخرا العودة إلى قاعدة أصحاب التقدير العالى فى التعيينات.

■ التحديث التكنولوجى فى الجهاز ضعيف، لماذا؟

- مرة أخرى «عادل حسن» كان أول من أدخل المراقبة بالكمبيوتر، بعد أن بدأت شركات كثيرة تستخدم الكمبيوتر فى أعمالها الماحسبية، وكان قمة فى العمل والنزاهة، وكان يرفض أى هدايا، وفى زمنه كمثال كان المعار يحاول أن يقدم هدية بعد عودته أو فى إجازته إلى رئيسه لكنه كان يرفض كل ذلك تماما. ولما توليت أمر لجنة لعمل تعديل للائحة مكافآت نهاية الخدمة، فقال لى إننى سأحال إلى المعاش بعد أشهر، ومهما كانت نزاهتى فسنجد من يقول إن فؤاد «رتب الملعب لنفسه»، ولذا عليك أن تترك اللجنة، وكان درسا فى احترام الذات والأعراف.

■ عملت لسنوات منسقا بين الجهاز والبرلمان، ما أصعب موقف واجهته فى تلك المهمة؟

- استدعانى الدكتور رفعت المحجوب، رئيس مجلس الشعب الأسبق، وقال لى بعد تمهيد إنه ورد إليه أن نقابة المحامين عليها ملاحظات، ويريد من الجهاز أن يراجع حساباتها، فقلت له لا يجوز، لأن مالها خاص لا يخضع لرقابة الجهاز، ولا يجوز إلا إذا كانت تحصل على إعانة من الخزانة العامة وهى لا تحصل عليها، وبعدها تقرر صرف إعانة فعلا للنقابة، وبدأ الجهاز يراجع ماليتها، وبعد فترة تنبه قادة النقابة وقالوا «بلاها معونة» ليبتعدوا عن مراجعة الجهاز، وكان واضحا لى أن الأمر فيه بعد سياسى لكننى تصرفت وفقا للقانون.

■ تركت الجهاز ثم بعدها بأشهر توليت المكتب الفنى لوزير قطاع الأعمال وكان وقتها الدكتور عاطف صدقى رئيس مجلس الوزراء، كيف كان ذلك؟

- فى نوفمبر 1991، جاءنى اتصال من مكتب رئيس الوزراء، وفى اليوم التالى قال لى إن مصر ستبدأ برنامجا للخصخصة وسيقام مكتب فنى لهذا الغرض، وإنى سأتولى أمره، لأن الشروط تنطبق على، ومنها أن يكون المرشح بدرجة وزير، وأن يجيد الإنجليزية والفرنسية، وله سجل مهنى قوى، وأمهلنى يومين فقط للرد، ولما أخبرت مكتب حازم حسن، الذى عملت مستشارا به بعد المعاش، اجتمع الشركاء وقرروا رفض الاستغناء عنى، ولاحقا قال لى رئيس الوزراء «ده تكليف مش طلب»، وعليه بدأنا العمل بمكتب داخل مقر مجلس الوزراء.

- كان من البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة، وذلك لتمويل مصاريف المكتب وأيضا ما يتطلبه الأمر من استقدام خبرات أجنبية معينة لتساعد الشركات القابضة فى كيفية الطرح والتقييم والترويج.

- «مصر فى بداية التسعينيات كانت بتقول الحقونى»، وظروف البلد المالية كانت سيئة جدا، ولا يكفى ما لديها من نقد أجنبى لاستيراد حاجاتها الأساسية، فضلا عن سداد ما عليها من أقساط وفوائد، ومن هنا جاء برنامج الإصلاح الاقتصادى مع صندوق النقد، وكانت الخصخصة أحد مكونات هذا البرنامج على أساس أن أداء القطاع العام ضعيف والرقابة عليه غائبة، وهو محتكر أو شبه محتكر وغير قادر على المنافسة، وأن نقل ملكية بعض الأصول المختارة إلى القطاع الخاص سيجعلها تدار بكفاءة أعلى.

■ وقتها قيل إنه سيتم بيع الخاسر ثم فجأة حدث العكس، لماذا؟

- قلنا نبيع الخاسر أولا «محدش عبرنا»، وفى المقابل كان فيه طلب قوى جدا على شركات بعينها مثل الأسمنت والمياه الغازية.

■ ما أهم الأخطاء التى حدثت فى تلك العملية بتقديرك؟

- تبين أن معرفتنا كمصريين بالتقييم وأساليبه، خاصة تقييم الأراضى وطرق البيع كانت متخلفة جدا، وكان هناك جهل بأشياء كثيرة، إضافة إلى الضعف الشديد فى بنية الكثير من العقود، ما أضاع على الدولة الكثير.

■ وماذا عن الفساد الذى وقع بعد الخصخصة؟

- لم يستفد «عاطف عبيد أو عاطف صدقى أو كمال الجنزورى أو مختار خطاب» مليما من الخصخصة، وكان التقصير ناتجا عن «غشم وقلة معرفة وحسن نية غير مطلوبة»، وتبين لنا أن نصيب الأجانب من الطاقة الإنتاجية للأسمنت أصبح نحو 50%، والدكتور مختار خطاب حين أصبح وزيرا بذل جهدا ضخما لإعادة نوع من التوازن إلى ما هو عام أو خاص وطنى وما هو أجنبى فى هذا القطاع.

■ ماذا عن أسباب بيع أراضى «البيبسى» وإعادة بيعها و«بيرة الأهرام»؟

- «عدم معرفة وقلة علم»، والخصخصة عملية صعبة خاصة فى بلد عاش فى ظل القطاع العام أكثر من 30 سنة.

■ ألم يكن ممكنا أن ننتظر إلى أن نتعلم؟

- سهل وأنت بعيد أن تقول ذلك. «كان فيه كرباج ورانا اسمه صندوق النقد»، ولا يمكن لأحد أن يتخيل كيف كان حال المسؤولين عندما يعلمون أن بعثة صندوق النقد قادمة، محدش عايز يبان انه لم ينفذ البيوع المتفق على إنجازها»، فتقرير الصندوق يترتب عليه صرف الدفعة التالية من عدمه، ولم يكن أحد مستعدا لدفع ثمن التأخير فى تنفيذ الالتزامات. مصر لم يكن لديها رفاهية الانتظار، فلم يكن هناك مفر من البيع، وحاولنا قدر المستطاع التعرف على خبرات الأجانب، واستقدام خبراء كثيرين، لكن البلد كان مخنوق».

■ لماذا لم نعط الشعب المصرى الفرصة ليشترى أولا؟.

- الشعب كان معه فلوس خاصة من كانوا يعملون بالخارج لكن لم يكن هناك وعى استثمارى وقتها، وأنت رأيت كيف اشتكى كل من اشترى أسهم شركات عامة تم طرح حصص منها بالبورصة من أن قيمتها تراجعت، وقال إن الحكومة «ضحكت علينا، لكن الحقيقة محدش ضحك على حد، الحكومة كانت تجهل والشعب لم يكن لديه الوعى الكافى».

■ ماذا عن المراجل البخارية؟

- كثيرون قالوا كيف تباع بهذا الثمن وهى تملك 113 فدانا على النيل، والسؤال كيف كان لنا تقييمها، هل كأرض للصناعة أم للبناء أم للزراعة، وهل نقيم الشركة بحالها الراهن أم بما يمكن أن تكون عليه فى المستقبل؟. كان هناك طرق مختلفة للتقييم وكان من الصعب اختيار واحدة منها، ولذا تم تجريب أكثر من طريقة، وقد أصدر الدكتور كمال الجنزورى قرارا بان يباع المتر للشركات الصناعية كمثيله فى المناطق الصناعية بالمدن الجديدة، وعدل عن القرار وهذا دليل حسن نية.

■ فخرى عباس رئيس الجهاز الأسبق قال إنه تم استبعاد الجهاز من الرقابة على التقييم اكتفاء بوجود ممثل له فى لجنة التقييم كفرد وسط مجموعة، هل هذا صحيح؟

- صحيح، لكن الجهاز لم تكن لديه الخبرة الكافية.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل