المحتوى الرئيسى

فى ذكرى أحمد رجب.. فتش عن المرأة

09/16 22:03

الإنسان حيوان ضاحك.. ولولا تمتعه بهذه الصفة لما استطاع الاستمرار فى الحياة، كما يرى الفيلسوف الكبير «نيتشه»، ذلك أن الحزن الرابض فى القلب.. والألم المسيطر على النفس.. والكوارث التى تحيط بالإنسان وهموم واقعه اليومى.. وضغوط مشاكله الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التى تصبغ حياته بالتوتر والاكتئاب والإحساس بالتعاسة.. كل ذلك يؤكد احتياجه للضحك.. إنه حقيقة جوهرية تتصل بجوهر حياة الإنسان على الأرض وتتشابك مع رغبته الأصيلة والعميقة فى الخلاص من مآسيه المختلفة.. سواء كانت تلك المآسى نابعة من مجتمعه أو من حقيقة وجوده.

والضحك استعلاء على الحزن.. والقهر والإحباط والفشل.. وتحدياً للألم والموت والفناء.. وحرباً ضد العدوان والتسلط والغبن والديكتاتورية والاستبداد.. فالحزن -ومن ثم التراجيديا- يفرضان علينا قوانين العالم التى لا يد لنا ولا إرادة فيها.. لكننا فى الضحك -ومن ثم الكوميديا- نفرض نحن على العالم قوانيننا وإرادتنا.. ومن هذا الصراع تستمد فنون الضحك دائماً قوتها العظيمة وسحرها الرائع.

وقد كان «أحمد رجب» واحداً من أهم هؤلاء السحرة.. بل زعيم ظرفاء عصره.. من خلال بابه الأخير «نصف كلمة»، ونكاته الصارخة مع صديقه عبقرى الكاريكاتير الراحل «مصطفى حسين»، أو قصصه القصيرة وشخصياته البديعة التى نسجها ببراعة وذكاء متقد من ملامح أناس يعيشون بيننا فى خليط عجيب ومتناقض.. ويشكلون فى النهاية مثالب مجتمع وأطماع بشر.. فى آخر كتبه الممتعة «يخرب بيت الحب» يتناول أحمد رجب (171) موضوعاً عن مشاكل الحب والزواج المختلفة بين الزوج والزوجة فى إطار من الطرافة التى لا تخلو من عمق السخرية المبطنة بالمتعة الذهنية والفكرية والمفارقة الضاحكة فى التباين بين التركيبة النفسية للرجل والمرأة.. وللأسف لم يحظ الكتاب باهتمام إعلامى أو نقدى يستحقه.

فيما يتصل بمفارقة الحب والزواج، يؤكد أحمد رجب فى موضوع «حرب الأمثال» أن الحب أيام جدتنا كان عاراً لأن المثل الشعبى يقرن الحب بالجريمة: «إن سرقت اسرق جمل وإن عشقت اعشق قمر»، فالعشق فى الزمن القديم يستحق العقوبة كالسرقة.. فإن أقدمت على العشق فليكن المعشوق عظيم الشأن جمالاً وفتنة حتى يهون ما سوف يصيبك من عقاب ولوم.. كما يضىء المثل الشعبى النور الأحمر بالنسبة للغانية التى هى بشدة براعتها فى فنون الإغراء والإغواء وتحريض الرجل على الاتصال بها.. «تتكحل بإبرة وتتمخط بمسمار».. وعن عوامل الجذب عند الرجل فهى لا تتغير فالرجل «عيبه فى جيبه» و«بفلوسك بنت السلطان عروسك» و«اللى معاه قرش يساوى قرش» و«القرش يلعب القرد».. والقرد طبعاً هو الرجل..

ويتضح من ذلك أن الغالبية العظمى من أمثالنا صناعة نسائية، ولذلك فهى تنحاز إلى وجهة نظر المرأة، فهناك من أمثالنا حملة مستمرة على الزوج فهو فرعون فى المثل «اللى تحسبه موسى يطلع فرعون»، وهو الحمار فى المثل «الحمار لما بيشبع بيبعزق عليقه» والخنزير فى المثل «شعرة من جلد الخنزير مكسب» وهو الأقرع فى المثل «جبت الأقرع يبوسنى.. كشف راسه وخوفنى» ومسكين كل أقرع وخنزير وحمار تزوج.

وتبدو المفارقة فى أنه إذا كانت الأمثال الشعبية صناعة نسائية، فإن الأقوال المأثورة صناعة اخترعها الرجل ليرد بها على كيد المرأة.. إنها جزء من الحرب الأزلية بين الجنسين.. التى بدأت بالواقعة التاريخية الشهيرة بحادثة قطف التفاحة.. وتتخلل تلك الحرب فترات هدنة قصيرة جداً تعرف باسم الخطوبة وشهر العسل.. كما أنها حرب قتلى من الجانبين.. ويطيب للرجال فيها أن يطلقوا على ضحاياهم «شهداء الأكياس». الأقوال المأثورة التى أطلقها الرجل فى حربه الإعلامية ضد المرأة لا تزعجها أبداً.. بالعكس.. ارتاحت المرأة إلى هذه المقولات الرجالية التى تصورها مخلوقاً قوياً ومحيراً وغامضاً وعلى دهاء عظيم، إذ قيل «فتش عن المرأة» فهذا شىء يسعدها لأنه يصورها كمحركة وحيدة للأحداث، وأن الرجل ألعوبة فى يدها.. وإذا ابتعد عنها مات عطشاً.. فهذا يعنى أن حياته مرهونة برضاها وصدودها.. وإذا قيل إن المرأة ذات دهاء وكيد عظيمين فهذا يعنى ببساطة أن الرجل كائن عبيط..

أما على المستوى الفكرى فإن «أحمد رجب» يرى أن الرجل احتكر ذلك النشاط العقلى فى عصور تخلف المرأة، فكتب عنها ما يشاء وأعطى لنفسه حق إصدار الأحكام المطلقة حسب الحال والمزاج.. ذلك أن المرأة هى التى تكيف العلاقة بينها وبين الرجل، وهى التى تحدد هذه العلاقة إذا كانت صداقة بريئة أو حباً أو زمالة أو قطيعة.. وهكذا تختلف الأقوال المأثورة للرجل تبعاً لموقفها منه، فإن هى أقبلت عليه قال عنها: إذا أحبتك امرأة فهى تحبك حتى آخر قرش فى جيبك..

ويحاول «أحمد رجب» فى كتابه أن يخفف من غلو وتطرف الكاتب النمساوى الذى أكد أن النساء كاليهود يعبدن المال.. وهن بلا ضمير ولا خلق وموهوبات فى المكر والخديعة نتيجة الاضطهاد الطويل من الرجل لها، مما جعل كيدهن خطراً ومدمراً.. لكن يمكن أن يقال إن هناك صراعات بين الرجل والمرأة لا ترتقى إلى مرتبة العداء.. فهى صراعات تحكمها علاقة انفعالية اسمها الحب.. والحب بين الرجل والمرأة هو فى حد ذاته صراع، فالحب يتنكر وراء أقنعة كثيرة.. أحياناً يضع قناع النفور وأحياناً يضع قناع الانتقام.. فعن الحب نقرأ أجمل الرومانسيات فى الكتب وعن الحب أيضاً نقرأ أغرب الأخبار فى صفحة الحوادث..

وتقودنا الجملة الساخرة السابقة إلى مشكلة «العنف الزوجى»، فيعارض فيها «أحمد رجب» ما تشيعه الجمعيات النسائية عن ضرب الرجل لزوجته المكسورة الجناح التى لا تجد الحماية الكافية من المجتمع الذكورى بقوله: منذ سنوات كتبت أن الرجل سوف ينقرض وأن المرأة سوف تستولى على العالم، وسوف تكون هناك ديكتاتوريات نسائية مستبدة تملأ المعتقلات بالرجال، حيث التعذيب وغرف الغاز وقد تسلك حكومات النساء مسلك العناكب والنمل والنحل فى قتل الزوج بعد التزاوج مباشرة، فيضم جهاز العروس مسدساً تفرغه فى دماغ العريس بعد ليلة الزفاف وقد تعمد بعض الحكومات النسائية إلى أن تجبر الرجل على أن يرتدى زياً خاصاً بلا رقبة حتى يسهل لكل امرأة فى الشارع ضربه على قفاه.

وقد أوردت وكالة رويترز تقريراً صحفياً يؤكد أن تلك النبوءات قد ظهرت بوادرها، إذ نقلت الوكالة من «داكا» عاصمة بنجلاديش أن أفواجاً هائلة من الأزواج المقهورين طلبوا حماية السلطات بعد تعرضهم لضرب مبرح وتعذيب غير إنسانى على أيدى زوجاتهم.. وأضافت «رويترز» أن لجنة جديدة لمقاومة تعذيب الرجل نظمت مسيرة فى مدينة «رانجبور» شمال بنجلاديش انتهت بتقديم (14) طلباً لحاكم المقاطعة من بينها تشكيل محكمة خاصة للنظر فى حوادث العنف والإيذاء البدنى الشديد التى يتعرض لها الأزواج بالإضافة إلى الإذلال والقهر النفسى..

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل