المحتوى الرئيسى

محمود صلاح يتحدث عن زواج سعاد حسنى ومقتلها فى لندن

09/09 15:24

لم أقابل السندريلا فى مصر مطلقًا، لكننى هاجمتها عن جهل، ودون أن أدرى، حدث ذلك قبل سفرها للعلاج فى باريس، لم يكن أحد يعلم أنها تعانى من آلام مبرحة فى ظهرها، وكانت هناك حفلة ظهرت فيها سعاد حسنى وهى تغنى وتترنح، فكتبت أتساءل: «هل سعاد حسنى كانت سكرانة أم أنها كانت تتعاطى المخدرات؟!»، دون أن أعلم أنها فى الحقيقة تتألم وتتعاطى مهدئات شديدة لتخفيف الألم الذى اشتد عليها، وسافرت لفرنسا للعلاج، وللأسف فقد أخطأ الأطباء الفرنسيون فى علاجها، وتضاعف ألمها.

العشاء الأخير فى مدينة الضباب

غادرت سعاد من باريس إلى لندن لتلقى العلاج.. فى البداية كان علاجها يتم على نفقة الدولة، لكن ذلك توقف بعد فترة، وتدهورت حالة «زوزو»، وزاد وزنها بشكل مبالغ فيه لتعاطيها «الكورتيزون». فى تلك الفترة كنت فى لندن لمراجعة طبيب القلب الذى أجرى لى جراحة قلب مفتوح، وفوجئت بالصديق عبداللطيف المناوى، الذى أصبح فيما بعد رئيس قطاع الأخبار بالتليفزيون، يدعونى على العشاء فى منزله، وكان آنذاك يعيش فى لندن ومعه زوجته المذيعة رولا خرسا. أخبرنى أن سعاد حسنى ستحضر هذا العشاء، وأنها عندما علمت أننى مدعو سألته: «وهل محمود صلاح سيحضر ليأكل أم سيحضر كمحمود صلاح الصحفى؟»، فقلت له ولا عشاء ولا يحزنون، لن أحضر، قال لى: «لا تتسرع، لأن حالتها النفسية سيئة للغاية، فقد زاد وزنها، وهى تتهرب من الجميع، خاصة الصحفيين»، وبعد قليل اتصلت سعاد به لأنها عرفت بذكائها أننى سأغضب، وطلبت منه تأكيد حضورى.

فى المساء حضر عبداللطيف، واصطحبنى من منطقة «بادنجتون» فى العاصمة لندن إلى بيته فى منطقة «إيلنج» الأرستقراطية. وصلت إلى منزل عبداللطيف وقت الغروب، وجلست ألعب مع أبنائه الصغار فى الحديقة، وشاهدت سعاد حسنى وهى تدخل، فتظاهرت بالاستمرار فى اللعب مع الصغار الذين دخلوا المنزل بسبب حلول الظلام وشدة البرد، وبقيت وحيدًا فى الحديقة، لكن بعد دقائق فوجئت بسعاد تقف على باب الحديقة وتقول لى: «مش أوى كده هتموت من البرد.. تعالى» فدخلت معها، وطلبت منى إحضار بعض الطعام لنأكل معًا بعيدًا عن المدعوين، وجلسنا على أريكة واحدة وأكلنا، وبذكاء الصحفى تعمدت عدم الحديث معها فى أى موضوعات خاصة بها وبصحتها.

قالت لى «زوزو» إنها تعرفنى من أيام ما كنت أكتب قصص «أخبار اليوم»، وكم أرادت أن تطلبنى هاتفيًا لتعبر عن إعجابها، لكنها كانت تتردد فى اللحظة الأخيرة، فقلت لها: «أنا أعرفك يا زوزو من وأنا مراهق»، وحكيت لها كيف كانت مجلة «الكواكب» فى ذلك الوقت تقدم لقرائها نتيجة حائط سنوية، وتضع فى كل شهر صورة فنانة مثل هند رستم وزبيدة ثروت وغيرهما، وقلت لسعاد: «أما شهر مايو فقد كنت أنزع الورقة من النتيجة وأضعها فى حجرة نومى»، سألتنى: «لماذا» قلت: «كانت صورتك بالمايوه على البحر»، فضحكت كثيرًا.

فى تلك اللحظة بدأت صداقتى بـ«زوزو»، التى طلبت منى توصيلها لمنزلها، وعندما خرجنا، كانت لندن فى ظلام دامس، والأمطار تهطل بشدة، ورأيت بعينى أجمل صورة لسعاد، التى رغم وزنها ومرضها ظلت ترقص فى الشارع فرحة بالمطر وتغنى «يا مطرة رخى رخى على قرعة بنت أختى».

تزوجت من «العندليب» بعقد رسمى وبشهادة يوسف وهبى

هكذا أصبحنا أصدقاء.. وصرت أذهب إليها بناءً على طلبها كل صباح فى منزلها الذى لم يكن سوى استديو صغير مكون من حجرة وصالة، فى عمارة يمتلكها بعض العراقيين فى لندن، لم يكن لديها مال كثير وكانت تعيش حياة بسيطة، لكنها كانت شديدة الاعتزاز بنفسها، وأذكر أن أشرف السعد، رجل الأعمال الهارب إلى لندن تأثر لحالتها وطلب منى أن أعرض عليها مساعدة مالية كبيرة دون مقابل، وعندما أخبرت سعاد نظرت إلىَّ فى دهشة واستنكار، وقالت لى: «هل رأيتنى آخذ نقودًا من العرب وهم كثر، حتى آخذ من أشرف السعد؟ اشكره وقل له سعاد حسنى مش محتاجة»، وكانت تغضب عندما أذهب إلى لندن دون علمها، وتتصل بى توبخنى. ذات يوم اكتشفت أنها تكتب رسائل إلى الله، وعندى بعض هذه الرسائل، تخاطب فيها الله، وتعبر فيها عن إنسانيتها الصافية، ومن هذه الرسائل اكتشفت فيها الطفلة والإنسانة رقيقة المشاعر، فقد كانت تكتب له عن كل مكنونات نفسها وآلامها بصدق شديد، وهو ما كنت ألمسه بصورة واضحة من خلال ترددى الدائم عليها خلال زياراتى إلى لندن، وفى هذه الزيارات عرفت أيضًا أن سعاد حسنى قبل صلاح جاهين غير سعاد بعد صلاح جاهين، فقد كانت له فى نفسها معزة كبيرة، ومساحة لا يقترب منها أحد، وفى شقتها المتواضعة كانت صورة وحيدة لعم صلاح، رغم أنها لم تعلق ولو صورة واحدة لعبدالحليم حافظ الذى روت لى بنفسها أنها أحبته وأحبها، وأكدت لى أنهما تزوجا بشهادة يوسف بك وهبى، وبعقد زواج رسمى.

قصة المقال الذى أغضبها: «زوزو تبحث عن الطعام فى صناديق القمامة»

الصداقة كانت حلوة، لكن النهاية لم تكن حلوة على الإطلاق، كنت ذاهبًا إلى لندن وفى الطائرة قدموا لى إحدى المجلات الأسبوعية المصرية الشهيرة، وكانت صدمتى كبيرة عندما وجدت موضوعًا بقلم صحفية مصرية تهاجم سعاد وتتهمها بالجنون والتسول، وبأنها تبحث عن الطعام فى صناديق قمامة لندن، وعندما تأكل تسقط الطعام على ثيابها. كان كلامًا قاسيًا للغاية ولأول مرة أتمنى أن لا تهبط الطائرة فى مطار «هيثرو»، فماذا سأقول لسعاد؟، وصلت إلى الأوتيل ووجدت نفسى فى حالة صدمة حتى الحادية عشرة مساءً، لا أدرى ماذا أفعل حتى دق جرس تليفونى وفوجئت بأنها سعاد حسنى، كان صوتها غارقًا فى البكاء، فوجئت أنها تعرف بحكاية الموضوع الصحفى فى المجلة وتسألنى وهى تبكى «محمود أنا مجنونة؟.. محمود أنا بدور فى صناديق الزبالة على أكل؟.. محمود أنا بهطل الأكل على هدومى؟». بذلت مجهودًا كبيرًا لتهدئتها وفوجئت أنها علمت بالمقال قبل وصول المجلة إلى لندن، وكانت الصدمة أكبر عندما علمت أن أقرب الناس إليها هى من اتصلت وقرأت لها المقال حرفًا حرفًا، كأنها تتعمد قتلها.

بالدليل.. «السندريلا» لم تنتحر وكانت تستعد للعودة إلى مصر

استطعت أخيرًا تهدئتها، وطلبت أن أحضر إليها فى الصباح بشرط أن تعد لى القهوة بيديها، وهذا ما حدث فى الصباح، وظللت أسألها أسئلة مضحكة فى محاولة لتغيير حالتها النفسية السيئة.

قالت لى إنها قررت العودة إلى مصر، وإن حالتها المادية جيدة جدًا، لأنها سجلت لإذاعة الـ«BBC» كل أشعار صلاح جاهين بصوتها، وأنها تسلمت مبلغًا كبيرًا، وأنها ستعود لمصر بعد شهر، وأنها أرسلت بالفعل حقيبة إلى منزلها فى الزمالك، لكنها ستذهب للمصحة لمدة شهر تعود بعده لمصر.

وأكدت أنها تلقت سيناريوهات أعمال فنية وانتهت من علاج أسنانها وشفيت من مرض العصب الخامس الذى تسبب فى حركة لا إرادية لعينها، وأنها فقدت ١١ كيلو جرامًا، وأنها ستذهب إلى المصحة فقط من أجل اللحظات الأخيرة، ثم ستعود لمصر.

وعلى الرغم من أنها طلبت منى طوال فترة صداقتها عدم الكتابة عنها، فإننى صممت على كتابة خبر مفرح بعودتها إلى مصر، وهذا ما حدث، فقد كنت وقتها رئيس تحرير مجلة «آخر ساعة»، فعدت وكتبت القصة، ووضعت غلافًا شهيرًا لـ«آخر ساعة» عليه صورة سعاد، وعنوانًا من كلمتين «أنا.. راجعة».

لكن للأسف كان القدر يكتب نهاية أخرى، وبسرعة، وبعد نهاية الشهر خرجت «زوزو» من المصحة، حيث تلقفتها سيدة مصرية كانت تعمل فى لندن تدعى نادية يسرى، وكانت تعرف سعاد، بعد أن عملت معها لفترة كـ«لبيسة» فى أحد الأفلام، ودعتها للإقامة معها بعد أن خرجت من المصحة فى شقتها بـ«ستيوارت تاور»، حيث فوجئ العالم بمصرع سعاد من هذا البرج.

فى البداية قالوا إنها انتحرت، ولكننى أصدرت العدد الثانى من «آخر ساعة» وعليه صورتها ومكتوب عليها كلمة واحدة «قتلناها»، وكنت أقصد بها التجاهل والقسوة وعدم الاهتمام بها، وقلت إننى واثق من أن سعاد لم تنتحر، لأنها أخبرتنى وهى سعيدة أنها ستعود.

نرشح لك

أهم أخبار حوادث

Comments

عاجل