«خلية أرض اللواء» الإرهابية.. لغز المحامي والسيارة الحمراء كشفا المخطط

في الرابعة والنصف ارتفع آذان الفجر، وكان عمرو محمد لا يزال مستيقظًا بعد أن أغلق دكانه الخاص بالحدايد والبويات بشارع الإسفنج المتفرع من شارع (الطريق الأبيض – وسمى بهذا الاسم لكونه قديمًا عندما بدأوا فى رصفه بوضع جير أبيض بشكل كبير ومنذ وقتها حمل الطرق هذا الاسم) بمنطقة أرض اللواء التابع لحي العجوزة والدقي بمحافظة الجيزة، وهم بالصعود إلى شقته.

دقائق قليلة وبدأت الركعة الأولى فى ميكروفون (مسجد الحبيب) المجاور لمنزله، إلا أن الركعة الثانية لم تكتمل بعدما استقبلت الحارة انفجار مدوي، صعد دخانه فوق العمارات المجاورة – حسبما يقول عمرو الذى يقطن المنزل المجاور للشقة الذى أعلن الأمن عن تصفية خلية إرهابية بها صباح الأحد.

يقول عمرو: "ظننت أن أنبوبة غاز قد انفجرت فى العمارة المجاورة وسقطت على إثرها منهارة، الدخان الأسود ملىء شققنا عن آخرها، وبدأت الطلقات النارية بشكل مدوى بين الأمن والإرهابيين الذين لم نراهم من قبل فى المنطقة، وتعالت أصوات القوات الخاصة تالحذير بعدم خروج أى ساكن من شقته، واستمر تبادل النيران منذ الخامسة وحتى السابعة، ثم فوجئنا بالأمن يخرج نحو 8 جثث مغطاة أجسادهم ولكنهم دون لحى، وذو بنية جسمانية قوية".

وأشار إلى أنه تسلل لشباك شقته، ورأى المشاهد الأولى قبل انفجار قنبلة ألقاها الإرهابيين على قوات الأمن فى الشارع خلال المداهمة لا سيما وأن الشارع عرضه يبلغ نحو 3 مترات، مضيفًا «أول ما القوات الخاصة وصلت ونزل من سيارة كلبين من اللى بيكشفوا المتفجرات، وبدأ نباحهم على عربية ملاكى حمراء ماركة لانسر، ما دفع أفراد الأمن لتكسيرها وتفتيشها".

وأفادت معلومات وردت لجهاز الأمن الوطني، بتواجد 8 من المنتمين للجماعات الإرهابية داخل شقة سكنية بمنطقة أرض اللواء، وتوجهت قوة أمنية إلى مكان الشقة، وفور وصولهم؛ فجَّر الإرهابيون قنبلة، أسفرت عن مقتل عدد كبير منهم، وإصابة عدد من رجال الشرطة».

وفى نفس الأثناء داهمت قوات الأمن عقار سكنى آخر بمنطقة الإسفنج بشارع السوق فى أرض اللواء، وقامت بتصفية عنصرين إرهابيين هناك أيضًا بعد أبلغ عنهم أحد العناصر ممن تم القبض عليهم بوكر الطريق الأبيض.

من هم هؤلاء الإرهابيين؟ ومن أين أتوا؟ وإلى أى شىء كانوا يخططون ومن المستهدف لمخططهم؟ وما هى خططهم من الأساس؟ وما هو لغز صاحب الشقة التى كانت وكرًا للخلية الإرهابية.. أسئلة شديدة التعقيد حاولت «الدستور» تتبعها عقبل الحادث والعثور على بعض الإجابات وربطها ببعض الأحداث وغموض بعضها.

البداية كانت من مصدر أمنى رفيع، حيث أفاد بأن بلاغ من أحد المواطنين فى منطقة الإسفنج بالطريق الأبيض حول وجود مجموعة من الإرهابيين يصنعون متفجرات فى إحدى الشقق السكنية، وبدأت التحريات مع المرشدين إلى أن تم الوصول لهم وتحديد خطة للقبض على الخلية فى أوقات متأخرة من الليل.

أحد شهود العيان من السكان المجاورين – طلب عدم ذكر اسمه – كشف عن شخصية صاحب الشقة التى تحولت لوكر الإرهابيين، مشيرًا إلى أن الجميع فى حالة استغراب مما حدث لا سيما وأن صاحب الشقة يدعى "شريف" كان يعمل محاميًا حتى ثورة 30 يونيو، وهو متزوج ولديه طفلة صغيرة لم تبلغ 5 سنوات، وأنه كان محترمًا للغاية ويعامل الجميع بأدب ولا أحد يعلم عنه شىء أو يسمع عنه أى شىء، ويتردد على زيارته أخًا له ووالده ووالدته وكانت آخر زيارة لهم فى عيد الأضحى الماضى.

الغريب فى كلام شاهد العيان المجاور للعقار محل الواقعة بالطريق الأبيض، هو أن شريف المحامي بعد 30 يونيو ترك مهنة المحاماة واشترى توكتوك وعمل عليه هو وفرد آخر كان يعمل بالتبادل معه، مشيرًا إلى أنه كان يصلى فى مسجد الحبيب المجاور للمنزل وهو زاوية للصلاة بين أهالى الشارع، ولا يترك فرضًا، إلا أن ما أخذ على هذا المحامى الذى كانت شقته محل الواقعة هو أن زوجته كانت ترتدى النقاب من فترة لأخرى وتخلعه من حين لآخر.

وفوجىء الأهالى بهذا الرجل الذى لم يعد التوك توك معه، وأصبح يمتلك سيارة ملاكى حمراء ماركة "ميتسوبيشي"، ويقودها أمام الجميع، ما أثار استغراب الجميع فى هذا التحول من الـ«تك توك» إلى السيارة لا سيما أنه فقير وحالته بسيطة ولا يملك شيئًا، وتشاء الأقدار أن تكون تلك السيارة هى التى حطمتها العناصر الأمنية بعد أن نبح عليها الكلاب البوليسية.

يتزامن ظهور تلك السيارة مع ظهور عناصر الخلية الإرهابية التى تم تصفيتها هناك، ومن المرجح أن تكون وظيفتها نقلهم من منطقة ما إلى شقته، لا سيما وأن كل الشهادات التى جمعتها "الدستور" تؤكد عدم رؤيتهم لأى أحد داخل شارعهم وإلا كان سيتم تمييزهم عن الجيران والأهالى.

بعد تتبع أكثر، وبالبحث وتواصل "الدستور" مع مالك العقار ويدعى "شعبان" الذى يزور قريته فى الفيوم، لظروف مرضية تمر بها والدته، واضطر على إثرها ترك العمارة التى يملكها بأرض اللواء والسفر لوالدته، أشار إلى أن شريف المحامي استأجر منه الشقة بالدور الرابع من العمارة ومعه زوجته منذ نحو 5 سنوات، ولم يظهر عليه أى شىء، منوهًا إلى أن والد شريف كان يعيش بمنطقة ميت عقبة.

ولم يتسنى لـ"الدستور" معرفة إن كان شريف قد قتل ضمن الإرهابيين الثمانية الذين تبادلوا النيران مع قوات الأمن أم لأ، خاصة وأن البحث الجنائي منع الجميع من الاقتراب من مكان الواقعة.

وفى تلك الأثناء، تقول شهادات عديدة جمعتها "الدستور" إن أحد الإرهابيين بشقة الطريق الأبيض تم القبض عليه، أو ربما هرب مسرعًا لشقة أخرى، إلى منطقة عبده خليفة بأرض اللواء، ودل قوات الأمن على باقى الخلية فى شارع الإسفنج بحى السوق، حيث فرضت كردونًا أمنيًا مشددًا وأطفأت كاميرات المراقبة الخاصة بالمحال هناك ومنع الجيران من الخروج لنحو ساعتين حتى انتهى الأمر بتصفية عنصرين هناك أيضًا.

عم حسني، صاحب محل منظفات مقابل للعمارة الذى شهدت الواقعة، أوضح أنه يكون شاهدًا فى أغلب الأوقات على تسكين شقق العمارة محل الواقعة، نظرًا لأن صاحبة العمارة زوجها متوفى وتأخذه شاهدًا على توقيع عقود الايجار، يقول أن العمارة 6 أدوار وهى الأعلى فى الشارع، وكل الأدوار ساكنة باستثناء أخر طابقين، التى ربما تم تسكين الإرهابيين في الدور الخامس، منذ 10 أيام تحديدًا، كما أن الدور الأخير فى العمارة تسكنه سيدة سورية ومعها زوجها ولا تتحدث إلى أحد كونها غريبة عن المنطقة، مثلها مثل اليمنيين والصومالين والسودانيين الذين استوطنوا منطقة أرض اللواء منذ ثلاث سنوات.

السيدة السورية والطابق الخامس لا زالا لغزين فى واقعة الخلية الإرهابية، التى بمجرد أن بدأ تبادل النيران مع قوات الأمن، تمكن أحدهم من القفز للعمارة المجاورة، وتمكن بالسلاح الذى كان بحوزته أن يحتجز سيدة وبناتها الاثنتين رهائن فى محاولة منه للخروج والإفلات من الأمن.

ويقول عم حسنى أن زوجها متوفى وتعيش هى وبناتها فى هدوء منذ 4 شهور تقريبًا هي سيدة منتقبة لا أحد يعرف عنها أى شىء، إلا أن القوات الخاصة تمكنت من تحرير الرهائن بعدها بوقت قلبل.

المصدر الأمني الرفيع الذى تحدثت «الدستور» معه، يتطابق كلامه مع البيان الذى أصدرته وزارة الداخلية، التى نفت أن تكون خلية أرض اللواء جائت من بنى سويف، لكن اتضح أن معظم عناصر الخلية طلاب جامعة منتمون لفرع من شباب جماعة الإخوان الإرهابية الفارين من سيناء، بعدما كانوا يحاولون الانضمام إلى تنظيم داعش.

بعد تجميع كل خيوط الخلية، وبيان وزارة الداخلية الذى كشف عن شخصيات الإرهابيين الذين تم تصفيتهم وكان من ضمنهم خليل سيد خليل أحمد، مواليد 11121990 الجيزة ويقيم بها ميت عقبةوادى النيل 8 ش محمود حبيش، وهو ما يتطابق مع المنطقة التى يسكن بها شريف صاحب العقار، الذى كان وكرا للخلية، وهما الطرفين الأساسيين فى الواقعة.

ما الذى كان ينوى عليه الإرهابيين؟