المحتوى الرئيسى

مارتينا مدحت تكتب: 'قال رجلٌ في وقت ما'

09/07 18:52

قال رجل فى وقت ما، إن العالم بدأ بومضة نار وبمثلها سيُطفأ وينطوي، وما بين الومضة الأولى والأخيرة القاضية تكون الحياة، يحاول فيها هؤلاء أن يصبغوا لها معنى، ويوجدوا لها قيمة، وأكمل قائلًا؛ لا قيمة ولا معنى دون توازن، مستشهدًا بقانون الحركة الذى وضعه نيوتن: " لكل قوة فعل، قوة رد فعل مساوية لها فى المقدار ومعاكسة لها فى الاتجاه"، وفسر قوله شارحًا أن التوازن يَكمُن في التضاد وأن الحياة لا تسير على وتيرة واحدة، وهنا تكون القيمة.

فلا قيمة للأخلاق اليقينية فى حال عدم وجود العُهر والفسق واللا أخلاقية، لا قيمة للخير والشر فى حال عدم وجود إرادة حرة تُفاضل بينهما، ولا قيمة لشيء فى حالة عدم وجود نقيضه.

أما عن المعنى فاختزله فى كلمة واحدة قائلًا "المحبة"، وبعينين حالمتين لامعتين قال إن المحبة وحدها تمنح كل الأشياء معنى ومنها يُخلق الشغف الجَم والقلب الواسع والنفس الحية والروح النابضة، ثم ابتسم ابتسامة صافية وواسعة وأكمل: "لم أُرِد يومًا شيئا إلا قلبًا نابضًا وعطاءً غير ناضبًا وروحًا مستقيمًا حيًا".

ثم صمت بُرهة واستطرد الحديث متسائلًا: "كيف يَمُر كل هذا الزمن دون أن ندرى؟ وكيف تَقَلبَ الطفل الذى كان حتى أصبح كهلًا يبلغ من العمر ما يبلغه هذا الكأس من النبيت المُعَتق الذى كان يحمله بيده"، بعد بضع دقائق من الشرود والتحديق فى الكأس، رفع رأسه مبتسمًا ابتسامة ودودة قائلًا :" كيف ؟ لا أعلم، كل ما أعلمه أننى لم أتوقف عن المحاولة قط، المحاولة دائما ما تقود إلى شيء ما، لم يحدث يومًا وأن أدت إلى اللا شيء، حاولت أن أظل رومانسيًا حالما لا يضرب البرود جذور قلبه، أن أؤمن بالخير وأن أرى الله فى جميع الناس، حاولت التمسك بكل من وما يشعرنى أننى حيًا، حاولت الصمود، حاولت الاحتمال، حاولت الصبر، حاولت الهروب من طنجرة الحياة الضاغطة، حاولت أن تبقى روحى حية تتنفس، وحاولت الاستماع لهم حين يئست من نفسي، حاولت أن أحب كيانى كما عشقته هي.

هي من كانت تهمس فى أُذُنى بصوت عذب يملؤه حُنُّو يحتضننى ويلملم أشتاتى المبعثرة :" لا بد أن نحيا ما دمنا قررنا ألا نموت" . هذا ما جعلتنى أؤمن به.

لا أعلم كيف مر الزمان ولا يمكننى أن أعلم، المهم أننى صامد / صمدت / سأصمد وأنا أحاول.

احتشدت الدموع فى مُقلتيه وتَهَدَج صوته، ثم أخذ نفسًا عميقًا وهو ينظر إلى صورتهما المعلقة على الحائط وقال بنبرة صوت هادئة تحمل فى ثناياها حنينا دفينا" حتى وإن حمل الموت من تحب بعيدًا عنك، لن يستطيع أن يأخذهم منك، يظل وجودهم فى الذاكرة والقلب والفكر وكل التفاصيل وأحلام الغفوة واليقظة".

هى كانت هنا ولازالت هنا، أحببتها فى الصحو وفي الحلم، مشيت فى جنازتها، دفنتها، وبكيت على قبرها كثيرًا، وعندما عُدْت للمنزل فجرًا استدعيتها فى الحلم، جاءت، وبَكيتُ لها أكثر وأنا أحتضنها كطفل صغير ضل الطريق حتى اهتدى إليها، كنت حزينًا وخائفًا، قصصت لها ما حدث، قلت لها أننى تخيلت أنكِ مُتِّ وأنني دفنتك وسرت فى جنازتك، فاحتضنتنى أكثر وبكت معي، ثم ربتت على كتفي وقالت "لا بأس.. أنا فى رأسك دائما وفى قلبك أبدًا".

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل