المحتوى الرئيسى

تحت شعار «تبادل المصالح».. مساعي مصر لاقتناص الكنز الإفريقي

08/24 01:15

جولة السيسى الرباعية بحثت حلولًا بديلة لأزمات الطاقة ونقص المياة ومواجهة الإرهاب تحت شعار «تبادل المصالح»

الجابون محطة مهمة فى ملفى الازدهار الاقتصادى والتعاون الأمنى من قلب معقل دواعش بوكو حرام وحلفاء القاعدة

تشاد وتنزانيا أسواق جديدة محتملة للمنتجات المصرية.. وتشاد مفتاح السيطرة على السلاح المتدفق من ليبيا

استنادًا لحزمة من الارتكازات البراجماتية والأكثر عملية باتت تنتهج الاستراتيجية المصرية الرسمية خطًا مثمرًا فى التعاطى مع القارة السمراء.. القاهرة عادت لحاضنتها الإفريقية بسياسة المنافع المتبادلة لا الوصاية، وبإصرار على إصلاح أخطاء الماضى، لا مواصلة الخطايا بعناد مقيت..

القارة السوداء تمر بلحظة فارقة فى كل الأحوال، ومصر جزء أصيل منها، ومن ثم فإنها تعانى مشاكلها ذاتها، وأهمها التردى الاقتصادى ومواجهة غول الإرهاب..

نقص موارد المياة الصالحة للحياة، وعلى رأسها مياه الشرب النظيفة وتلك المستخدمة فى الزراعة، إلى جانب تقلص مصادر الطاقة، وخطايا الجهل وتفشى المرض والأوبئة والعصبية القبلية والتشاحن العرقى وهدر حقوق المرأة وتواصل عبادة البشر، إنما جميعها موبقات لا تزال حصرية لإفريقيا، ولو لم تكن القاهرة تأن بسببها جميعًا، فإنها بالقطع متأثرة على مستويين.

الأول يتعلق بأنها تعيش ضغطًا جراء بعض تلك المعوقات سالفة الذكر، والثانى أن شركاءها فى الجيرة والتاريخ منهكون، ومن ثم وفى الأغلب غير مُعينين، وفى كثير من الأحيان مُعطلين أو ربما متآمرين، على طريقة أديس أبابا وسد نهضتها الكارثى.

إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسى التقطت الخيط منذ اللحظة الأولى.. فرفعت شعار لا للمكابرة وتضييع الوقت فى قضايا خاسرة.. لم يعد وفق ذلك النهج الحديث فى ملف ملغوم كالسد الإثيوبى مبنيًا على رفض الأمر الواقع وحقيقة اكتمال المشروع شاء من شاء وأبت القاهرة كيفما تشاء، بل غدت الخطة تنشد بدائل تعين فى وجه ضياع حتمى لحصة معتبرة من مياه النيل مستقبلًا..

لا يبدو تقييم ذلك النهج هو الهدف هنا، بقدر الرغبة فى إيضاح تباين أساليب العمل داخل مستويات السلطة العليا بشان ملف خارجى وقومى حساس بحجم «مياه النيل».. القاهرة تناضل حاليًا لتقليل الخسائر المرتقبة بعد تشغيل مانع النهضة المائى، بينما انشغالها الأكبر منصب على خلق أطواق نجاة أخرى، ولو كانت حتى فى ملفات مغايرة .

الرئيس السيسى فى جولته الإفريقية الرباعية الأخيرة حافظ على النهج ذاته.. بحث عن شراكات جديدة بعيدًا عن محاولات الاجتهاد المهدور فى ملفات قديمة.

ركز فى تنزانيا ورواندا وهما دولتان معنيتان بملف المياه لكونهما من أعضاء حوض النيل، على خلق متعاونين جدد فى التجارة على وجه التحديد، بما يدعم خطط فتح مزيد من الأسواق الخارجية الواعدة للمنتجات المصرية، فى الجابون كان الهدف ذاته قائمًا، وبخاصة على خلفية تقدم اقتصادى لافت تعيشه الأخيرة فى السنوات القليلة الماضية. ومن ثم تم الاتفاق على تفعيل اجتماعات اللجنة المشتركة بين البلدين، إلى جانب رغبة القاهرة من الاستفادة من موقع الدولة الإفريقية القابعة فى غرب القارة على شاطئ الأطلسى الشرقى، حيث تنشط دواعش بوكو حرام وقاعديو جماعات أنصار الدين والشريعة والمرابطين وغيرهم، فكان التوافق على تعاون أمنى وعسكرى فى هذا الشأن.

أما فى تشاد، فكانت لغة الخطاب مغايرة، وانتهجت الإدارة المصرية استراتيجية التحفيز المشروط بطلبات.. وعدت القاهرة إنجامينا بمساعدات اقتصادية لكونها دولة معزولة عن أى منفذ مائى، فى مقابل التعاون لوقف تدفقات الأسلحة من وإلى ليبيا ومنها إلى داخل الحدود فى بلاد النيل.

تلك بدت استراتجية استباقية جديدة تنتهجها السلطة فى بلد الأهرامات لوأد الإرهاب من المنبع، والأهم بعيدًا عن الحدود.

السيسى قال نصًا فى تشاد إن «مصر حريصة على تقديم كل العون والمساعدة اللازمة لتشاد فى ضوء كونها دولة حبيسة».

وبشأن مواجهة قوى التطرف وتحركاتهم على الأرض، حاول الرئيس التأكيد أن المساعدة المرجوة للقاهرة لن تكون مجانية، وإنما ستستفيد منها إنجامينا أيضًا، فأشار إلى أن «قضية الإرهاب تستدعى منا مواجهة شاملة، ليس فقط على الصعيد العسكرى والأمنى، وإنما كذلك من خلال الثقافة والتعليم وغير ذلك من المجالات حتى يمكن تحقيق نتائج حاسمة فى هذه المواجهة، وسنعمل دائمًا معًا للتغلب على كل التحديات التى تواجه شعوبنا، والتى تحملنا مسئولية العمل على تحقيق رفاهيتها واستقرارها وتقدمها، ولقد أكدنا خلال المباحثات ضرورة بذل مزيد من الجهد لتحقيق هذه الأهداف».

أن تصل القاهرة إلى تلك النقطة حيث يمكنها التعاطى مع إفريقيا على أرضية من التفهم المتبادل والمصالح المشتركة، فإن ذلك جاء بعد مخاض صعب، وبالأخص بعد أن وصلت العلاقات إلى أعلى درجاتها تأزمًا بعد 30 يونيو و3 يوليو 2013.

ففصول عودة أو استعادة القارة السمراء من جانب مصر ما بعد دولة الإخوان متعددة، بيد أن فهمها والوقوف على تفاصيلها يستدعى أولًا العودة إلى أيام الجفاء والمقاطعة.

حدث ذلك فى الخامس من يوليو 2013، حيث جمد الاتحاد الإفريقى ساعتها عضوية مصر فيه اعتراضًا على عزل محمد مرسى، أى بعد يومين فقط من إعلان خارطة طريق لما بعد إزاحة دولة المرشد.

ورغم أن تعليق عضوية مصر فى الاتحاد الإفريقى، كان مؤقتًا، ويفترض زواله بمجرد استكمال بنود خارطة الطريق، بانتخاب برلمان ورئيس جديد، إلا أنه كان يمنح بلا شك ظهيرًا إقليميًا مساندًا للإخوان لوصف ما حدث فى مصر فى 30 يونيو و3 يوليو 2013، كانقلاب عسكرى، لا غضبة شعبية عارمة.

على هذا النحو أصبحت إفريقيا مقصدًا لقيادات التنظيم الهاربة، ولأذرعه الدولية الممتدة فى مختلف بقاع الأرض، ولحلفائه الإقليميين والدوليين من معارضى ومناوئى مصر.

النفخ فى الموقف الجنوبى المضاد للقاهرة بات فى ذلك الوقت، هدفًا جوهريًا للجماعة من أجل المتاجرة به فى دول الشمال، ناهيك بأن التراث المباركى المعادى بلا أدنى سبب مقنع للقارة السمراء طيلة 30 عامًا، صنع أجواءً مثالية لكافة ألعاب التحريض والمعاداة تجاه مصر.

إذن بربط بسيط بين رغبة دول إفريقية كبرى كجنوب إفريقيا على وجه التحديد، فى تلك الفترة، فى إقصاء مصر من الزعامة بالقارة السمراء لأسباب اقتصادية وسياسية وأمنية، وبين نفوذ الإخوان فى عدد من الدول بالجنوب، إنما يمكن فهم كيف كان الوضع ضاغطًا على القاهرة ومعقدًا فى آن واحد.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل