المحتوى الرئيسى

"الحدّ الفاصل" مع ديار يأجوج ومأجوج... هكذا رأى الرحّالة المسلمون الأوائل الصين

09/06 14:43

رؤية منامية مغلّفة بمعتقدات دينية قادت سلام الترجمان إلى الصين للتأكد من سلامة السور الشمالي الذي يفصل بين ديار المسلمين وديار يأجوج ومأجوج، بحسب قصة أسطورية تعرضها لنا روايات الرحالة في كتب التراث العربي.

عن لسان الرحالة ذكر القزويني في كتابه "آثار البلاد وأخبار العباد" وياقوت الحموي في كتابه "معجم البلدان" هذا السبب الأسطوري للزيارة.

زعم الترجمان أن الخليفة العباسي الواثق بالله (842 – 847) رأى في المنام أن السد الذي بناه الإسكندر ذو القرنين والذي يقع بين ديار المسلمين وديار يأجوج ومأجوج مفتوح، فأرعبه هذا المنام، وأمر سلاماً بأن يرحل ليتفقد السد.

"سار الترجمان من مدينة سر، ومعه خمسون رجلاً ومئتا بغل تحمل الزاد والماء، وأعطاه الخليفة كتاباً إلى حاكم أرمينية ليقضي حوائجهم ويسهل مهمتهم، فعني هذا الحاكم بالرحالة ورجاله، وزودهم بكتاب توصية لحاكم إقليم السرير".

وبحسب ما ذكره محمد حسن زكي في كتابه "الرحالة المسلمون في العصور الوسطى" وحسين فوزي في كتابه "حديث السندباد القديم" كان كل حاكم يمنحهم كتاباً لحاكم المنطقة أو الإقليم الذي يليه حتى وصلوا إلى ملك الخزر في إقليم بحر قزوين فوجه معهم خمسة من الأدلاء.

وبعد 26 يوماً من السير وصلوا إلى أرض سوداء كريهة الرائحة، وكانوا قد حملوا معهم بإشارة الأدلاء خلّاً لتخفيف هذه الرائحة.

"سار الركب في تلك الأرض عشرة أيام ثم وصولوا إلى إقليم فيه مدن خراب مشوا فيها سبعة وعشرين يوماً"، وقال الأدلاء إن شعب يأجوج ومأجوج هو الذي خرب تلك المدن.

وصل الترجمان ورفاقه إلى السور المنشود. على مقربة منه كانت حصون تسكنها أمة مسلمة تتكلم العربية والفارسية، ولكنها لم تسمع بخليفة المسلمين قط.

تقدم الركب إلى جبل لا نبات عليه يقطعه واد عرضه 150 ذراعاً، وفي الوادي باب ضخم جداً من الحديد والنحاس، عليه قفل طوله سبعة أذرع وارتفاعه خمسة، وفوق الباب بناء متين يرتفع إلى رأس الجبل.

وبحسب القزويني "كان رئيس تلك الحصون الإسلامية يركب كل جمعة ومعه عشرة فرسان، مع كل منهم مرزبة من حديد، فيجيئون إلى الباب ويضربون القفل ضربات كثيرة، ليسمع مَن يسكنون خلفه فيعلموا أن للباب حفظة، وليتأكد الرئيس وأعوانه الفرسان من أن أولئك السكان لم يحدثوا في الباب حدثاً".

شارك غردالرحالة المسلمون في بلاد الصين... روايات غريبة عن يأجوج ومأجوج وعن قوم من العراة

شارك غردبلاد يأجوج ومأجوج الصينية... حيث كان رئيس الحصون الإسلامية يضرب باباً كبيراً ليعرف من خلفه أن له حفظة

هو ابن وهب بن هُبّار بن الأسود، وكان من قريش. قام برحلة إلى الصين سنة 870، فترك مدينة البصرة عندما خربها الزنج (ثاروا على الخلافة العباسية في الفترة الممتدة من 869 إلى 883)، وخرج من ميناء سيراف على مركب هندي. وصل إلى مدينة خانفو بمملكة الصين، ومنها اتجه إلى مدينة خمدان عاصمة المملكة، بحسب ما رُوي في كتب التراث عن الرحلة وهي مرويات غير دقيقة.

التمس ابن وهب مواجهة الإمبراطور الملقب بالبغبور، ولكنه لم يفلح إلا بعد انتظار طويل، وبحسب المسعودي في كتابه "مروج الذهب" أرسل الإمبراطور إلى حاكم خانفو يأمره بالبحث عن حقيقة الرحالة والاستفسار من التجار العرب عما يدعيه من قرابته لنبي المسلمين.

ولما كتب الحاكم بصحة نسب ابن وهب، أكرمه الإمبراطور وأذن له بالوصول إليه وناقشه في الدين والسياسة، ثم عرض عليه صور بعض الأنبياء وسأله عنهم مثل نوح في السفينة، وموسى وبني إسرائيل، وعيسى على حماره والحواريين معه، ثم الرسول محمد على جمل وأصحابه يحدقون به.

وذكر ابن وهب: "سألني بعد ذلك عن الخلفاء وزيهم وكثير من الشرائع ووجوهها على قدر ما أعلم منها، ثم قال: كم عمر الدنيا عندكم؟ فقلت اخُتلف فيه، فبعض يقول ستة آلاف سنة، وبعض يقول دونها وبعض يقول أكثر منها إلا أنه يسير"، بحسب "مروج الذهب".

وبحسب الرواية، "ضحك الملك ضحكاً كثيراً دلّ على إنكاره ذلك وقال: ما أحسب نبيكم قال هذا. فزللت وقلت: بلى هو قال ذلك، فرأيت الإنكار في وجهه، ثم قال للترجمان (المترجم): قل له ميّز كلامك، فإن الملوك لا تُكلم إلا عن تحصيل، أما زعمت أنكم تختلفون في ذلك؟ فإنكم إنما اختلفتم في قول نبيكم، وما قالته الأنبياء لا يجب أن يُختلف فيه، بل هو مُسّلم به، فاحذر هذا وشبهه أن تحكيه".

بعد انتهاء الزيارة أمر الإمبراطور للقرشي بالهدايا النفيسة، وأوصى به حاكم خانفو.

وصف رحلته التي قام بها إلى الهند والصين سنة 851 في مخطوط بلا عنوان، وفي سنة 916 كتب مؤلف يدعى أبو زيد حسن السيرافي ذيل وضمه إلى مذكرات التاجر سليمان.

كان أبو زيد هاوياً للجغرافيا، يتسقط المعلومات عن الهند والصين من ألسنة التجار والبحريين بسيراف، وهو لا يدعى لنفسه السفر إلى تلك البلاد.

طبعت الرحلة سنة 1811 على يد المستشرق الفرنسي لويس ماثيو لانجس (1763 - 1824)، ثم نشرها المستشرق الفرنسي جوزيف توسان رينو (1795 - 1867) مع ترجمة فرنسية سنة 1845 تحت عنوان "أخبار قديمة من الهند والصين أوردها اثنان من الرحالة المسلمين سافرا إلى هناك في القرن التاسع الميلادي" (أخطأ في وصفه المخطوط بأنه أخبار اثنين من الرحالة).

كان سليمان أول مؤلف غير صيني يشير إلى الشاي، بحسب زكي محمد حسن. وذكر أن ملك الصين يحتفظ لنفسه بالدخل الناتج من محاجر الملح ومن نوع من العشب يشربونه في الماء الساخن، ويباع منه الشيء الكثير في جميع مدنهم ويسمونه "ساخ".

وصف مدينة خانفو، أكبر أسواق الصين، وقال إنه التقى فيها رجلاً مسلماً "يوليه صاحب الصين الحكم بين المسلمين الذين يقصدون تلك الناحية... وإذا كان العيد صلى بهم وخطب ودعا للخليفة".

ولم يفت السيرافي وصف بعض الجزر التي مرّ عليها بالمحيط الهندي مثل "النيان". وكتب: "إذا أراد واحد من أهلها أن يتزوج لم يزوج إلا بقحف (فلق) رأس رجل من أعدائهم، فإذا قتل اثنين زُوج اثنين، وكذلك إن قتل خمسين زُوج خمسين امرأة بخمسين قحفاً، وسبب ذلك أن أعداءهم كثير، فمن أقدم على القتل أكثر كانت رغبتهم فيه أوفر".

وذكر أن جزراً أخرى تدعى لنجبالوس، الرجال والنساء فيها عراة، غير أن على عورة المرأة ورقاً من ورق الشجر، فإذا مرت بهم المراكب جاؤوا إليها بالقوارب، وتبادلوا مع أهلها العنبر والنارجيل بالحديد، ولا يحتاجون إلى كسوة لأنه لا حرّ عندهم ولا برد.

وبحسب الرحالة، كان "من وراء هذه الجزائر جزيرتان بينهما بحر يقال له أندمان. وأهلها يأكلون الناس أحياء، وهم سود مفلفلو الشعور، كير الوجوه والأعين طوال الأرجل، عراة ليس لهم قوارب، ولو كانت لهم لأكلوا كل من مر بهم".

هو محمد بن بطوطة الذي ولد في مدينة طنجة سنة 1304 وغادر وطنه سنة 1325 لأداء فريضة الحج.

لم يعد بعد أداء المناسك، ولكنه ظل حوالي 28 سنة في أسفار متصلة ورحلات متعاقبة، حتى وصل إلى الصين.

بعدما أوقف ابن بطوطة ترحاله، أمر السلطان أبو عنان المريني (الملك الـ11 من ملوك بني مرين بالمغرب الأقصى 1329 - 1358) كاتبه محمد بن جزي الكلبي أن يدون ما يمليه عليه هذا الرحالة.

تولى ابن جزي رواية الرحلة وتلخيصها وترتيبها في كتاب سمّاه "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، وفرغ منها سنة 1356.

أكثر ما لفت انتباه ابن بطوطة في الصين هو مهارة أهلها في تصوير الغرباء مفسراً ذلك بأن "الغريب إذا فعل ما يوجب فراره عنهم بعثوا صورته إلى البلاد، وبُحث عنه، فحيثما وُجد أخذ".

وللرحالة المغربي إشارات طريفة إلى عادة رجال الإدارة والبحرية في قيد أسماء البحارة ورجال السفن قبل الإذن لها بالسفر، فإذا عادت "صعدوا إليها وقابلوا ما كتبوه بأشخاص الناس، فإذا فقدوا أحداً ممن قيّدوه طالبوا صاحب المركب به، وإلا أخذ فيه".

وكان رجال البحرية يأمرون صاحب المركب بـ"أن يُملى عليهم تفصيلاً بجميع ما في المركب من سلع قليلها وكثيرها، ثم ينزل من فيه، ويجلس حفاظ الديوان لمشاهدة ما عندهم، فإن عثروا على سلعة قد كُتمت عنهم عاد جميع ما فيه مالاً للمخزن".

وفي تنقله بين المدن ذكر الامتيازات التي حصل عليها المسلمون في بلاد الصين "ولا بد في كل بلد من شيخ الإسلام، تكون أمور المسلمين كلها راجعة إليه، وقاض يقضي بينهم".

وكان في كل مدينة حي للمسلمين يسكنونه ويتخذون فيه المساجد، وكانت الحكومة تعنى بمراقبة التجار منهم، وضمان أموالهم التي يدخلون البلاد بها بحيث لا يمكنهم إنفاقها في الفساد، وكان أولو الأمر حريصين أشد الحرص على ألا يقال "إن المسلمين يخسرون أموالهم في الصين".

أعجب ابن بطوطة بالبيوت، فذكر: "وجميع بلاد الصين يكون للإنسان بها البستان والأرض وداره في وسطها كمثل ما هي بلدة سجلماسة ببلادنا (تقع وسط واحة كبيرة جنوب الأطلس الكبير، ومقابلة لمدينة الريصاني المغربية)، وبهذا عظمت بلادهم".

وصل ابن بطوطة لمدينة تشيوانتشو الصينية، المعروف أيضا باسم الزيتون

ولم تغب منشآت الشؤون الاجتماعية عن وصف الرحلة. تحدث الرجل عن معبد كبير شاهده في مدينة "جيني كلان"، كان فيه بيوت لسكن الضريرين و"ذوي العاهات" وفيه مستشفى كبير، وكان الأيتام والأرامل والشيوخ الذين لا قدرة لهم على التكسب يحصلون من هذا المعهد على ما يلزمهم من النفقة والكسوة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل