المحتوى الرئيسى

إلى صديقي الذي لا أعرفه.. هل لحزنك خبيئة؟

09/14 19:05

إلى صديقي الذي لا أعرفه.. تحية وسلاماً لقلبك وروحك.. تبدو بخير عند رؤيتي لك كل عدة أيام فلم نعد نلتقي يومياً كما السابق.. وأتمنى ألا يكن بك أثر وجع أو ضعف حتى وإن كان كأثر فراشة..

قرأت مرة عند أحد الأصدقاء جملة تقول " كيعقوب حين تولى عنهم؛ فاجعل لنا في الحزن خبيئة"، تعلقت بتلك الجملة كثيراً، ودونتها بداخلي، وأصبحت أرددها بين الحين والآخر. فأن يجد الإنسان في حزنه خبيئة بينه وبين الله؛ هو أسمى ما يمكن أن يتلقاه الإنسان كمعنى لوقت حزنه.

نقف كثيراً مكتوفي الأيدي وقليلي الحيلة والبصيرة عند كل نوبة حزن تعترينا، أو عند كل مرة نفقد فيها جزءً منا مع ضياع حلم، صديق، دعاء، أو حتى موقف عابر، نقف ناظرين للسماء محملين بكم كبير من الأسئلة تتمحور جميعها حول السبب، نخشى أن نقولها علانية "لمَ يا الله؟"، نخشى أن يكن ذلك اعتراضاً على تدبير أقره الله، ونعلم يقيناً بأن فيه الخير لنا.. ولكنا خُلقنا ضعفى، نحلم، نأمل، نُخطط، ندعو، ومع أول خفوت لشعاع النور، ننهار، وتنهار معنا كل ثوابتنا، إلا القليل منا.

نردد على مسامع الأصدقاء والمحيطين كلاماً عذباً ومعسولاً ومليئ بالإيمان والرضا عند كل مأزق يمرون به، فدعني أخبرك عن إحدى صديقاتي المقربات، والتي أتت الدنيا عليها بكفتيها بين ليلة وضحاها، تبدلت الأحوال والظروف والتفاصيل، في كل مرة يطرأ شئ، نحكي لساعات، ونبحث عن حلول، وننهي الحديث وأقول " بأن كل مر سيمر وأن كله خير"، أقولها يقيناً، وترد هي " بس يا صافي بس" ونضحك، ونعلم جيداً بأنها لن تكن المرة الأخيرة، وأن كل مرة نرى أنها الكَرة الأصعب، وربما لن تمر كغيرها، ولكننا سنحاول، ويأتي الأصعب.

يأتي دورنا ياصديقي، ونصبح وكأننا بمعزل عن العالم، معزل عن إيماننا، كل ما قصصناه من مواقف مرت من قبل، مرت وأخذت معها ما أخذت، وتركتنا هنا محملين بتجارب وكلام نغزو به عالمنا، ولكن في كل مرة تأتي المواقف وكأن العالم يقرر عنادنا ومحاربتنا كعدو مقاتل، فهل حقاً لم يحبنا العالم يا عزيزي كما نردد؟.

ربما اتقبل حزني بصدر أكثر سعة، ولكني لا اتقبل حزن أحبتي، خاصة وإن كان الحل أكبر من قدرتي على فعله، أقف عاجزة لا أقوى على شئ، مؤخراً، أصبحت الكلمات تخرج مني دون دراية، اتسائل بصوت مسموع "لمَ يا الله؟ لمَ يحدث ذلك كله؟" وبدأت أطرح على نفسي وبيني وبين الله أين يارب يذهب الدعاء؟ أليس الدعاء قادراً على تغيير القدر؟ فنحن وبرغم إيماننا بالقدر خيره وشره؛ ولكن قلّت قدرتنا على التحمل، قلّت قدرتنا على توقع ما يمكن أن تأتي به الأيام المقبلة.

أمازلت مؤمن بقوة الدعاء يا صديقي؟ هل تؤمن بأن دعائك يصل؟ هل تجد أنه مازال سبيلاً أمامك للمواجهة مع كل ما يمر؟، كان الدعاء خبيئتي في كل ما مر، ولكنه لم يعد كذلك، حزينة أنا الآن بقولي ذلك، ولم أجد سبيلاً آخر للمواجهة، لست حزينة، ولست سعيدة، لا اعرف حالتي بالتحديد، يمر كل شئ، ويمرون هم كذلك.

لا أعلم لمَ تحول خطابي اليوم إلى مأساوي، لم يكن هذا هو ما أريد قوله لك اليوم، ولكن تدفقت كلماتي هكذا، دون ترتيب، ودون معرفة لمَ قلت ذلك؟، حتى قائمة الأغاني التي أسمعها الآن أثناء كتابتي ذلك تحولت بشكل درامي إلى أغاني بائسة وحزينة، دون رغبة مني في ذلك، ودون أي تأثر مني كذلك، مجرد موسيقى خلفية لمواقف خَفِية نمر بها، تركت بنا بعض من التيه والخذلان والجرح الذي نأمل أن يلتئم سريعاً.

أوقفتها، لا أريد مزيداً من الدراما.

لا أريد فقدان طاقتي، ولا قدرتي على تقبل الأشياء بصدر أكثر سعة، ولا أريد أن أتحول إلى نسخة أخرى مني، ولا أريد أن يقل إيماني بما حولي. أرسلت لي صديقتي معلمة القرآن رسالة نصية طلبت مني نصاً "خلي بالك من الصُغننة اللي جواكي"، كانت رسالة اليوم وتجددت رغبتي في الحفاظ على نفسي، مرهق هذا ولكنه يستحق المعاناة.

فلتدعو معي بأن يجعل الله من أحزاننا عوناً، وأن يجعل لنا فيها خبيئة نتقرب بها إليه، وأن يغفر لنا حماقاتنا الماضية وضعف بصيرتنا لحكمته وتدابيره، فلعله أحدث بعد ذلك أمراً ولكن كانت قلوبنا غافلة. 

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل