المحتوى الرئيسى

قصة حي احتضن أول مدرسة مصرية للفنون الجميلة ومكتبة وطنية للتاريخ ..«درب الجماميز» اختاره الأمير يوسف كمال ليشهد نهضة مصر الثقافية.. والإهمال يحاصر آثاره في غياب المسئولين

09/05 05:09

مدرسة الفنون بدأت من الشارع وتخرج فيها محمود مختار قبل أن تنتقل للزمالك  تأسيس "الكتب خانة" كأول مكتبة وطنية في التاريخ  قرقاجا الحسني "مسجد بلا مئذنة" والأول من نوعه في التاريخ الآثار تعاني من انهيار بعض أجزائها والورش تحتل الشارع 

لم يكن يتخيل أحد أن تخرج نهضة مصر الحقيقة في الفنون والأدب من حي فقير طمست ملامحه مع الزمن بفعل انتشار ستائر العمارات الخرسانية مع مرور الزمن.

«درب الجماميز» هو الاسم الذي حمله الشارع القريب من مسجد السيدة زينب والذي اختاره الأمير يوسف كمال أحد مؤسسي النهضة الأدبية والفنية في مصر ليضع فيه أول لبنة لمدرسة الفنون.

يوسف كمال أو «البرنس» كما يحلو للبعض أن يطلق اللقب عليه رغم تنازله عنه وعدم اكتراثه كثيرًا للألقاب والأسماء التي كان غيره يسعى إليها وبقوة هو أحد أبناء الأسرة المالكة في مصر، رحالة، جغرافي، فنان، كاتب، جميعها ألقاب أحبها وأتقنها أيضًا.

حبه للفن دفعه لاستخدام ثروته الكبيرة لتكون باعثًا للفنون والثقافة فأسس مدرسة الفنون الجميلة في عام 1905، وجمعية محبي الفنون الجميلة العام 1924، وشارك في تأسيس الأكاديمية المصرية للفنون بروما، وأنفق من ماله في تنمية عدد كبير من القرى في صعيد مصر، واشتهر بحبه للفنون الجميلة وشغفه بشراء اللوحات الفنية، وكان يجوب العالم من أجل شراء القطع الفنية النادرة ليهديها للمتاحف كما قدرت ثروته بحوالي 10 ملايين جنيه في عام 1934.

أما ما تذكره كتب التاريخ عن أحد رائدي النهضة الفنية في القرن العشرين أنه ولد عام 1882، تلقى تعليما راقيا في مصر، وبعدها سافر إلى أوروبا وعاد من جديد إلى مصر وبصفته أحد أغنى الأغنياء ومحبًا لمصر بل ومساندنًا لدعوات التحرر من الاحتلال الإنجليزي بدأ في دراسة كيفية نشر العلوم والآداب.

وللأمير كمال مكتبة تحوي ما يزيد عن 5 آلاف مجلد في العلوم التاريخية والجغرافية، وفيها من النسخ الفريدة في نوعها والوحيدة في زمنها، وحاليا مكتبته محفوظة في «دار الكتب» بكورنيش النيل بقاعة المكتبات الخاصة مع مكتبات أخرى للأسرة المالكة المصرية، التي آلت لـ«دار الكتب» بعد حركة يوليو 1952.

في درب الجماميز الشارع الأثري الذي يمتد عمره لأكثر من 350 عاما جاءت للنحات الفرنسي الشهير، جيوم لابلان، في إحدى الجلسات التي جمعته بالأمير «كمال» فكرة إنشاء مدرسة للفنون الجميلة، وتحمس لها «كمال» وأبدى دهشته من عدم سعى المسؤولين في مصر لإحياء الفن المصري، وعزم على تنفيذ الفكرة، وظل هو و«لابلان» يخططان لإنجاز المشروع واستمر التشاور والدراسة لمدة 6 أشهر.

وفي 12 مايو 1908، كانت الحركة التعليمية في مصر على موعد مع القدر في شارع درب الجماميـز بالدار رقم 100، لتأسيس مدرسة الفنون الجميلة، التي أنشأها «كمال» من حر ماله، وفتحت أبوابها لأصحاب المواهب ولم تشترط المدرسة تقديم مصروفات، فقد كان الالتحاق بها مجانا دون تقيد بسن، بل كانت تتولى توفير أدوات الرسم بلا مقابل وكان القبول بها لا يحتاج سوى الخضوع لاختبار قبول، وكان الفنان التشكيلي محمود مختار في طليعة من تقدموا ونبغوا فيها ومعه كوكبة من رواد الفن التشكيلي في مصر، ومنهم المصوران يوسف كمال ومحمد حسن.

وبعد عامين فقط من تأسيس المدرسة، أصبحت إدارتها تحت إشراف الجامعة المصرية الأهلية، ولم تستمر كذلك إلا حتى أكتوبر 1910 ثـم ألحقت بإدارة التعليم الفني بوزارة المعارف، وفي العشرينيات تم نقل المدرسة من درب الجماميز إلى الدرب الجديد بميدان السيدة زينب، وفي عام 1927، تم تأسيس المدرسة التحضيرية للفنون الجميلة، بعد إلغاء مدرسة الفنون الجميلة وضمها لوزارة المعارف العمومية، ثم كان التطوير الأول عندما أصبحت مدرسة عليا وتم تغيير اسمها إلى «المدرسة العليا للفنون الجميلة».

وتم اختيار فيلا بحي شبرا بشارع خـلاط رقم 11 عام 1927، ثم نقلت في أغسطس 1931 إلى 91 شارع الجيزة، وفي سبتمبر 1935، نقلت إلى شارع إسماعيل محمد رقم 8 بجزيــرة الزمالك بالقاهرة، وعند قيام حركة الجيش في 23 يوليو 1952، تم تعديل اسمها إلى كلية الفنون الجميلة، لتنضم إلى وزارة التعليم العالي عام 1961 ثم تكون تابعة إلى جامعة حلوان في أكـتوبر 1975.

ومن بين الآثار التي لم تعد موجودة في المنطقة رغم أن مولدها كان من هنا في «درب الجماميز» كانت هيئة دار الكتب والوثائق القومية، والتي عرفت باسم« دار الكتب المصرية»، مكتبة ضخمة فى القاهرة، مصر، أنشأها الخديو إسماعيل بناء على اقتراح من على مبارك وزير المعارف سنة 1870 وجمع فيها كتبا ومخطوطات من كل نواحى مصر.

بدأت الكتبخانة من سراي مصطفى فاضل فى درب الجماميز لكنها وبعد 34 عاما انتقلت لمبنى جديد في منطقة باب الخلق قبل أن يتم نقلها من جديد على النيل بمنطقة بولاق.

وتعتبر «الكتبخانة»، وهي أقدم مكتبة عامة فى الوطن العربي على غرار المكتبة الوطنية الفرنسية بشارع ريشليو بباريس، وكانت الكتبخانة التي سبقت دار الكتب بـ٣١ عامًا، تضم قاعة واسعة للمحاضرات العامة المفتوحة للجماهير والأدباء والعلماء، يلقون فيها محاضراتهم، وكان العلماء الأجانب يحاضرون في العلوم والجغرافيا والفلك مع ترجمة مباشرة.

وفقًا لموسوعة آثار جنوب القاهرة يحمل سبيل وكتاب يوسف الكردي رقم (213) وهو الرقم المسجل به كأثر تاريخي أهم ما يميز السبيل أنه ملحق بمجموعة معمارية تتألف من زاوية وتكية ومدفن للشيخ جمال الدين يوسف الكردى في القرن 10 هـ (16م).

ويشغل السبيل الركن الغربي من المجموعة المعماريّة وكان يعلوه كُتاب لكنه غير قائم حاليًا، وفي الجهة الشمالية المدفن ثم التكية، وفي الجهة الجنوبية الشرقية الزاوية المخصصة للصلاة.

إلا أن الحالة العامة للسبيل والذي كان مغلقًا نظرًا لإجراء عملية ترميم به وفقًا للوحة عُلقت على بابه- تشير إلى أن عملية الترميم لا تتم أو متوقفة، وهو ما تؤكده الصور حيث اتخذ عدد من السكان ساحة المسجد كجراج لسياراتهم كما أن واجهة السبيل بها تشققات ورشح ربما ذلك ناتج من المبني المجاور لها والذي لا يفصله ولو سنتيمتر واحد عن السبيل رغم خطورة ذلك على جدرانه.

بالانتقال من سبيل وكتاب يوسف الكردي ستجد مسجد قرقجا الحسني صاحب المأذنة الأغرب في مصر حيث يقع المسجد على جانب من الشارع والمأذنة في الجانب الآخر لا يربط بينهما سوى جدار خشبي كان يستخدمه المؤذن قديمًا للمرور من المسجد للمئذنة.

بين آلاف الكتل الأسمنتية من العمارات المرتفعة التى أخفت ملامح منطقة درب الجماميز فى السيدة زينب، لايزال مسجد «قراقجا الحسني» يواجه بقوة إهمال البشر وإغفال الآثار والأوقاف لقيمته التاريخية، ليبقى شامخًا قادرًا على البقاء رغم تآكل جدرانه وحالته التى يُرثى لها.

مسجد بلا مئذنة ومئذنة بلا مسجد، هو الاسم الذى يطلق على مسجد «قراقجا الحسني»، لا يتذكر أو يهتم أحد بالاسم الأصلي، فغرابة التصميم للمسجد وكونه تقريبًا المسجد الوحيد الذى تنفصل مئذنته عنه لا يربطهما سوى جسر خشبي يمر عليه المؤذن قديمًا للأذان وإقامة الصلاة.

وعلى رأس حارة السادات المتفرعة من درب الجماميز، وهو موقع المسجد الذي بُني سنة 845 هــ على يد الأمير سيف الدين قراقجا بن عبدالله الحسني الظاهرى، من مماليك السلطان برقوق، تربى بالقلعة وتقلد منصب أمير عشرة سنة 824هـ (1431م) من أمراء الطبلخانة في أيام السلطان برسباي 1421 – 1438 م، ثم أمير أخور في أيام السلطان جقمق، ثم ترقى إلى وظيفة رأس نوبة، وهي من الوظائف العسكرية، صاحبها مكلف بالفصل في خلافات أمراء المماليك. توفي سنة 853 هـ.

بداية الشارع لا تعطى مؤشرًا على أنه أثرى، فيمكنك أن ترى السيارات الكهنة، والخردة وورش الدوكو وسمكرة السيارات ومطاعم الفول والطعمية، والمبانى التى زحفت فوق المبانى الأثرية، الباقية منذ مئات السنين، وصولًا إلى المسجد الذي يقع على رأس حارة تسمى «حارة السادات».

لم تكن حالة المسجد الأثري على ما يرام، حيث تظهر علامات الرطوبة على الجدران وتآكلها، يحاصره من الجانب الأيمن جدار حديث لمدرسة قديمة ملاصقة لجدران المسجد، وأمامه سيارة عفا عليها الزمن، يبدو وكأن صاحبها تركها من عقود ونسيها تمامًا.

ثلاث درجات تفصلك عن باب المسجد، معلقة عليه لوحة كُتب عليها (قوة توج الحسن)، وستكون سعيد الحظ لو وجدته مفتوحًا، فوفقًا لروايات الأهالي المسجد يفتح فقط أوقات الصلاة، رغم أنه مسجد أثرى ومزار سياحى، بعدها يُغلق ثم يعود خادم المسجد لفتحه قبل الصلاة التالية، إلا أن قلة الزائرين وتحول المسجد لمصلى يفتح في أوقات الصلاة فقط، منعت السياحة عنه.

دورة كاملة حول المسجد للتعرف على حالته، على يمينه جدار مدرسة وفي الخلف جدار المدرسة وبعض الأشجار تحمي ظهر المسجد من عبث الأطفال، بينما تنتشر القمامة حول المئذنة المنفصلة عن المسجد ذي الجدران المتهالكة.

المعالم الأثرية للمسجد، وفقًا لما تذكرها موسوعة الآثار الإسلامية، مساحته صغيرة، إذ تبلغ 400 متر تقريبًا، وهو بناء غير منتظم الأضلاع، واجهته الرئيسية الغربية تطل على الشارع الرئيسى، وهى أكبر الأضلاع، يبلغ طولها 17.5 متر. وضلع القبلة الشرقى يبلغ طوله 22 مترًا، وطول الضلع الشمالى المطل على حارة السادات 24.5 متر، والضلع الجنوبى 19 مترًا.

أما المئذنة الفريدة فتقع في حارة السادات، وتقوم على قاعدة مربعة يبلغ طول ضلعها 3.5 متر، وارتفاعها 6.80 متر، ويعلو القاعدة مئذنة تتكون من طابقين: الأول مثمن الشكل، والثانى يتكون من شكل أسطوانى، وتفصل بينه وبين الأول شرفة، وتعلو الطابق الثاني قبة يعلوها هلال.

أما صحن المسجد فمستطيل الشكل، وفي الركن الشرقي يوجد باب يؤدي إلى سطح الجامع، ومن السطح نجد قنطرة خشبية تعبر بنا إلى المئذنة الفريدة.

يتكون المسجد من أربعة إيوانات، أكبرها إيوان القبلة (12.5 × 6.5 متر) وتعلو فتحة إيوانه عقد مدبب على شكل حدوة الحصان، أما المحراب فهو بناء مجوف عمقه 1.1 متر، ويكتنفه عمودان من الرخام، وتعلوه نافذة مستديرة داخل إطار مربع، وعلى جانبي النافذة توجد أربعة نوافذ.

وإيوان القبلة مغطى بسقف خشبي على شكل مربعات، رسمت كلها بنقوش زيتية ومذهبة، ويحيط بالسقف وزرة خشبية عريضة عليها آيات قرآنية باللون الذهبي من سورة «النور»، وفي أركان الإيوان تتدلى مثلثات خشبية عليها رسوم متعددة الألوان ومُذهبة.

يعتبر مسجد «قراقجا الحسني» هو المسجد الوحيد، أو على الأقل المسجد الباقى مئذنته لا تتصل به وتعتبر قائمة بذاتها ولا يربطها سوى جسر خشبى، كان يمر عليه المؤذن فى الماضى لإقامة الصلاة والأذان فقط، لكن مع استخدام مكبرات الصوت فى المسجد لم يعد للمئذنة أهمية.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل