المحتوى الرئيسى

على فِراش "إليزابيث"

08/21 20:31

- أنا أجلس معك منذ عامين على المقهى ولم تخبرنى كم عُمرك؟

- ثلاثون عاماً فى بطاقة الهوية، وضِعفهم فى ملامحى

- لكنك تبدو بخير طيلة النهار؟!

- لأنك لا تقرأ ما أكتبه فى الليل

- أعلم أن الأمر عسير، لكن الكُل يمرض ويرحل!

- لا ينبغى لأمى أن تموت

- فقط لأنها ولدتنى تُعد كذلك

- اشتقت لحديثك عنها، أخبرنى عنها ما تريد

- ليلة أمس سمعتها تضحك وهى غارقة فى نومها ففزعت مِن نومى على صوت تلك الضحكات التى لم أسمعها منذ سبع سنوات، اتجهت إليها مُسرعاً وحاولت أن أوقظها لكنى لم أفعل، تركتها تضحك وكأن أذني اشتاقت لهذا الصوت، كـ مُغترب أخبروه أن والده قد رحل عن الحياه وبعد أن عاد لدياره وجده جالساً ينتظره ويخبره أنها كانت مُزحة ليجبروه على العوده، لم أكن أعلم أى شعور يجب أن أتمرسه عندما نزلت ضحكاتها كسيول على أرض جافة حتى أغرقتها وتشبعت، ثم صمتت قليلاً لتلحِق الصمت بجملة لم أفهمها، قالت: "لم أرقص منذ زمن بعيد"

بدأ التوتر والخوف يضرب جسدى وازدادت دقات قلبى كقطار متأخر على موعده ساعتين، اقتربت مِنها وبِت أهمس قائلاً: "أمى.. أمى أأنتى بخير؟ أمى"، لم ترد وكأنى أنادى فى صحراء عظيمة، لا أسمع سواى، بدأت نبرات صوتى تزداد وأرجها برفق يتحكم فيه الخوف فـ يدركه الناظر أنه تعنيف، فاعتدلت على جانبها الأيسر ناظرةً إلي وهى تضع يدها اليمنى على وجهى وتمسح لمعة عينى برفق لم أدركه مِن قبل، قالت: "اهدأ.. اهدأ إنه مجرد حلم"، ثم ابتمست وقالت: "لم أمُت بعد لا تقلق".

قبلت يدها بلهفة رحال ضل الطريق واهتدى، اعتدلت فى جلستى على فراشِها وملأت رئتي بنصف هواء الغُرفة، ومسحت عن وجهى وسألتها مبتسما:

- اجلب لى كوب الماء أولاً

أحضرت لها الماء وارتوت ثم مَسحت فَمها بظهر يدها اليسرى وأعطتنى الكوب باليمنى وهى تقول: "رأيتك بجوارى فى حفل زفاف، كُنت زوجى فى لحظات، ترقص معى وأنت مبتهج، ولحظات أخرى أجدك أكبر منى سناً، فأراك أبى، أرتمى بين ذراعيك كوداع أخير من بيتك إلى بيت زوجى، ثم رأيتك طفلا يحبو تملأ البهجة والنشوة قلبك، تتجه نحوى وأنا أرتدى الأبيض، فذهبت إليك من موضع العُرس وحملتك وأنا أرفع يداى التى تحملك إلى السماء، وظللت أرقص معك وأضحك حتى انقطعت أنفاسى من الضحك، ووجدك توقظنى".

لأول مرة تجتمع فى داخلى نِصف مشاعِر أهل الأرض، كنت أضحك باكياً، حزينا، بائسا، وحيدا، عاجزا، مُشتاق يتظاهر بالكبرياء، يحل الضعف المرتبة الأولى بينهم، ثم مِلت على رأسها وقبلتها قائلاً، "أنتِ مَلِكة على عَرش مملكتى، أنتِ إليزابيث فى عظمتها، وصبرها على ضربات عرشها".

نرشح لك

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل