المحتوى الرئيسى

طب الفراعنة| تاريخ الجراحة في مصر القديمة - ثقافة وتراث

09/14 14:33

يعتقد الكثيرون من علماء المصريات أن الفضل في تفوق المصريين القدماء في علم الطب عامة  ومجال  الجراحة خاصة  يرجع إلى   انفرادهم  بأسرار علم التحنيط والذي ما زال- رغم الدراسات الكثيرة- أحد ألغاز مصر القديمة.

وبحسب الدكتور حسن كمال في كتابه “الطب المصري القديم” فقد سمح التحنيط للمصريين القدماء النظر عن  قرب للأعضاء الداخلية للجسم الإنساني ومعرفة وظائفها وأمراضها، وكان  له الفضل في أن يمارس القدماء طب الجراحة، بعد  أن استطاعوا إعمال مشارطهم وسكاكينهم في الجثث لتفريغ محتوياتها، تمهيدًا لتحنيط الجثة، لم يكن صعبا عليهم بعد ذلك إعمال مشارطهم لاستئصال الأورام  وإجراء العمليات الجراحية.

الدكتور كمال يفسر ما ذكرته بردية (أدوين سميث) 1600 ق.م، والتي تعد أول وثيقة طبية في التاريخ، إلى ثلاثة أنواع من الأطباء في مصر  القديمة: الأطباء الباطنيين والجراحين والروحانيين مع ملاحظة أن الأطباء كانوا في الأصل كهنة، وسمى الجراحون كهنة سخمت، وهي إلهة القوة والحرب، ولعل في ذلك  إشارة  إلى وجوب تحلي الجراح بقوة الأعصاب والثبات لإجراء جراحة ناجحة.

يشير كمال المنظر الشهير بمعبد كوم أمبو، يوضح بالدليل الواضح على سبق المصريين في مجال طب الجراحة، فذلك المنظر الذي صور الملك يقدم  الأدوات الجراحية قربانا للآلهة، كشف عن أدوات شديدة الشبه بالأدوات المستخدمة حاليا مثل المشرط والجفت والمسبار والملقاط، واحتوت على بعض الأدوات غير المعروفة، وإن اعتقد أنها ربما تكون أدوات خاصة بالتحنيط .

وقسمت الأدوات الجراحية بالمنظر إلى أربع صفوف أفقية:

يبدأ الصف الأول من  اليمين إلي اليسار  بقرنين متعرجين، يحتمل أن يكونا أداة كسر عظمة الأنف الواقعة تحت الجمجمة، إذ دلت برديات التحنيط أن تلك الوسيلة كانت تتيح  لكاهن التحنيط أن يوسع فتحة أعلى الأنف فيستطيع أن  يذيب المخ داخل الدماغ، باستخدام مادة مذيبة تحضر من أعشاب طبيعية، ثم مجموعتي إبر ثلاثية الأعمدة ومتصلة يبعضها من فوق في شكل ناقوس مقلوب.

ويعتقد بعض الأثاريين أن هذه الأداة السابقة بشكلها ربما تكون أداة توسيع فتحة المهبل في حالات أمراض النساء، فيما اعتقد آخرون أنها أداة المباعدة بين طرفي القطع الجراحي، وظن آخرون أنها إحدى أدوات طب الأسنان، ثم مجس أو قسطرة وآلة كي ثم مسبر ومجس ثم آلة  غليظة الوسط رفيعة الجانبين تشبه المشرط .

وفي الصف الثاني من اليمين إلى اليسار نجد (هاون) بميزاب ومدقة أسفله، وكان يستخدم في تحضير وطحن المخدر والعقاقير الطبية، ثم مبضع صغير ذو حدين، ربما  كان يستخدم في عمليات التربنة، ثم جفت ثم زجاجة صغيرة أسفلها 3 ملاعق ثم مخرزان أو ملقطي خياطة الجرح.

وفي الصف الثالث من اليمين إلى اليسار، ميزان لوزن المخدر والعقاقير ثم لفافتي أدوية ثم جفتين .

وفي الصف الرابع من اليمين لليسار، مشرطين ثم إبرتي خياطة ثم علبتين مربعتين غير معروف وظيفتيهما أسفلهما لفة خيط، وربما تكون اسفنجة لتنظيف الجروح، ثم مقص عريض، يشبه إلى حد كبير (مقص برمبرك)، والذي يستخدم في قطع الصفاقات السميكة والخياطات ثم ملقاطا ثم كأسي حجامة.

ويعتقد الباحث الأثري حسن عوض أن المصريين القدماء استخدموا  نوعين من المخدر: المخدر الموضعي، والذي كان يحضر بطحن نوع من الحجر من الممكن أن يكون حجر الهامر لعمل بودرة، وهو نفس  الحجر المستخدم حاليًا لتصنيع بودرة الأطفال للتسلخات، وهي نفس نوع البودرة التي كان يستخدمها حلاق الصحة بالقرى قبل الوحدات الصحية، ويستخدمها كمخدر أيضًا.

كما كانت تخلط مع الخل وتستخدم كمخدر موضعي للجراحات البسيطة، أما الجراحات الكبيرة فكان يستخدم فيها نوع من الخمور قوى التركيز، وعرف المصريين القدماء أيضا أنواع عديدة من المخدرات كالحشيش والأفيون وأيضا كانوا يستخدمونها كمخدر ومسكن للألم .

الدكتور وائل سليمان، أستاذ الآثار اليونانية والرومانية بكلية السياحة والفنادق جامعة المنيا، يقول إنه غير معروف متى بدأت عملية التربنة في مصر القديمة، لكن أقدم الجماجم التي وجد بها أثر لهذه العملية ترجع إلى الأسرة الرابعة (حوالي 2500 ق .م)، وجدت غرب جبانة الجيزة لرجل في سن الخمسين من العمر، وهي محفوظة الآن في متحف معهد التشريح بجامعة القاهرة، وقد وثقها عالم الآثار فريدريك وود جونز سنة 1910.

يتابع أن تلك العملية ظهرت على القليل من الجماجم في عصور لاحقة، وقد ظهرت في لوحة كوم أمبو الأداة المستخدمة في عملية التربنة، وهي عبارة عن مبضع ذي حدين، كما عثر على منظر بمقابر بني حسن  بالمنيا لطبيب متربع يمارس عملية لمريض في رأسه من المحتمل أن تكون عملية التربنة، وذكر عالم الآثار أرموند روفر أن المصريين كان لهم خبرة كبيرة في مجال الجراحات وأنهم توصلوا إلى طريقة عمل ثقب في عظام جماجم الأحياء، وهو ما يعرف اصطلاحا بعملية التربنة .

ويعتقد المرشد السياحي محمد كرمي أن المصريين عرفوا طرق خياطة الجروح باستخدام خيوط الكتان، وأن ما ذكره هنري برستيد في كتابه فجر الضمير حول شرحه لكلمة ( أدوين ) والتي وردت 6 مرات في بردية ( أدوين سميث)، إذ ترجمها برستيد بمعنى خاط، كما أنه أورد صورًا شمسية لمومياوات ترجع للأسرة 21 (1000 – 945 ق.م) في بطونها آثار لجروح مخاطة وهو ما يؤكد نظريته.

وينوه كرمي إلى أن بعض علماء الآثار واللغة المصرية القديمة ترجموا كلمة ( أدوين ) بمعنى مشبك، وهو ما يستعمل حاليًا لتقريب حافتي  الجرح، وأن قبول هذه النظرية يجعلنا نعطي السبق للمصريين القدماء في استخدام ذلك التكنيك، والذي يستخدم حاليا في مرحلة ما بعد خياطة الجروح السطحية.

ويلفت كرمي إلى أن الأنصال الطويلة والمدببة التي ظهرت في لوحة الأدوات الجراحية يعتقد أنها كانت تستخدم في كي الجروح العميقة من خلال تسخينها على النار لتستخدم كمكواة لكي الجروح واستئصال الأورام والأكياس الدهنية.

يتابع أن لوحة الأدوات الجراحية تظهر أيضا استخدام المصريين لضمادات للجروح كانت غالبا ما تصنع من أقمشة الكتان، كانت تبلل تلك الضمادات بخليط من الشحوم الحيوانية والعسل، لتمتص يعبر الجلد لتسهيل عملية التئام الجروح .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل