المحتوى الرئيسى

«الأب العاق».. «الدستور» تفتح ملف التعويض المالى للأبناء المحرومين من «حنان الوالد»

09/06 22:42

لا شك أن علاقة الأب بأبنائه من أسمى العلاقات الإنسانية، التى زرعها الله فى قلوب عباده، تلك العلاقة التى جعلت سيدنا نوح ينادى ابنه الكافر برسالته قائلًا: «يا بنى اركب معنا ولا تكن مع الكافرين».

تلك العلاقة، وما بها من «خصوصية»، هى ما جعلت أبناء يلجأون للمحاكم فى خطوة غير مسبوقة، للمطالبة بتعويض من آبائهم عن فقدانهم الحنان اللازم، وتقصير هؤلاء الآباء فى رعايتهم والإنفاق عليهم.

«الدستور» تلقى الضوء على هذه القضية التى أثارتها الدعوى، التى تقدمت بها الإعلامية هند الأشعل، ضد والدها السفير عبد الله حسن الأشعل، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، وحددت دائرة التعويضات بمحكمة جنوب القاهرة، جلسة ٤ أكتوبر المقبل لنظرها.

وتطالب مقيمة الدعوى، التى أقامها المحامى طارق العوضى، بالتعويض عن حرمانها من «حنان الأب»، بسبب معاملته السيئة لها، وتأثير انضمامه لجماعة الإخوان سلبا على حياتها، وإرساء مبدأ قانونى وقضائى فى الحالات المماثلة، لتعويض الأبناء عن معاناتهم بسبب تقصير آبائهم فى الرعاية والإنفاق، أو تسبب مواقفهم واختياراتهم الخاطئة فى الحياة فى حدوث مشكلات لذويهم.

هند الأشعل: والدى تهرب من الإنفاق علينا.. وقال «هصرف عليكم بشرط تحليل DNA»

ابنة السفير السابق المقرب من الإخوان، قالت فى نص دعواها: «بعد تخرجى مباشرة، كان محامى أبى المزعوم يماطل كالعادة فى نقود مستحقة لنا، ومتراكمة، ولم يتم دفعها، فقرر المحامى التفاوض معى أنا وأختى الشقيقة الوحيدة، وقال لى جملة لم أنسها ابدا، وهى (أبوكى موافق يصرف عليكوا، بس تعملوا تحليل DNA)»، مضيفة: «تعديت العشرين من عمري، وأبى يقول هذا الكلام الحقير لمحاميه».

وأوضحت الإعلامية فى الدعوى، أن هشام عبدالله، زوجها السابق -رحمه الله-كان قبل الزواج يدرس «دبلومة دراسات إسرائيلية» فى جامعة القاهرة، وكان الدكتور عبدالله الأشعل هو أحد أساتذته، لافتة إلى أن شعورها كان سيئًا جدًا، وهى تستمع لزوجها، وهو يحكى عن شخص من المفترض أنه أبوها، ما كان يثير شفقته، ويزيد من إحساسها بالعجز والغضب.

وأضافت: «كان الدكتور عبدالله ضيفا دائما فى قناة التحرير، التى أعمل بها، وتخيلوا لقاء أسبوعيا معه، وهو موجود فى نفس المكان الذى أعمل به، وكان هذا يثير تساؤلات كثيرة حولى، لأننا لا نتعامل نهائيًا، ولا أتحدث عنه أبدا، حتى جاء يوم وكان ينتظر ظهوره مع الإخوانى جمال حشمت، وكانت صلته بالإخوان بدأت فى الظهور، قررت أن أذهب له وسط الناس وأسلم عليه، لأختبر ردة فعله، ولأرفع الحرج عن نفسى، فذهبت وسلمت عليه، وقلت له: عارفنى؟ أنا هند بنتك، فعاملنى ببرود شديد، كأننى إحدى تلميذاته فى صف السياسة والاقتصاد».

وتابعت، فى نص دعواها، أنه عندما تنازل الأب السفير عبدالله الأشعل عن ترشحه فى الانتخابات الرئاسية للإخوان إعلاميا، ولم يتنازل فى الأوراق الرسمية، ثارت التساؤلات حول الموقف الغريب سياسيا، خاصة بعد وجود اسمه فى كشوف المرشحين، ما جعلها محلا لتساؤلات المحيطين باعتبارها ابنته، فى حين لم تكن تعرف عنه أى شىء، ولا تعرف حتى من هذا الرجل وكيف يتصرف.

مواقف الأب، وعلاقته الواضحة بالإخوان أثرت فى الإعلامية هند الأشعل، التى اتهمته بالمسئولية عما تعرضت له من تشويه لسمعتها، وحرمانها من العمل لدى بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى، بسبب اسم أبيها، ما جعلها تدفع ثمن مواقف ما وصفته فى الأوراق بأنه «مجرد رجل، شاء القدر أن يأتى اسمه بعد اسمى، ولا أعرفه».

مقيمة الدعوى: أموال الدنيا لا تعوضنى عن حرمانه.. ويجب ردع الآباء المقصرين

استندت الدعوى إلى الأساس الشرعى القائم على اعتبار أن ما يفعله المدعى عليه من تضييع أولاده، وعدم الاهتمام بأمورهم ومصالحهم وتربيتهم، هو أمر منكر، ومعصية ظاهرة، وتضييع لوصية الله سبحانه وتعالى فى كتابه الذى قال فيه «يوصيكم الله فى أولادكم»، مع رفض الزعم بأن القول ينسحب فقط على مسئولية الأب عن الإنفاق، أو فى الأمور المالية، والمطالبة بتوسيع المسئولية لتشمل التربية والرعاية.

كما استندت الدعوى بالتعويض إلى المادة ٨٠ من الدستور، التى تنص على حق من لم يبلغ الـ١٨ من عمره فى الاسم، والأوراق الثبوتية، والتطعيم المجانى، والرعاية الصحية والأسرية، والتزام الدولة برعاية الطفل، وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة، وسوء المعاملة.

واعتبرت أن ما فعله الأب يندرج تحت بند السلوك الذى يسبب ضررا للغير بسبب التقصير فى المسئولية عن رعاية الأبناء، وتعمد الإضرار بهم، وهو ما يخالف المواد الدستورية، والأسس الدينية، والأعراف السائدة، والبنود القانونية المتعلقة بتعمد الإضرار بالغير، ما يستدعى تعويض المتضرر أدبيا وماديا.

وعن مبلغ التعويض، طالبت المدعية ودفاعها بأن تتولى المحكمة تقدير مبلغ التعويض، وقيمته المناسبة، لردع الآباء، الذين ينجبون أبناءهم، ويلقون بهم إلى مصائر مجهولة، وواقع أليم، دون مراعاة للفطرة الإنسانية.

وأشارت هند، فى عريضة دعواها، إلى أن أى مبلغ لن يعوضها عن كفالة الأب وحمايته لها، وإحساسها برعايته وحنانه، معتبرة أن أموال الدنيا لو اجتمعت بين يديها، فلن تعوضها أبدا عن كل الآلام التى عاشتها طوال سنوات عمرها العجاف، وفقدانها للأب الداعم والسند الذى يمثل قوتها وحمايتها.

واختتمت: «ربما لم يلاحظ أحد ذلك، لكنى أعرف نفسى، لقد كنت مضطربة أمام ملايين المتابعين، وكنت أرتعش بشدة، وتمنيت أن أقول كل ما حدث على الهواء، وكل من يشاهدنى سيجد تأثر نفسيتى واضحا بشكل سيئ جدا».

المحامى طارق العوضى: الأبوة لا تقدر بثمن.. وللمحكمة تحديد قيمة التعويض

طبيعة القضية الأولى من نوعها، أثارت تساؤلا هاما، هو: «هل يمكن إجبار الأب على بذل الحنان لأبنائه؟»، وهو السؤال الذى واجهنا به المحامى طارق العوضى، مقيم الدعوى.

وأجاب العوضى قائلا: «لا يمكن إلزام أى أب بأن يمارس مهام الأبوة مع أبنائه، أو أن يقدم لهم الحنان اللازم لكى ينشأوا بشكل سوى»، مشيرًا إلى أن الدعوى المقامة لا تلزم الأب بأن يقوم بذلك، ولكنها تركز على أن هذه الأمور من حقوق الأبناء، وأن عدم القيام بها يستلزم تعويضهم عن الأضرار التى تلحق بهم.

وأضاف العوضى أن الدعوى هى الأولى من نوعها فى ساحات القضاء المصرى، خاصة أن أغلب القضايا تبحث فقط عن الحقوق المادية الخاصة بالأبناء، دون الاعتداد بالحقوق المعنوية، أو المسئولية الشرعية للأب فى تربية أبنائه، والتواجد فى حياتهم، رغم أن تقصيره فى ذلك يمثل ضررًا أكبر بهم.

وتابع: «تعلل بعض الآباء بأن الأمهات هن من يحرمن الأبناء من رعاية آبائهم، هو أمر مردود عليه على أرض الواقع وهناك وسائل قانونية تمكن الأب من التواجد فى حياة الأبناء، لذا فالأب الذى يريد التواجد فى حياة أبنائه سيفعل ذلك، كما أن الأمهات لا يستطعن منع أبنائهن من التواصل مع الآباء بعد الوصول إلى سن المراهقة، ومع التقدم فى السن».

وحول مبلغ التعويض، قال العوضى إنه والمدعية لم يستطيعا تحديد قيمة الأضرار النفسية الواقعة عليها، معتبرًا أن الأبوة لا تقدر بثمن، ما جعلهما يتركان لهيئة المحكمة تحديد قيمة التعويض، نتيجة الحيرة فى تقديرها، كما ذكر فى عريضة الدعوى، تأكيد مطلبهم أن يكون الحكم رادعا لأى أب يتخلى عن مسئولياته تجاه أبنائه.

مطلقات: أزواجنا تركوا الأبناء فى سن الرضاعة.. و«مش عايزين حتى يشوفوهم»

اسمها «كادى أحمد»، لكن حين يسألها أحد عن اسمها تخبره بكلمات طفولية أنها تدعى «كادى الهادى»، فالطفلة ذات العامين لا تعرف حتى الآن أن «الهادى» الذى تلصق اسمه باسمها هو جدها للأم، خاصة أن والدها الذى يلى اسمها فى شهادة الميلاد لم يرها منذ ولادتها حتى الآن.

تقول والدتها «دينا» إنها تزوجت فى ٢٠١٤ لمدة شهرين فقط، وحين تم الانفصال كانت حاملا فى شهرها الأول، ورغم ذلك لم يتحمل الأب أى نفقات للحمل أو الولادة.

وتضيف: «حين تمت الولادة لم يؤدِ الأب أقل مهامه تجاه طفلته بتسجيلها، خاصة أن القواعد المتبعة فى مكاتب الصحة تمنع تسجيل المواليد إلا عن طريق الأب أو أحد أقارب الأب من الدرجة الأولى»، لافتة إلا أنها استطاعت تسجيل الطفلة بموجب قسيمة الزواج.

وتختتم: «حتى بلوغ الطفلة سن العامين لم يقم والدها بالإنفاق عليها، كما لم يطالب برؤية ابنته، رغم عرض الأم أن تتم تسوية الطلاق بصورة ودية، وتمكينه من رؤية ابنته وزيارتها بصورة ودية حرصا على نفسية الطفلة». حالة أخرى تقف فيها «عزيزة حسن» حائرة أمام سؤال طفلها البالغ من العمر ٧ سنوات حول شكل والده، ولا تعرف هل تجيبه بأن أباه هو الرافض لرؤيته أم لا، خاصة أن الأب الذى طلقها ترك طفلين، الأول يقترب من ٤ سنوات، والثانى ٨ سنوات فقط.

حين تم طلاق «عزيزة»، بناء على دعوى «طلاق للضرر»، لم تكن تملك مصدر رزق، أو حتى مكانا للإقامة سوى منزل الزوجية الذى حاولت جدة ابنيها طردها منه، إلا أنها استطاعت الحصول على قرار بتمكينها منه لكونها «حاضنة»، فى الوقت الذى سافر فيه طليقها إلى المملكة العربية السعودية للعمل، واختارت والدته عروسا جديدة تزوجها بموجب توكيل أرسل به لوالده، وسافرت إليه تلك الزوجة الجديدة.

وتقول «عزيزة»: «منذ ما يقرب من ٤ سنوات عاد طليقى إلى مصر فى إجازة، فأرسلت طفليها لرؤيته وقضاء عدة ساعات معه، وحين طلبت منه أن يقضى عدة أيام معهما، تحجج بعدم وجود مكان لاستضافتهما، فأخبرته بأن يقيم معهما فى فندق، فقال: «لماذا أقيم فى فندق ومنزلى موجود؟»، قاصدًا منزل الحضانة».

وتشير إلى أن طليقها هدد بحرمان ابنيها من الميراث، كما قال لها إن كل مليم يدفعه فى النفقة يضع مثله لأبنائه الآخرين فى حساباتهم البنكية، رغم أنه ينفق على أبنائه الآخرين، ورغم أن النفقة لابنيه منها ١٢٠٠ جنيه.

«تمرد الأسرة» تطالب بعقاب الأم على «منع الرؤية»

قال حازم الزهيرى، مؤسس حملة «تمرد ضد قانون الأسرة»، إن كثيرا من الآباء مؤيدون للدعوى، التى تعد- من وجهة نظره- مدخلا لتعديل قانون الأحوال الشخصية، معتبرا قيام الأب بواجباته تجاه أبنائه لا يمكن أن يتم دون وجوده الفعلى فى حياتهم، وليس لمدة ٣ ساعات أسبوعيا فقط، كما يقول القانون.

ورأى أن القانون يجعل من الأب «ماكينة صرافة»، ويلزمه بدفع الأموال دون أن يكون له دورً حقيقى فى تربية طفله، ولا يسمح له إلا بلقاء لمدة لا تزيد على ٣ ساعات أسبوعيا فى مكان عام، وهو وضع لا يسمح أبدا بتقوية أواصر العلاقة بين الأب وأبنائه.

وشدد الزهيرى على ضرورة معاقبة الأم التى تحرم الأبناء من والدهم، لمجرد الانتقام منه، خاصة أن ذلك يهدم نفسية الطفل، ويحرم الابن من حنان والده، وطالب بأن يكون للأب حق طلب التعويض له ولأبنائه من الأم التى تحرمه منهم.

«سينجل مازرز»: الآباء يطلبون «الرؤية» بدافع الانتقام

وجهت نرمين أبوسالم، مؤسسة جروب «سينجل مازرز»، التحية لصاحبة الدعوى، وقالت إن هناك كثيرًا من الحالات التى تعانيها الأمهات، بسبب التأثير السيئ لغياب الأب فى نفسية الأطفال، معترضة على القول بأن الآباء لا يستطيعون رؤية أولادهم بسبب انتقام الأمهات.

وأشارت إلى أن بعض الآباء يقيمون دعوى «الرؤية» لمجرد العند، فى حين لا يقومون برؤية أطفالهم، بعد الحصول على الحكم، خاصة أن القانون يلزم الأم بالتنفيذ، ويواجهها بالعقوبة إن امتنعت عن ذلك.

وشددت على أن هناك كثيرا من الأمهات يحرصن على وجود علاقة جيدة بين الأب وأبنائه، من أجل الصحة النفسية للطفل، رغم عدم إنفاق الأب على أبنائه، مشيرة إلى ضرورة وجود ضامن، يلزم الأب بتنفيذ الحقوق المادية أيضا.

خبير نفسى: الوجود المعنوى أغلى من كنوز الدنيا

قال الخبير النفسى أحمد ثابت إن الإنسان كائن اجتماعى فى الأساس، ويحتاج إلى الحياة والعيش وسط أسرة مكونة من أب وأم وأبناء، والأب مسئوليته تتمثل فى الإنفاق، فى حين يتمثل دور الأم فى الرعاية، مشيرا إلى أن هناك حديثا نبويا يقول: «أنت ومالك لأبيك»، ويجب النظر إليه للتعريف بمكانة الأب لدى الأبناء.

وعن القضية، علق الخبير النفسى بقوله إنه لا يمكن لابن التفكير فى رفع دعوى قضائية على والده، إلا فى ظل وجود دوافع قوية، ووعى كافٍ لرفع الدعوى القضائية، مضيفا: «الابن لا يحتاج إلى أموال بقدر احتياجه لحضن وحنان والده، ووجوده المعنوى»، موضحا أن بعض الآباء والأمهات يتحولون إلى سبب رئيس فى تدمير الحالة النفسية لأبنائهم، نظرا لاعتمادهم على مبدأ الاتهامات المتبادلة.

وأضاف الخبير النفسى أنه فيما يخص التعويض المادى عن فقدان الحنان، فإنه من الصعب تحديد قيمته، لكون الحنان والحب والتقدير لا يتم شراؤهما بالمال، ولا يمكن تقديرهما بثمن، معتبرًا تحديد قيمة التعويض المادى يمكن أن ينظر إليها القاضى، ويحددها من خلال التعرف على دخل الوالد، وطبيعة عمله.

وتابع أن هذه قضية شائكة، لكونها الأولى من نوعها، ما يصعب على القاضى تحديد العقوبة اللازمة، أو الحكم فيها من الأساس، نظرا لعدم وجود نص، أو مرجعية قانونية، أو تشريعية سابقة، معتبرا الدعوى من الممكن أن تكون بداية لفتح عدد من القضايا والملفات المهمة، المتعلقة بهذا الشأن.

عضو بـ«القومى للمرأة»: خطوة مرفوضة.. وتعميمها خطير

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل