المحتوى الرئيسى

كيف تحكم 5 عائلات قطر؟

09/16 21:03

فى سياق التداخل بين المصالح السياسية والتجارية، تستخدم «الدوحة» دبلوماسيتها لحماية المصالح التجارية لكبار العائلات، كما تستخدم التجارة لتذليل العقبات التى قد تواجه مساعيها الدبلوماسية، بما يصب فى نهاية المطاف فى مصلحة العائلات القوية فى قطر، وعلى رأسها عائلة «آل ثانى»، فى المقام الأول بطبيعة الحال. العائلات الكبرى تتواجد بقوة فى السياسة، ويسيطر رجالها على معظم قطاعات العمل ومفاصل الاقتصاد، وتحتكر بعض مجالات النشاط التجارى، بداية من المقاولات والإنشاءات والطرق، إلى إدارة الفنادق الفاخرة، وخدمات تأجير السيارات الفارهة، وإدارة المطاعم الشهيرة، وتستمر فى تحقيق أرباح طائلة من المؤتمرات الكبرى التى تنظمها بالدوحة.

«سبوبة» المؤتمرات تضمن توزيع العوائد على مافيا أصحاب النفوذ

المؤتمرات التى ينظمها النظام القطرى، وضيوف قناة «الجزيرة»، وفعاليات «معهد الدوحة للأفلام»، ومهرجانات السينما، والمسابقات العديدة التى تنظم تحت إشراف الحى الثقافى «كتارا»، وفعاليات المركز العربى للبحوث والدراسات السياسية، وضيوف مؤسسة قطر، والمؤتمرات الحكومية، وشبه الحكومية، والفعاليات الأخرى التى لا تنقطع على مدار السنة، لا تكاد تترك فرصة لوجود أى غرف شاغرة بفنادق الدوحة، التى تقتسمها العائلات الكبيرة فيما بينها.

فعلى سبيل المثال، استمرت المفاوضات بين الأطراف السودانية فى الدوحة على مدار ٣ سنوات تقريبا، واستضافتهم قطر بفندق «شيراتون الدوحة»، فئة الخمس نجوم، ثم نقلت المفاوضات إلى فندق «ريتاج الريان»، فئة الخمس نجوم، رغم النجاحات المحدودة جدا التى أحرزتها المفاوضات.

بعبارة مختصرة؛ تشكل سياحة المؤتمرات وغيرها من الفعاليات، جزءًا بالغ الأهمية من دينامية السياسة الخارجية القطرية من جهة، و«سبوبة مضمونة» تصب مباشرة فى الحسابات المصرفية لأصحاب الفنادق، وشركات تأجير السيارات، وأصحاب المطاعم الفاخرة، الذين هم فى الواقع أقوى العائلات القطرية.

الفنادق والمطاعم والشركات تتوزع على: «آل ثانى، العطية، الدرويش، الفردان، المنّاع، المسند، والمناعى»، الذين يسيطرون عمليًا على أغلب أنشطة المجمعات التجارية، التى تزخر بأفخر الماركات العالمية من المجوهرات والملابس والعطور والتمور والأجهزة الإلكترونية والمواد الغذائية.

الآلية التى تبدو بريئة تضمن للعائلات الأكثر نفوذا الاستئثار بالثروة، وتركيزها فى قبضة هؤلاء، لكى يزداد الأثرياء فى قطر ثراءً، ولا يبقى أمام بقية أفراد الشعب إلا الالتحاق بالوظيفة الحكومية، عبر قنوات المحسوبية، مقابل أجور متوسطة، تتناسب مع مؤهلاتهم المتواضعة، أو التعفف والتسجيل بشكل سرى فى الجمعيات الخيرية، للحصول على مساعدات، لا تسمن ولا تغنى من جوع.

النسب والمصاهرة والبيزنس الخفى تحدد قيمة الفرد فى سلم المناصب

وفقًا للباحث أندرز جولبراندسن، المتخصص فى الدراسات العربية بجامعة «جورج تاون» فى واشنطن، فمن المعروف لجميع من أجروا الأبحاث عن قطر، أن العلاقات الأسرية للأفراد وصلة النسب يعتد بها كثيرا فى تحديد أهميتهم، بنفس درجة المناصب الرسمية التى يتقلدونها.

وبالتالى فإن أعضاء وفروع العائلة الحاكمة، الذين يحضرون إلى المطار وقت سفر الأمير، أو يكونون فى انتظاره لتهنئته بسلامة الوصول من الخارج، هم من الأشخاص البارزين، ذوى الحيثية، حتى إذا لم يشغلوا أى مناصب رسمية، كما يشير إلى أن من بين العناصر التى تحدد أهمية الأفراد حتى فى العائلة الحاكمة، هو ما إذا كانوا أشقاء أم غير أشقاء، ومن هن زوجاتهم؟، ومن هى أم فلان وأخواله؟.

لكن يبقى السؤال بالغ الأهمية هو: من لديه بيزنس مع من؟، لأن هذه النقطة بصفة خاصة تساهم فى فهم مكمن النفوذ الحقيقى لأى شخص فى قطر اليوم.

فعلى عكس المعمول به فى معظم دول العالم، التى تفصل بين ممارسة السياسة ومزاولة الأنشطة الاقتصادية، أصبح لرجال الحكم فى قطر شركاء صامتون بالمشاريع التجارية وجميع الأنشطة الهادفة للربح، بل إن منهم من تفرّغ للاضطلاع بمهام إدارتها علانية بنفسه. ويقول المؤرخ جيه. إيه. بيترسون، المتخصص فى شئون الخليج، إن الفارق بين العائلة الحاكمة، المنشغلة بالأمور السياسية وقيادة الدولة، وبين عائلات رجال الأعمال المنخرطين فى الأنشطة التجارية، قد تلاشى منذ عقود. ولأسباب تاريخية وسياسية، لا يكتفى أعضاء العائلة الحاكمة بدور الشريك الصامت، بل يجمعون بين صفتهم كسياسيين، وصفتهم الإضافية كرجال أعمال بارزين، وبشكل خاص، يحفل تاريخ آل ثانى بهذا الخلط بين السياسة والأعمال، منذ ترسيخ أقدامهم فى السلطة عام ١٨٧٦.

الحكومة والميزانية قرار عائلى لـ«آل ثانى» والأمير يعتبر أن «الجيب واحد»

يشير الباحث الأمريكى جولبراندسن، فى دراسته بجامعة «جورج تاون»، إلى أن عائلة «آل ثانى» تحتل المرتبة الثانية فى عدد الأفراد بين العائلات الحاكمة بمنطقة الخليج، بعد المملكة العربية السعودية.

ويقدر عدد أفراد العائلة الحاكمة بأكثر من ١٠٪ من الشعب القطرى، إلا أن شبكة المصالح والنفوذ والثروة لا تقتصر عليهم فقط، بل على المقربين منهم، من العائلات الأخرى، ومن يتمتعون بحمايتهم، ويساعدونهم فى تشكيل السياسة والتجارة معًا فى قطر اليوم.

وتنتظم العلاقات بين عائلة «آل ثانى» و«المحاسيب» فى شبكة شديدة الترابط، يسهم التعرف عليها بشكل جيد فى فهم التحولات التى طرأت على السياسة الخارجية لقطر، وأسباب خروجها عن الإجماع السائد فى محيطها الإقليمى، وجعلت النظام القطرى الداعم للإرهاب لاعبًا يطمح للتأثير دوليًا حينًا، بينما يبدو نظامًا مارقًا فى أحيان كثيرة، فى ضوء تغيرات موازين القوى فى منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام.

دائرة صنع القرار فى قطر محدودة للغاية، فوفقًا لمجلة دراسات الشرق الأوسط، رفض الأمير السابق حمد بن خليفة أى محاولة للتفريق بين الموازنة العامة للدولة، وبين المحفظة الشخصية للأمير، وبعبارة أخرى، اعتبر أن «الجيب واحد»، فالحكومة فى قطر هى «شأن عائلى» تماما، وتاريخيًا لم يكن هناك أدنى فرق بين دخل الدولة ودخل الأمير، وازداد هذا الوضع تعقيدًا فى الآونة الأخيرة، بعد استحداث ما يعرف باسم «الصناديق السيادية»، والتوسع فى إنشاء الشركات التى تملكها الدولة، فضلًا عن الشركات التى تساندها الحكومة بشكل أو بآخر.

«المحاسيب» يطلقون على أنفسهم «المجموعة» و3 عائلات تقتسم التجارة والصناعة

فى منتصف القرن الماضى، كان أغلب التجار الذين يضاهون حاكم قطر فى الثراء، ينتمون لعائلة «المانع»، وهى من أصل ينتسب إلى نجد بالمملكة العربية السعودية، إلى جانب عائلة «الدرويش»، الذين يمتد نسبهم إلى عرب إيران، وهؤلاء لايزال لهم حضور ملحوظ فى عالم المال والأعمال فى قطر اليوم، فعلى سبيل المثال، يحتل بدر عبدالله الدرويش المركز ٤٦ فى قائمة «فوربس» لأغنى ٥٠ شخصية عربية، وهو القطرى الوحيد فيها. وإلى جانب «المانع» و«الدرويش»، هناك أيضًا عائلة «المناعى»، التى صنعت اسمها فى مجال الأعمال خلال الثمانينيات، وتمثل العائلات الثلاث الاختيار المفضل لـ«آل ثانى» كشركاء تجاريين، أو مديرين لمشروعات يملكها أو يشارك فيها أعضاء العائلة الحاكمة. الاقتصاد القطرى يقوم على قطاعات أربعة، يديرها أعضاء العائلة الحاكمة من «آل ثانى»، ومحاسيبهم من العائلات المقربة، القطاع الأول هو «شركة قطر للبترول»، والثانى هو الشركات المملوكة للدولة، والثالث هو اقتصاد «الهوامير»، وهى مفردة تشير إلى الحيتان الكبيرة من أصحاب الشركات الخاصة، وأخيرًا المشروعات التى تديرها «الصناديق السيادية». وتقوم سياسة تميم بن حمد، ووالده من قبله، على ضمان انتشار أهل الثقة، ومن يدينون له بالولاء فى كافة المؤسسات، ويدينون لشبكة المصالح بالانتماء، ويخضعون لسيطرة الأمير بشكل شخصى. وتمثل غرفة صناعة وتجارة قطر مجلسا للتنسيق بين العائلة الحاكمة وبين رجال العائلات الثلاث بشكل أساسى، ومعهم كتلة تطلق على نفسها اسم «المجموعة» وتضم النافذين من أبناء باقى «المحاسيب» فى القبيلة القطرية. ويحلو للصحفيين المهللين للتجربة «الديمقراطية» الفذة فى قطر، أن يتغنوا بانتخابات غرفة صناعة وتجارة قطر، التى أجريت لأول مرة عام ١٩٩٨، كمبادرة جيدة على طريق الممارسة الديمقراطية، إلا أن الواقع يشير إلى أنه منذ أجريت الانتخابات لأول مرة وحتى يومنا هذا، لم يفز برئاسة الغرفة إلا أحد أعضاء العائلة الحاكمة، وهو خليفة بن جاسم آل ثانى. وعن ذلك علقت صحيفة «القبس» الكويتية فى ١٧ مايو ٢٠٠٦، بقولها: «فى أجواء رتيبة، بعيدة كل البعد عن روح المنافسة الحقيقية، التى تسود معظم انتخابات الغرف التجارية الخليجية، كانت كل المؤشرات تتجه إلى فوز ساحق للشيخ خليفة وكتلته، التى أطلقت على نفسها اسم «المجموعة»، وتضم ١٧ عضوًا، وأسفرت النتيجة عن استحواذ هذه الكتلة على جميع المقاعد بلا استثناء». ورغم ضمان السيطرة، يحتفظ شيوخ «آل ثانى» بكيان تجارى موازٍ لغرفة صناعة وتجارة قطر، يعرف باسم «رابطة رجال الأعمال القطريين»، التى يهيمن عليها ممثلو فروع العائلة الحاكمة، بما يضمن لهم التنسيق بشكل منفرد، خوفا من خيانة شركائهم فى كبار العائلات، ومن الانقلابات التى سيطرت على تاريخ العائلة.

التخوين المتبادل دفع «آل ثانى» لإسناد وزارة الدفاع لـ«آل عطية»

الأفرع التى تتكون منها العائلة الحاكمة فى قطر، غير متجانسة، نظرا للانقلابات المعتادة فى تاريخ العائلة، والخلافات الدائمة بينهم، والانقسامات المستمرة، والتحزبات الناتجة عن ألعاب الاستيلاء على السلطة، ولا يتسع المقام هنا لسرد التاريخ الأسود للعائلة الحاكمة فى قطر، ولكن من المهم إلقاء الضوء على الانقلاب الذى أطاح بثالث حكام قطر، عبدالله بن جاسم.

وذكرت المؤرخة روزمارى سعيد زحلان، فى كتابها «إنشاء قطر»، أن هذا الانقلاب كان فى منتصف الأربعينيات من القرن الماضى، وترجع أهميته إلى ما خلفه من نزاع كبير، حول تقسيم الثروة بين الحاكم المخلوع وأبنائه من جانب، وبين بعض إخوته، سلمان وعبدالعزيز من جانب، وأبناء عمومته من فرع أحمد آل ثانى، من جانب آخر، ما أحدث وقتها تصدعًا كبيرًا فى العائلة، لايزال أثره ملحوظًا إلى يومنا هذا، أثناء اتخاذ بعض القرارات السياسية المهمة.

وجرت العادة على ترضية أى حاكم مخلوع فى قطر بطريقة أو بأخرى، وتعويضه بطريقة غير مباشرة عن إزاحته من السلطة والمال بالتبعية، فعلى سبيل المثال، سعى حمد الأمير السابق إلى ترضية حاكم قطر الأسبق أحمد بن على، الذى أطاح به والده خليفة عام ١٩٧٢، عن طريق تزويج ابنه جاسم بن حمد من بثينة بنت أحمد بن على. ونتيجة لانقسام «آل ثانى» على أنفسهم، ولأسباب تتعلق بالترضية، يتم تعيين وزير الدفاع ورئيس الأركان فى قطر من عائلة «آل عطية».

وتاريخيا، فوجئ شيوخ «آل عطية» بهرولة «آل ثانى» للسيطرة على أموال النفط فور ظهوره، وطالبوا بتخصيص حصة من عائدات ترضية فرع من «آل عطية» بمناصب فى الشرطة والجيش، شكلت الحل الأمثل أمام «آل ثانى»، للهروب من تحكم أحد أفرع العائلة فى القوة الصلبة للدولة، ما يسهل له استخدامها بعد ذلك فى إقصاء الفرع الحاكم.

أبرز المتحكمين فى السياسة القطرية «حيتان استثمار»

المشهد الحالى فى قطر، يبرز عددا من الأسماء والأسر التى تتحكم فى مفاصل سياسة الدولة واقتصادها بشكل كامل، وتتولى اقتسام النفوذ فى الإمارة الصغيرة، وتشكل طبقة من الحاكمين لا يمكن تجاوزها، لفهم التطورات فى السياسات القطرية. ويأتى على رأس هؤلاء، حمد بن جاسم بن جبر، وأبناؤه، الذين لا تكفيهم بضعة أسطر لفهم مدى تغلغلهم فى مفاصل الدولة القطرية، ويحتاجون إلى دراسة منفصلة، تشرح طبيعة مواقعهم وأدوارهم.

حمد بن جاسم مال للاستعانة بأبنائه وأقاربه، وعدد محدود للغاية من أهل الثقة، من أبناء إخوته، ما قلص عدد الوزراء فى الدولة، أثناء رئاسته لمجلس الوزراء، من ١٩ وزيرا قبل بداية الألفية الجديدة، إلى ٩ وزراء فقط، تحت رئاسته فى ٢٠١٠.

فى الوقت نفسه، يمتلك بن جاسم تقريبًا نصف الأسهم المدرجة فى البورصة القطرية، بعدد ٤٦ شركة، ويتولى ابنه جاسم رئاسة مجلس إدارة بنك قطر الإسلامى QIB، ورئاسة شركة كيو إنفيست الإسلامية، وهو أيضا أحد مديرى قطر للتأمين، وعضو مجلس إدارة قطر للملاحة، أما شقيقه جبر، فهو عضو مجلس إدارة قطر للتأمين، فى حين يشغل شقيقه فهد بن حمد بن جاسم،منصب نائب رئيس مجلس إدارة شركة الخليج للمخازن.

ووفقا للعبة الجمع بين السياسة والاقتصاد، يمثل ثانى بن عبدالله؛ أبرز المساهمين ببنك قطر الإسلامى الدولى «QIIB»، فى حين يشغل ابنه عبدالله بن ثانى عضوية هيئة قطر للاستثمار «QIA»، ومجلس إدارة بورصة قطر، أما ابنه خالد بن ثانى، فهو من أعضاء مجلس رابطة رجال الأعمال القطريين.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل