المحتوى الرئيسى

الأعسر.. كيف يعيش «الأشول» فى مصر؟

09/12 21:41

ليست مشكلة جسدية أو نقصا يُولد به الشخص «الأعسر»، بل مجرد اختلاف فى الجينات يجعل الجزء الأيسر من الجسد أقوى وأفضل، لكن الوضع فى الحياة اليومية لا يكون بذلك الوضوح دائما.

الأبوان مثلًا يجبران ابنهما على استخدام يده اليمنى فى تناول الطعام والكتابة منذ الصغر، كما أن الأطفال يسخرون ممن يرونه مختلفًا عنهم. وحين يدخل «الأعسر» فى الحياة العملية يكتشف أن أكثر الأدوات الهامة صنعت خصيصا لـ«الأغلبية اليمنى»، وسرعان ما تطاردهم بعض التعقيدات القانونية لدى المحامين.

العلماء انقسموا بين مؤيد ومعارض لفكرة أن «الأعسر» أذكى من الشخص العادى، ويضربون الأمثال بالكثير من العظماء من العلماء والفنانين على مدار التاريخ الذين يستخدمون يدهم اليسرى، كما أنهم يبرزون فى الرياضات المختلفة بشكل لافت.

الأكل أصبح عذابًا بسبب «كُل بيمينك» والضرب فى المدرسة بلا ذنب

منذ صغره لاحظ أن قوته تكمن فى يسراه، فعندما يريد أن يأكل يجد يده اليسرى تمسك تلقائيا بالملعقة، وعندما يرغب فى الكتابة تمسك يسراه القلم بكل إتقان، وهكذا تتم معظم أمور حياته، فيده اليسرى هى الأفضل والأقوى.

هو «مصطفى قطب»، شاب عشرينى يحكى قصته لـ«الدستور»، ويقول إن طفولته لم تمر ببساطة لكونه «أعسر»، وكانت أسرته وأقاربه يصرون على أن يستخدم يده اليمنى فى تناول طعامه، رغم أنه لا يجيد ذلك، مستخدمين الحديث الشريف «كل بيمينك».

وظل الأمر كذلك حتى صار فى سن الثامنة، عندما استطاع خاله إقناع أفراد العائلة بعدم إجباره على ذلك.

وحين وصل إلى سن الجامعة، أصبحت الأمور أكثر سهولة، بعد اكتشافه امتياز كونه «أعسر» عندما كان مدربو رياضة الملاكمة يتنافسون على ضمه إلى فرقهم، لأن ضربات «الأشول» غير متوقعة.

أما ماهى قنديل، فقد تربت فى عائلة معظمها من أصحاب اليد اليسرى، لذلك لم تتعرض إلى ضغوط منهم، لكنها فى المقابل تعرضت لمواقف عديدة لاستخدامها يدها اليسرى خارج منزلها.

تقول عن تلك المواقف: «مكنتش بعرف أقعد على ديسك المدرسة، كنت ما بين إنى أقعد على الشمال جنب الحيطة وأخبط فيها، أو إنى أقعد جنب حد فيتضايق، والمدرسين كانوا بيضربونى فى الفصل لما أقعد أكتب جنب حد بيكتب باليمين، لأنى كنت بخبط فيه غصب عنى وهما فاكرينى بخبطه عن قصد».

بدورها، تحكى مروة عبدالله، الفتاة العشرينية، عن مواجهاتها مع المجتمع لكونها «عسراء» فتقول: «زى معظم الناس اللى بتستخدم الشمال، واجهت شوية اعتراضات من أهلى، خصوصا عمّى فى مسألة الأكل، كان بينظر لى بغضب وينزع الملعقة من إيدى الشمال ويضعها فى اليمين، وبعدها يسخر منى عشان مش عارفة أمسكها».

وأضافت: «أصبح وقت تناول الطعام عصيبا، لأنى أضطر إلى وضع الطعام باستخدام يدى اليسرى ثم الإمساك بالملعقة باليد اليمنى، حتى أتجنب عتاب الأهل».

لكن القصة الأكثر غرابة هى عندما طلبت فتاة من مروة كتابة بعض الآيات القرآنية على إحدى اللوحات، وما إن بدأت فى كتابة «بسم الله الرحمن الرحيم» تفاجأت برد فعل غاضب من زميلتها التى قالت: «أستغفر الله العظيم، مينفعش تكتبى حاجة فيها ذكر ربنا بإيدك الشمال»، لتقف الفتاة «العسراء» مذهولة لا تعرف ماذا تفعل.

«الماوس» وديسك الامتحانات وأدوات التقطيع.. العِلم يظلم «أصحاب الشمال»

فى قاعة امتحانات المرحلة الجامعية، يجلس طالب على الكرسى المخصص للامتحانات الفردية، وعلى يمينه المكان المخصص لوضع كراسة الإجابات وورقة الأسئلة، فتساءل: «أنا شخص أعسر، كيف لى أن أكتب على ذلك الكرسى المخصص لأصحاب اليد اليمنى؟، ألم يتوقع صاحب الاختراع أن هناك أشخاصا يستخدمون اليد اليسرى؟».. لم يجد إجابة لأسئلته، واضطر إلى الجلوس بطريقة مؤلمة لجسده حتى يتمكن من حل الامتحان بيده اليسرى.

هكذا حال «الأعسر» فى كل امتحان، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل هناك عشرات من الأدوات المهمة فى الحياة اليومية يجدها «الأشول» صعبة الاستخدام، لكونها مهيأة لأصحاب اليد اليمنى خصيصًا، ومنها «ماوس الكمبيوتر»، «آلات فتح العبوات المعدنية»، «المقصات»، «أدوات تقشير الخضروات»، وغيرها.

تقول منى عبدالعزيز، الفتاة «العسراء»: «فى الامتحانات بنلف جسمنا كله عشان نقعد على الديسك، ودا بيخلينا نفقد تركيزنا، وبرضه استخدام السكاكين والمقصات وفتاحة علب التونة صعب جدا وبيعرضنا للجروح».

وتضيف منى أن هناك الكثير من الأمثلة على أدوات يتم استخدامها يوميا رغم أنها مخصصة لأصحاب اليد اليمنى فقط، لكن أصحاب اليد اليسرى اعتادوا عليها ولم تعد هناك صعوبة فيها.

وتتابع: «فيه بعض الحاجات بالممارسة بنتعود عليها، زى ماوس الكمبيوتر والتحكم فى عصا الفتيس فى العربيات، وأدوات التحكم فى البلايستيشن».

الضباط والجنود أيضا يتعرضون إلى مشكلة كبيرة بسبب تصميم الأسلحة، وتحديدا الآلية منها، لأنها مصممة لأصحاب اليد اليمنى بحيث تنطلق فوارغ الرصاص إلى الناحية اليمنى، الأمر الذى يعرض الجندى أو الضابط «الأشول» إلى خطورة الإصابة بالفوارغ الساخنة فى الوجه.

عقدة «إمضى يا أشول» تطاردهم ومحام: توقيعهم قانونى

«إمضى يا أشول».. بهذه الجملة استطاع عادل إمام وسعيد صالح فى فيلم «سلام يا صاحبى» النصب على مواطن، وباعوه سيارة بطريقة غير قانونية، فقد استخدم يده اليسرى فى الإمضاء رغم أنه ليس بالشخص الأعسر.

ويبدو أن المشهد بقى فى عقول المحامين، لذلك لا يقبل عدد كبير منهم أن يكون الإمضاء باليد اليسرى، بل يصرون على «بصمة الإبهام» كطريقة بديلة لإبرام العقود.

عماد عبدالعزيز، رجل أربعينى «أعسر»، اعتاد شراء الشقق السكنية وبيعها، فهو يستثمر أمواله بتلك الطريقة، لكنه يواجه موقفا متكررا حين يبرم عقود بيع وشراء، فالعديد من المحامين يرفضون قبول الإمضاء باليد اليسرى، خوفا من الخداع والتزوير.

يحكى عبدالعزيز: «متعود أبيع وأشترى شقق، ودايما بنبقى عند محامى عشان الأمور القانونية، وأول مرة حصلتلى من حوالى ٨ سنين، لما جيت أمضى العقد بإيدى الشمال بصلى باستغراب وسألنى إنت أشول؟، وأصر على إنى أبصم على العقد، ولما سألته قال ده إجراء بنتبعه كمحامين فى حالة الشخص الأيسر لضمان عدم التزوير».

أما سناء حسين، السيدة الخمسينية، فتروى قصة مشابهة تعرضت لها، فأثناء بيعها أحد العقارات فى وجود أحد المحامين، طلب المحامى من الشارى وضع بصمة إبهامه على العقد، بعدما علم أنه «أعسر»، ورفض إتمام أية إجراءات قبل وجود البصمة على العقود.

عن ذلك يقول المحامى إبراهيم نور، إنه لا يوجد قانون يفيد بضرورة أن يضع الشخص «الأعسر» بصمته على عقود البيع والشراء، مضيفًا أن صاحب اليد اليسرى يتساوى مع الشخص العادى فى مسألة الإمضاء والتوثيق، وما يحدث هو مجرد إجراء روتينى لطمأنة الطرفين من أى شبهات.

وأضاف نور: «كثرة حوادث النصب والاحتيال بين المواطنين، وتنوع وسائل النصب، جعل المحامين يخشون الخداع، وهو ما يؤدى بهم إلى تجنب أى خطأ عند إبرام العقود لأنهم يتحملون المسئولية كاملة عنها، وبالتالى نرى مثل تلك الإجراءات التى وإن كانت ليست قانونية، لكنها تكبح جماح النصابين وتجعلهم يخشون الوقوع فى مصيدة القانون».

فى كرة القدم والتنس يتنافسون على «الحريف».. و«البولو» محرمة عليه

«ليونيل ميسى، دييجو مارادونا، رافاييل نادال، جون ماكنرو، زاركو ماركوفيتش، وأحمد الأحمر».. أمثلة للاعبين عظماء فى رياضات مختلفة، اشتركوا جميعا فى كونهم يستخدمون اليد اليسرى، وتفوقوا فى رياضاتهم بسبب اختلافهم عن الطبيعة السائدة للاعبين الذين يستخدمون اليد اليمنى.

الأمر ليس صدفة، بل يختار المدربون فى الألعاب الرياضية المختلفة اللاعبين الذين يستخدمون اليد اليسرى، لأنهم يختلفون من الناحية التكتيكية عن أكثرية اللاعبين المعتمدين على يدهم اليمنى.

محمود سلامة، مدرب فى رياضة الملاكمة، يقول إنه يفضل اللاعب «الأعسر»، لأن لديه تفوقا من الناحية الفيزيائية أثناء النزال، فيده اليسرى تكون مواجهة لوجه خصمه بشكل أكبر.

الأمر ذاته ينطبق على ألعاب التنس والبينج بونج، فاللاعب «الأشول» يسدد ضربته فى اتجاه اليد اليسرى الضعيفة لدى الخصم، وهو ما يشكل أحد عوامل تفوق اللاعب إذا ما كانت مهارته جيدة، حسبما يوضح مدرب التنس «عمار راتب».

يضيف المدرب أن ميزة «الأشول» تكمن فى عنصر المفاجأة الذى يمتلكه عندما يواجه الشخص الأيمن، لأن حركاته تكون غير متوقعة للخصم، وهو ما يعجبنا كمدربين، حيث نحرص على وجود «الأشول» المتفوق فى التنس لأنه يلعب بطريقة مغايرة فى الملعب.

أما فى لعبة كرة القدم، فالعديد من نجوم الهجوم يكونون من ذوى القدم اليسرى، لأن اللاعب «الأعسر» يستطيع بمهارته التغلب على اللاعبين الذين يستخدمون الرجل اليمنى.

لكن الأمور لا تسير على نفس الطريقة فى جميع الرياضات، لأن هناك بعضا منها لا يمكن أن يمارسها اللاعب «الأعسر» من الأساس، أشهرها لعبة «البولو» التى تلعب باستخدام مطارق خشبية أثناء ركوب الحصان.

وحفاظا على سلامة اللاعبين من اصطدام تلك المطارق أثناء المباراة يمنع اللاعب «الأعسر» من ممارستها، ورغم أنه فى فترة من التاريخ تم السماح للاعبين من أصحاب اليد اليسرى، إلا أنه تم منعها مرة أخرى بعد وقوع بعض الحوادث، وكان ذلك فى عام ١٩٧٤.

طبيب نفسى: جملة «الأشول أذكى» أسطورة وبالتدريب يمكنه استخدام اليمنى

قال جمال فرويز، أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة، إن هناك العديد من الدراسات التى أجريت على الأطفال الذين يستخدمون اليد اليسرى، وبينها أشارت دراسات إلى أنهم أكثر ذكاء من زملائهم مستخدمى اليد اليمنى، بالإضافة إلى كونهم انطوائيين. وأضاف فرويز أن هذا الأمر غير صحيح، فالجميع متساوٍ فى القدرات العقلية، والفروق بينهم فردية لها علاقة بنشأة الطفل وبعيدة عن استخدام اليد. وأشار إلى وجود فصين بالمخ، عندما يسيطر الفص الأيسر، يستخدم الطفل اليد اليسرى، وعندما يسيطر الفص الأيمن يستخدم الطفل اليد اليمنى، دون وجود فروق تذكر فى ذلك. وذكر أن طريقة العديد من المعلمات فى المدارس تنفر الأطفال فى طريقة كتابتهم، وتجبرهم على استخدام اليد اليمنى، لاعتقادهن أن هذا فى مصلحة الطفل، لكن لابد أن تستوعب المعلمات فى المدارس تكريس مجهودهن على تنمية مهارات الطفل، دون التركيز مع كيفية الحصول على ذلك، لأن القدرات العقلية والذكائية واحدة. وشدد على أن الأهالى يجب أن يعلموا أولادهم أنهم مساوون تمامًا لزملائهم، وأن يقابلوا تندراتهم بصدر رحب وألا يؤثر ذلك على نفسيتهم، وذلك لوجود عدد كبير من الأطفال الذين يشعرون بأنهم منبوذون ومن ثم يقعون فى الانطواء.

وأوضح فرويز أنه يمكن تدريب الطفل على استخدام اليمنى، ويستطيع الأهل أن ينجحوا فى ذلك، لأن التدريب يجعل كل شىء ممكنا، كما يمكن لمستخدمى اليد اليمنى أن يتدربوا على استخدام اليد اليسرى.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل