المحتوى الرئيسى

محور الشر.. كيف اجتمعت إيران وقطر والإخوان ضد العالم العربي؟

08/20 20:48

منذ اندلاع الثورة «الخمينية»، أو ما يعرف اصطلاحا بـ«الإسلامية»، فى عام ١٩٧٩، وإيران لم تتوقف عن محاولات تصديرها إلى دول الجوار، خاصة تلك التى يضم شعبها أكثرية أو أقلية شيعية، وهو ما ازداد بشكل واضح، خلال السنوات الخمس الأخيرة. وفى إطار صراع النفوذ الإيرانى وهواجس إحياء «الإمبراطورية الفارسية»، عززت «طهران» الميليشيات التى تسلّحها وتموّلها، ونجحت عبر أذرع «الحرس الثورى» فى تحويل ٤ دول عربية إلى ساحات للدمار، كما تمكنت من زرع ألغامها فى العمق الإفريقى بهدف عزله عن محيطه العربى. وتبرز رؤية مهمة تقول إن رصيد ٤٠ عاما من حكم «الملالى» فى إيران أوشك على النفاد، فى ظل انشغال النظام الحاكم بمغامراته التوسعية المتواصلة تلك، والتى تجاوز حد الإنفاق عليها الـ٣٠ بليون دولار، مقابل عجزه عن تحسين الأوضاع المعيشية للشعب، فضلا عن ارتفاع نسب البطالة، وانتشار تجارة الأعضاء وأكواخ الصفيح. وللوقوف على حقيقة ذلك، نحاول- عبر حلقات متتالية- استشراق مستقبل نظام «الولى الفقيه» فى إيران، من خلال قراءةٍ فى استراتيجيته داخليا وخارجيا، خاصة أن الهدوء الساخط من الاستبداد والفساد الذى انتشر فى عهد «الشاه» وحاشيته يوجه الآن ضد «الملالى» وبطانته، والشعب بات قاب قوسين أو أدنى من «الثورة»، فى ظل تزايد التيارات المعارضة والحركات الانفصالية.

طهران تستغل تميم للتسلل للخليج والأمير يعتبرها حائط صد ضد السعودية

لا يخفى على أحد اجتماع كل من إيران وقطر وجماعة الإخوان على التآمر ضد الوطن العربى، فـ«المارقون الثلاثة» المتمثلون فى نظام «الولى الفقيه» ودويلة «آل ثانى» وتنظيم الدم الأول فى العالم الإسلامى، تتقاطع أهواؤهم على رقعة من أوهام التمدد وتوسيع النفوذ ولعب أدوار إقليمية أكبر من حجمهم.

وأضحت قطر وجماعة الإخوان بمثابة مخلبى النظام الإيرانى لزعزعة أمن واستقرار المنطقة، وفاتح شهيته للمضى قدما فى تصدير كل أشكال الفوضى والتخريب فى الداخل العربى، وكانت حلقة وصل ونقطة التقاء العقارب الثلاثة المتآمرين، اتفاقهم على استخدام نفس النهج فى تغذية الإرهاب وتوظيف إمكاناته المادية والمعنوية، لتصدير الدمار والموت.

ولأن الصيد فى الماء العكر هواية إيرانية، رأى «الملالى» أنه لا فرصة أعظم من المقاطعة العربية ليستغلوها، ويشقوا طريقهم باتجاه «الدوحة» مباشرة، دون تسلل أو «تقية»، وهو الأمر الذى نجحوا من خلاله فى توجيه ضربة قوية لـ«التحالف العربى» بقيادة المملكة العربية السعودية.

السياسة الخارجية الإيرانية «براجماتية» إلى درجة «الانتهازية»، وتمتلك القدرة على التعامل بأكثر من وجه، إذا اقتضت مصلحتها ذلك، و«الملالى» لا يقدمون أى خدمات مجانا.

ولدى إيران التى بادرت بتصدير المواد الغذائية وفتح مجالها الجوى أمام «الدوحة»، وشجعت الحكومة القطرية على التآمر على جيرانها، مآرب أخرى، غير الرغبة فى كسر العزلة المفروضة على «آل ثانى»، من بينها السعى لاستخدام قطر كجسر يمكنها النفاذ من خلاله إلى دول مجلس التعاون، وإضعاف الحلف العربى الدولى، وشق الصف الخليجى.

وارتفع سقف الطموحات الإيرانية إلى حد استغلال قطر للتجسس على المحتوى السرى للاتفاقات الخليجية، وتحقيق مزيد من التنسيق والتقارب بين الجماعات المسلحة التى يدعمها الطرفان، حتى لا تتضارب المصالح.

على الجانب الآخر، يبدو المراهق السياسى فى الدوحة طامعًا فى كسر النفوذ السعودى، عبر حليفه القوى من وجهة نظره، فالقيادة القطرية غير راضية عن تمدد الدور الإقليمى للمملكة، التى تشكل مركز الثقل العربى السنى، فى الوقت الذى تسعى فيه قطر بشكل واضح إلى التمدد فى الخليج، والحصول على دور إقليمى أكبر من مكانتها، وتشكيل تحالفات إقليمية داعمة لطموحاتها، وهو ما وجدته فى إيران.

عجلة التقارب القطرى الإيرانى جاءت مدفوعة بالهواجس، التى غرستها طهران فى عقل حاكم الإمارة، فوفقا لمنظور «الدوحة» يمثل التحالف مع إيران خط الدفاع الأول عن أمنها القومى، فى مواجهة الهيمنة السعودية، التى ترغب فى الحجر على القرار القطرى وتطويعه بما يخدم مصالحها وأهدافها.

وتذهب أوهام قطر إلى أبعد من ذلك، فتعتقد أن بإمكانها اصطياد عصفورين بحجر واحد، والتلاعب بدول الخليج وإيران فى ذات الوقت، وتحقيق مكاسب مباشرة من علاقاتها مع «طهران»، مع الاستمرار كعضو فى مجلس التعاون الخليجى، والتلويح بالورقة الإيرانية كأداة للضغط والمناورة إذا اقتضى الأمر.

نظام «الملالى» ساهم فى إشعال «الخلاف العربى» لكسب ملايين الدولارات من «آل ثانى»

لا يغيب الاقتصاد أبدًا عن أروقة السياسة، فاستخدام قطر، التى لم يتبق لها منافذ على العالم، سوى الموانئ الإيرانية، يمثل فرصة ذهبية لطهران من الناحية الاقتصادية، ويخلق مستوردا جديدا لمنتجاتها الغذائية، كما ينعش خزانتها بنحو ٥ مليارات دولار، نظير المعاملات التجارية مع الدوحة، مع الاستفادة من الميزانية الضخمة للإمارة المعزولة فى دفع عجلة الاستثمار المتعثر بالبلاد.

خطوط الجغرافيا، رسمت هى الأخرى أرضية مشتركة للتقارب الاقتصادى بين إيران وقطر، تجسدت فى حقل الغاز المشترك بينهما فى مياه الخليج، الذى يعد حافزًا إضافيًا للتقارب بينهما للحفاظ على المصالح المشتركة، خاصة أن الاتفاق النووى سيطلق مشروعات الاستثمارات الغربية فى الحقول الغازية الإيرانية القطرية.

رفع العقوبات، والاتفاق النووى، سيجعلان من إيران وجهة استثمارية، وتسعى قطر من جانبها إلى الفوز بحصتها، إذا نجحت، عبر سياستها التوافقية، فى أن تكون طرفا مهما فى الاتفاقيات الاستثمارية والاقتصادية، بالمشاركة مع دول كبرى، ما قد يرفع من أسهم نفوذها إقليميًا وعالميًا.

شيخ الإمارة الصغير لم يتردد طويلا، وفتح أبواب إمارته على مصراعيها أمام عناصر الحرس الثورى الإيرانى، المتخفين فى الزى القطرى، لتأمين حياته الشخصية، ودخل صاغرا إلى الكهف الشيعى، دون أى اعتبارات لأمن منطقة الخليج، بما رمى «الدوحة» تحت أقدام «الملالى»، وباعد بينها وبين أشقائها العرب، وزاد من التعقيدات السياسية، بدلا من السعى لخلق مناخ للتفاهم.

«طهران» عبرت إلى «الدوحة» على بساط المساعدات الإنسانية، وهى الآن تتحدث بالنيابة عن قطر فيما يتعلق بالأزمة، وحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن قادة إيران لم يرحبوا فقط بالأزمة، بل أسهموا فى اشتعالها، سياسيًا بتصريحات مسئوليها، وجولاتهم الخارجية لدعم قطر، والهجوم على الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، واقتصاديًا من خلال فتح أجوائهم وإرسال منتجاتهم الغذائية.

أما على صعيد الإعلام، فلم تتوقف طهران عن الشحن، وإشعال الأزمة، وركزت على المحاور التى ترى أن سياسات قطر نموذج للخطوات العملية والاستقلالية، وأن «الدوحة» ترى نفسها وحيدة، وتبحث عن حلفاء أقوياء فى المنطقة مثل «إيران». وتبلور التعاون القطرى الإيرانى فى دعم ميليشيات الحشد الشعبى فى العراق، ووعدت «الدوحة» بمنحهم مليار دولار، لشن هجوم على شمال السعودية، بينما انخرط وزير الدفاع الإيرانى فى وصلة تهديد للأنظمة العربية باستخدام هذه الميليشيات. وفى عام ٢٠١٠، بلغ التعاون ذروته، بتوقيع اتفاقية أمنية، بين ممثلين عن الحرس الثورى، وقيادات عسكرية قطرية، تبعها فى ٢٠١٥، اتفاق ثنائى لـ«مكافحة الإرهاب»، والتصدى للعناصر المخلة بالأمن فى المنطقة.

«الإرهابية» ترد جميل الدوحة بالتقارب مع «قبلة الشيعة»

الضلع الأخير بالمثلث هو جماعة الإخوان، التى كان الدعم القطرى لها سببًا مباشرًا فى المقاطعة العربية، فالتنظيم لم يجد مفرًا من رد الجميل للدويلة الحاضنة له فى أزمتها، سوى بالانسياق خلف طهران.

مغازلة النظام الإيرانى بدت فى إقدام القيادات الإخوانية وحلفائها على إطلاق تصريحات تدعم قادة «الملالى»، وموقفهم من الأمير المنبوذ، وترى فى إيران خيارا مناسبا للدوحة بعد المقاطعة العربية.

وحرض موقع «الثورة اليوم»، التابع للإخوان، على اللجوء إلى إيران، قائلا: «بعد الحصار الاقتصادى الذى فرضته السعودية ضد قطر، وتهديد أمنها الغذائى، عن طريق منع مرور الغذاء من المعابر السعودية، فإنه أمام قطر جار آخر قريب، يستطيع تعويض الحصار السعودى»، فى إشارة إلى إيران.

وأشار الإخوانى أنس حسن، مؤسس شبكة «رصد»، إلى أن إيران قد تكون بديلا جيدا لقطر، قائلًا: «الخارجية الإيرانية رفضت فرض الحظر والعقوبات على قطر، وقالت إنه غير مقبول، والحصار مرفوض وغير مجد، وبالتالى فهى بديل جيد».

وتعكس مساعى الجماعة لدعم التقارب بين النظام القطرى والإيرانى عبر أبواقها الإعلامية، مخاوف قياداتها من أن تقدم قطر على تكرار سيناريو سبتمبر ٢٠١٤، عندما طلبت من ٧ من قيادات الإخوان، مغادرة أراضيها، كان من بينهم، وجدى غنيم، الداعية الإخوانى، ومحمود حسين، الأمين العام للجماعة، وعصام تليمة، مدير مكتب يوسف القرضاوى السابق.

أنياب الإخوان السامة ليست فى قوتها العسكرية، بل فى قدرتها على الحشد المعنوى والدعائى، فالجماعة، وفقا للإحصاءات الأمريكية، تتواجد فى ٧٠ دولة حول العالم، وتنظيمها الدولى لديه قائمة كبيرة من الكيانات والجمعيات التى تنفذ مخططاته فى الخارج، على رأسها «المعهد العالمى للفكر الإسلامى» و«منظمة كير الإسلامية الأمريكية».

الشعب الإخوانى بالخارج والداخل ملتزم بالولاء التام لجماعته، وهنا تكمن خطورته، نظرا لاستجابته العمياء لإملاءات القيادات المتلونة وفقا لمقتضيات المصلحة.

وإيران التى يتوددون إليها اليوم، عدها القرضاوى فى أكتوبر ٢٠١٢ من أعداء الأمَّة، التى «يجب الدعاء عليها فى الحج»، بسبب موقفها من الأزمة السورية، وهى نفسها التى وصف انتصار ثورتها فى كتابه «أمتنا بين قرنين» بأنها من ثمرات الصحوة الإسلامية، بقوله: «لقد أقام الخمينى دولة للإسلام فى إيران، وكان لها إيحاؤها وتأثيرها على الصحوة الإسلامية فى العالم».

«سينما البنا» وترجمات سيد قطب تفضحان علاقة الجماعة بـ«العمائم السوداء»

اعتقد البعض خطًأ أن دعم إيران للسياسات الطائفية أدى إلى طلاق وفراق بائن بينها وبين جماعة الإخوان، لكن يبدو أن إكراهات السياسة أجبرتهما فقط على إخفاء العلاقة الوثيقة بينهما، رغم أن أواصرها تمتد منذ نشأة الجماعة فى الأربعينيات.

الصورة التى التقطت فى أربعينيات القرن الماضى، وجمعت بين سيد قطب الإخوانى، ومجتبى نواب صفوى، الإيرانى، المقرب من الخمينى، ومؤسس المنظمة الثورية الإسلامية «فدائيو إسلام»، اختزلت فى طياتها الكثير، من ثنائية «الخلافة» و«الإمامة».

وبعد قيام الثورة الإسلامية، عرض وفد الإخوان على الخمينى تدشين خلافة فى إيران بقيادة الأخير، شريطة إعلانه أن الخلاف بين الصحابة حول الخلافة والإمامة كان سياسيًا، ولم يكن دينيًا.

أبرز دلائل الإعجاب والتأثر برموز الجماعة، كان فى قيام المرشد الأعلى للثورة بترجمة كتابين لسيد قطب إلى الفارسية، يتم تدريسهما حاليا فى مدارس الإعداد العقائدى للحرس الثورى، بالإضافة إلى إطلاق أسمائهم على الميادين والشوارع الكبرى فى طهران، فهناك شارع يحمل اسم خالد الإسلامبولى، وطابع بريدى عليه صورة لقطب، ودار سينما، تعرف باسم «حسن البنا».

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل