المحتوى الرئيسى

«موفد الحرب».. من هو قاسم سليماني؟

08/21 21:55

منذ اندلاع الثورة «الخمينية»، أو ما يعرف اصطلاحا بـ«الإسلامية»، فى عام ١٩٧٩، وإيران لم تتوقف عن محاولات تصديرها إلى دول الجوار، خاصة تلك التى يضم شعبها أكثرية أو أقلية شيعية، وهو ما ازداد بشكل واضح، خلال السنوات الخمس الأخيرة.

وفى إطار صراع النفوذ الإيرانى وهواجس إحياء «الإمبراطورية الفارسية»، عززت «طهران» الميليشيات التى تسلّحها وتموّلها، ونجحت عبر أذرع «الحرس الثورى» فى تحويل ٤ دول عربية إلى ساحات للدمار، كما تمكنت من زرع ألغامها فى العمق الإفريقى بهدف عزله عن محيطه العربى. وتبرز رؤية مهمة تقول إن رصيد ٤٠ عاما من حكم «الملالى» فى إيران أوشك على النفاد، فى ظل انشغال النظام الحاكم بمغامراته التوسعية المتواصلة تلك، والتى تجاوز حد الإنفاق عليها الـ٣٠ بليون دولار، مقابل عجزه عن تحسين الأوضاع المعيشية للشعب، فضلا عن ارتفاع نسب البطالة، وانتشار تجارة الأعضاء وأكواخ الصفيح.

وللوقوف على حقيقة ذلك، نحاول- عبر حلقات متتالية- استشراق مستقبل نظام «الولى الفقيه» فى إيران، من خلال قراءةٍ فى استراتيجيته داخليا وخارجيا، خاصة أن الهدوء الساخط من الاستبداد والفساد الذى انتشر فى عهد «الشاه» وحاشيته يوجه الآن ضد «الملالى» وبطانته، والشعب بات قاب قوسين أو أدنى من «الثورة»، فى ظل تزايد التيارات المعارضة والحركات الانفصالية.

الحاكم السرى للعراق.. والمسيطر على لبنان وأفغانستان وغزة

بمجرد وفاة قائد الثورة الإيرانية ومرشدها على خامنئى، ستشهد طهران صراعات داخلية، وستكون الغلبة لمن يجيد القفز فوق الكراسى، وعلى رأسهم بالطبع قاسم سليمانى، قائد «فيلق القدس» فى «الحرس الثورى»، الذى قد يلجأ إلى انقلاب فى حال تحالف منافسيه مع قيادات الجيش.

ملخص قصة سليمانى، التى سنبحث عن تفاصيلها وكواليسها، تقول إنه يتمتع بنفوذ قوى، سواء داخل «الحرس الثورى» أو الداخل الإيرانى بشكل عام، وسط حالة من الغموض تحيط بالرجل الذى تشبه الهالات الداكنة حول عينيه تجاويف صواريخ الهاون، ويوصف بأنه العقل المدبر ومعمارى العمليات الإرهابية التى ينفذها «فيلق القدس»، والمسئول الأول عن تفتيت المنطقة.

يستمد قاسم سليمانى، قائد الذراع الخارجية لحرس الملالى، أهميته فى الساحة الإيرانية من قدرته على خلق تحالفات جديدة وغريبة لخدمة أهدافه، فهو بارع فى التمدد وحياكة المؤامرات وقلب الموازين، وتتنوع أدواته فى تحقيق استراتيجياته وفقا للنطاق الجغرافى للعمليات، ولكنها جميعا تتدرج من تقديم الرشاوى المالية لاستمالة الساسة واستئجار الخصوم وتخويفهم عند الحاجة، وتسليح الجيوش والاغتيال كآخر الوسائل.

وفى العراق، تبنى سليمانى سياسة توظيف الخلافات «الشيعية –الشيعية» والانشقاقات لإحكام السيطرة على الجماعات المختلفة، ونجح بالفعل فى تحقيق تلك الاستراتيجية بل تطويرها، ودعمته فى ذلك الميزانية غير المحدودة للإنفاق التى منحتها إياه الدوائر الإيرانية، لدرجة دفعت تقارير إعلامية غربية إلى وصفه بأنه «الحاكم الفعلى السرى للعراق». ولعل ذلك ما دفعه فى مطلع ٢٠٠٨ لإرسال رسالة إلى الجنرال ديفيد بترايوس، عندما كان قائدًا للقوات الأمريكية فى العراق على هاتفه الشخصى يقول فيها: «أنا قاسم سليمانى أتحكم فى السياسة الإيرانية المتعلقة بالعراق ولبنان وغزة وأفغانستان، والسفير الإيرانى لدى بغداد، عنصر من عناصر فيلق القدس، والسفير الذى سيحل محله عنصر أيضا». وشكَّل وصول أحمدى نجاد، علامة فارقة فى نفوذ «سليمانى»، الذى سعى منذ تسلمه قيادة «فيلق القدس» إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط ليكون لصالح إيران، فمع انتهاء رئاسة الإصلاحى محمد خاتمى، ونجاح «الحرس الثورى» فى منع وصول هاشمى رافسنجانى إلى الحكم مجددًا، تم المجىء بأحمدى نجاد كشخصية ليس لها تاريخ فارق فى الثورة الإسلامية، ولا يجرؤ على خلق المشكلات، ما زاد من نفوذ حرس الثورة فى مؤسسات الدولة.

وتمكن «سليمانى» من خلال ما منح من صلاحيات واسعة من التفرد بالملف العراقى بشكل كامل، وأصبحت وزارة الأمن تابعة له، وفق أوامر من مرشد الثورة، دون أن تكون منافسة لـ«الحرس الثورى».

أنقذ الأسد من السقوط.. ويقود العمليات العسكرية فى دمشق

صمته الدائم تفسره ببراعة بصماته فى ساحة المعركة، واكتسب سليمانى لقب «أقوى مسئول أمنى» فى الشرق الأوسط، بعدما أنقذ نظام بشار الأسد من الانهيار، وتمكن خلال السنوات الثلاث الأخيرة من قلب موازين المعركة ودحر المعارضة السورية.

ووفقا للمعلومات القادمة من دمشق، فهو يدير المعركة من مبنى محصن بشدة، إذ كون بنفسه سلسلة من القادة متعددى الجنسيات الذين يديرون الحرب، بينهم قادة الجيش السورى، وقادة من حزب الله، وممثل للميليشيات الشيعية فى العراق. ولا تقتصر عملياته على الشرق الأوسط فحسب، فبين عامى ٢٠١٢ و٢٠١٣، قام بأكثر من ثلاثين عملية فى كل من نيودلهى، لاجوس وتمكن من نقل رجال ومواد متفجرة عبر تايلاند ونيروبى، وساعد «القاعدة» على الدخول والخروج من إيران، وفقا لأهوائه، فكان تارة يسلحهم وأحيانا أخرى يكشف الغطاء عنهم أمام أحد عملاء العدو. الدور الذى يقوم به «سليمانى» يتجاوز فى بعض الأحيان دور الوزراء ورئيس الجمهورية نفسه، فالرجل ذو القامة القصيرة والنظرة الثاقبة بات يحمل أوزان دول بأكملها، ما دفع الكثير من المتابعين للتندر قائلين: «إصابة سليمانى بالصداع ربما تؤثر على سلامة الملايين وتحدث انقلابا فى دمشق». خرج «سليمانى» من أسرة فقيرة فى قرية «رابورد» فى مقاطعة «كرمان الجنوبية الشرقية»، ترك عائلته، بعد إتمام التعليم الابتدائى، مع ابن عمه أحمد سليمانى وانتقل إلى «كرمان»، عاصمة المقاطعة، حتى وقعت عائلته تحت دين شديد، وحاول «سليمانى» أن يساعدهم عبر العمل باليومية فى البناء، وانضم بعدها بسنوات إلى شركة المياه فى «كرمان» كفنى بسيط.

«سارق الماعز»، كما أطلقت عليه الإذاعة الإيرانية، انضم إلى الحرس الثورى فى عام ١٩٧٩، وترقّى فى صفوفه بسرعة. وكحرس شاب، أرسل «سليمانى» إلى شرقى غرب إيران، حيث ساعد على قمع انتفاضة نظّمها الأكراد، كما توجه إلى الجبهة العراقية الإيرانية فى مهمة تأمين المياه للجنود هناك، ولم يغادرها مطلقًا، وهو ما يقول عنه: «دخلت الحرب بأمر مهمة لـ١٥ يومًا، وانتهى الأمر ببقائى حتى نهاية الحرب».

اكتسب «سليمانى» سمعة الشجاعة والحماسة، خاصة بعد قيامه بمهمات استطلاع خلف خطوط العدو العراقى، وأصبح قائدا لفيلق «٤١ ثأر الله» فى «الحرس الثورى» وهو فى العشرينيات من عمره، ثم رقى ليصبح واحدا من قادة الفيالق على الجبهات وكان يعود من مهامه حاملًا معه «عنزة» يقوم جنوده بذبحها وشيّها. وتولى النجم الإيرانى الصاعد قيادة «فيلق القدس» بعد بلائه الحسن فى حرب مكافحة المخدرات وتجارها الكبار فى محافظته «كرمان»، ما حدا بقائد قوات حرس الثورة الإسلامية فى ذلك الوقت، محسن رضائى، وخليفته رحيم صفوى، إلى تعيينه قائدا لـ«فيلق القدس»، المكلف بإدارة الملفات الخارجية أمنيًا وعسكريًا. وتولّى سليمانى قيادة «فيلق القدس» عام ١٩٩٨، واشترك بعد عام مع قوات «الحرس الثورى» وجماعات الضغط المتطرفة المقربة من المرشد خامنئى والأنصار المتشددين لنظام إيران الديكتاتورى فى قمع انتفاضة الطلاب فى يوليو ١٩٩٩.

يتمتع بنفوذ واسع فى إيران.. ويعد «الرجل الثانى»

ظاهريًا يبدو «سليمانى» الذى نعته خامنئى بـ«الشهيد الحى» شديد التواضع، ووصف نفسه فى مقابلة صحفية بأنه «أصغر جندى»، ورفض إقدام عدد من الحضور فى إحدى المناسبات على تقبيل يديه، وهو نادرًا ما يتحدث ولا يرفع صوته مطلقا، وعلى النقيض من كل رجال «الحرس الثورى» لايملك أى ثروة تذكر، بل يعيش من عائد وقف منحه له المرشد الأعلى للثورة.

يتمتع قائد «فيلق القدس» بنفوذ واسع فى الداخل، ويعد ثانى شخصية فى إيران بعد المرشد خامنئى فى تحكمها بالقرار الأمنى والعسكرى بل والسياسى.

وبرغم أن الدستور ينص على أن رئيس الجمهورية هو الرجل الثانى فى إيران، إلا أن امتلاك سليمانى مفاتيح العمليات السرية الخارجية منحه سلطات واسعة برزت فى تهديده خلال مارس الماضى، بمنع الإصلاحيين وكل معارضى التدخل الإيرانى فى المنطقة من تبوؤ أى منصب سياسى، لأنهم هتفوا فى احتجاجات «الانتفاضة الخضراء» عام ٢٠٠٩ بالاهتمام بمشكلات وأزمات إيران بدل إعطاء الأولوية والتدخل فى قضايا فلسطين ولبنان، لذلك يمثل سليمانى يإيمانه الشديد بمبادئ الثورة، ذروة التشدد الإيرانى، ويعد أحد رموز الدولة العميقة. «كلنا قاسم سليمانى».. حملة غاضبة أطلقها أكثر من ٢٠٠ شخص على مواقع التواصل الاجتماعى، بعد أن ظهرت دعوات فى الكونجرس الأمريكى تدعو إلى اغتياله، وأصبح «سليمانى» قليل الظهور إعلاميًا. وكانت ابنته نرجس قد سخرت من ظهوره المكثف فى الآونة الأخيرة، وأرسلت عبر البريد الإلكترونى صورًا له بعد إجراء تعديلات عليها بواسطة «الفوتوشوب»، ليظهر على القمر مرتديًا سترة سوداء إلى جانب أحد رواد الفضاء.

«لول، بابا»، كتبت نرجس معلقةً، على صورة أبيها الذى أبدى قلقا مسبقًا بشأن ابتعادها عن الدين الإسلامى وترددها على ملاهى «الكاريوكى» المترفة فى العاصمة الماليزية كوالالمبور

مطالبته بخلع «البدلة العسكرية» تقلق المرشد

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل