المحتوى الرئيسى

نظرية «تروماى التعليم السريع»..!

09/15 21:58

فى النصف الثانى من سبعينات القرن الماضى أو أوائل الثمانينات منه -إن لم تخنى الذاكرة- أثارت محافظة القاهرة «ضجة إعلامية» ضخمة دامت عدة أيام وربما أسابيع، باعتزامها إلغاء عربات الترام القديمة البطيئة وإبدالها بأخرى جديدة سريعة، غير أن مواطنى العاصمة فوجئوا بعد ذلك بأنه جرى تسيير هذه العربات -المفترض أنها سريعة- خلف سابقتها القديمة «البطيئة»، ففقدت أهم ميزة لها وهى «السرعة»..!

قفزت إلى ذهنى هذه الذكرى وأن أستمع لكلمة للدكتور طارق شوقى، وزير التربية والتعليم الفنى، فى المؤتمر الأول لمعلمى المدارس الحكومية بالجامعة الأمريكية «معلم»، والخاص بتأهيل وتدريب المعلمين، الأسبوع الماضى، وهو يعلن أنه من المخطط خلال عام واحد من الآن أن يتم إلحاق الطلاب برياض الأطفال 2018-2019 بنظام تعليمى جديد يضم مليون طالب وطالبة على أن تتخرج أول دفعة من طلابها فى عام 2030.

وبصرف النظر عن رفض الدكتور «شوقى» الإفصاح عن «طبيعة هذا النظام الجديد»، وفق تعبيره الغريب للغاية «إننا نعمل بنظام دارى على شمعتك تقيد، خوفاً من الحسد»..! فإنه يبدو أن الوزير لا يدرك أن هذا النظام الجديد سيخضع له الطلاب وسيعمل على تنفيذه المعلمون، اللهم إذا كان من المقرر «استيراد» طلاب ومعلمين من الخارج لتطبيقه..!

ولأنه يؤمن حقاً بالانتقال لـ«مجتمع التعلم والابتكار»، فإن الوزير أعلن عن إنجاز جديد له وهو تغيير مسمى «الثانوية العامة» إلى «شهادة مصر».. وهو فعلاً «إن جاز» لخدمة الوطن..!.. وفى هذا الإطار فإن «إن جاز» الدكتور شوقى يماثل «إن جاز» أحد زملائه السابقين وهو الدكتور حاتم الجبلى وزير الصحة سابقاً، حيث اعتبر -وقت أن كان مستوزراً- أن تغيير اسم مستشفى أبوالريش للأطفال إلى «مستشفى أطفال مصر» من أهم إنجازاته..!

القضية يا سيادة الوزير لا تتعلق بتغيير مسمى أو مجرد إطلاق «شعارات رنانة»، بل إنها تتعلق بمستقبل وطن عانى كثيراً من نتاج مثل هذه الشعارات الجوفاء التى يتبناها وزراء التعليم على مدى سنوات طويلة دون أن تمتد أيديهم بالفعل إلى تحقيق الإصلاح والتطوير الحقيقى.. ويكفى هنا ما سبق أن ردده سابقوك على مدى سنوات طوال من شعارات «عقد التعليم.. التعليم قضية أمن وطنى.. التعليم قضية قومية».. وغيرها من تلك الشعارات الجوفاء التى لا نزال نعانى من نتائجها!

ولأن قضية تطوير المجتمع وبناء الدولة الحديثة التى نحلم بها جميعاً لا تتوقف فقط على مجرد تعديل مسمى أو الاهتمام بالتعليم قبل الجامعى أو الاهتمام فقط بالثانوية العامة أو «العامية» وفق ما تراه -إن كان هناك اهتمام حقيقى به- بل تتعداها إلى ضرورة أن التعامل مع التعليم كـ«قضية متكاملة» تستهدف تخريج أجيال تحتاجهم بالفعل خطط تنمية المجتمع والوطن.

وإذا كان الدستور قد نص على أن ميزانية البحث العلمى -الذى يمثل طوق النجاة للوطن من تلك المشكلات التى أصابته بالتيبس- هى 1% فقط من إجمالى الناتج القومى باعتبار أن مصر دولة فقيرة، إلا أن هناك بعض الدول الفقيرة الأخرى قد تغلبت على هذه المشكلة مثل الهند، وفق ما أكده الدكتور العالمى محمد غنيم، رائد زراعة الكلى فى الشرق الأوسط، الذى يعكف حالياً -رغم تقاعده- على إجراء أبحاث لإيجاد علاج لمرض السكرى يعتمد على الخلايا الجذعية، وإجراء التجارب حالياً على الكلاب، وهو ما يحتم علينا تكاتف كل الجهود لتخصيص صندوق هدفه تمويل البحث العلمى وبخاصة فى مجال «النانو تكنولوجى».

وعلى الرغم من أن ميزانية البحث العلمى لا تزيد على أقل من ربع ميزانيته فى إسرائيل، التى تصل إلى 4.5% من إجمالى الناتج القومى هناك -للأسف الشديد- إلا أن المشكلة الحقيقية التى تواجهه بالفعل هنا فى مصر تتعلق بعدم تطبيق نتائجه التى تسهم فى مواجهة مشكلاتنا اليومية، وأبسطها ما يعانى منه المرضى من تضاعف أسعار العلاج ونقص الدواء بعد «تعويم الجنيه».

ولا يستطيع أحد أن يجادل فى أن البحث العلمى هو أقصر الطرق لتحويل مصر من دولة نامية إلى دولة متقدمة، ويكفى هنا ما تجنيه دول العالم من مليارات الدولارات مع شروق الشمس كل صباح نتيجة اهتمامها بقضيته التى مكنت «كوكب اليابان» مثلاً من الانتقام من العالم بـ«العلم والتكنولوجيا» بعد أقل من خمسين عاماً من هزيمتها فى الحرب العالمية الثانية، بينما هنا وقبل بدء الدراسة بشهر على الأقل‏،‏ لا حديث فى البيت المصرى سوى حول تدبير مصروفات المدارس التى تتزايد رسومها عاماً بعد عام‏!‏

ويتحول هذا الحديث إلى هم وكرب فى أوساط الأسر الفقيرة التى تقتطع هذه المصروفات من قوتها اليومى‏، سواء كان بالأجر أو من راتب محدود حتى تتمكن من دفع رسوم الكتب الدراسية وشراء الزى المدرسى، فضلاً عن مستلزمات الدراسة من أقلام وحقائب وكراسات وكشاكيل‏ وتكاليف الدروس الخصوصية «وما أدراك ما هى»! ويظل ‏هذا الهم ملازماً للأسرة فيتحول إلى مأساة إذا كان لدى هذه الأسر أكثر من ابن، أو أنجبت الأسرة عدداً غير محدود من الأولاد جميعهم بمراحل التعليم الذى تحول إلى «بزنس» بدءاً من رياض الأطفال ومروراً بالمرحلة الثانوية وانتهاء بالتعليم الجامعى الذى امتصت دروسه الخصوصية دماء هذه الأسر‏!‏

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل