المحتوى الرئيسى

ترويض الأفاعي.. هل ينجح بن سلمان في تقويض «نظام الملالى»؟

08/19 21:44

منذ اندلاع الثورة «الخمينية»، أو ما يعرف اصطلاحا بـ«الإسلامية»، فى عام ١٩٧٩، وإيران لم تتوقف عن محاولات تصديرها إلى دول الجوار، خاصة تلك التى يضم شعبها أكثرية أو أقلية شيعية، وهو ما ازداد بشكل واضح، خلال السنوات الخمس الأخيرة. وفى إطار صراع النفوذ الإيرانى وهواجس إحياء «الإمبراطورية الفارسية»، عززت «طهران» الميليشيات التى تسلّحها وتموّلها، ونجحت عبر أذرع «الحرس الثورى» فى تحويل ٤ دول عربية إلى ساحات للدمار، كما تمكنت من زرع ألغامها فى العمق الإفريقى بهدف عزله عن محيطه العربى. وتبرز رؤية مهمة تقول إن رصيد ٤٠ عاما من حكم «الملالى» فى إيران أوشك على النفاد، فى ظل انشغال النظام الحاكم بمغامراته التوسعية المتواصلة تلك، والتى تجاوز حد الإنفاق عليها الـ٣٠ بليون دولار، مقابل عجزه عن تحسين الأوضاع المعيشية للشعب، فضلا عن ارتفاع نسب البطالة، وانتشار تجارة الأعضاء وأكواخ الصفيح. وللوقوف على حقيقة ذلك، نحاول- عبر حلقات متتالية- استشراق مستقبل نظام «الولى الفقيه» فى إيران، من خلال قراءةٍ فى استراتيجيته داخليا وخارجيا، خاصة أن الهدوء الساخط من الاستبداد والفساد الذى انتشر فى عهد «الشاه» وحاشيته يوجه الآن ضد «الملالى» وبطانته، والشعب بات قاب قوسين أو أدنى من «الثورة»، فى ظل تزايد التيارات المعارضة والحركات الانفصالية.

«القوة الناعمة».. طريق الأمير الشاب لاختراق الداخل الإيرانى

لأن السياسة هى فن الممكن، ولا مكان فيها للملائكة ولا الشياطين، ولا الصداقات أو العداوات الدائمة، فإن ذهاب المحللين إلى الرهان على قدرات ولى العهد السعودى محمد بن سلمان، فى ترويض العقارب الإيرانية، وتحجيمها، وسحبها إلى خانة الدول الصديقة، لا يحمل أى نوع من الشطط السياسى، إذا تم التعاطى مع المسألة بشكل سليم.

العصا السحرية، التى يمكنها أن تفرط عقد السبحة الخمينية، يملكها الأمير الشاب، وتنبئ بأن السبيل إلى تقويض نظام الملالى لن يتم إلا بإحداث تغيير جوهرى فى الداخل، عبر انتهاج استراتيجيات ناعمة يمكنها فى النهاية من تحقيق الفصل الكامل بين الشعب والنظام الحاكم.

بصفة عامة، لا يروق ولى العهد السعودى الجديد لطهران، وتعكس ردود الفعل الإيرانية عقب توليه ولاية العهد مخاوف الملالى من صعود الأمير، الذى هاجمه المرشد الأعلى للثورة قبل عام ونصف العام، واصفًا إياه بالشاب المتهور، قليل التجربة.

وتصدر تنصيب محمد بن سلمان عناوين الصحف الإيرانية، وعنونت صحيفة «اعتماد» الخبر بأن الحكم فى المملكة أصبح فى قبضة شخص يعشق الحرب، وزعم بعض وكالات الأنباء أن القرار الملكى باختياره وليًا للعهد، يعد خطوة لإعلان الحرب على طهران.

قلق النظام انعكس بوضوح فى تصريحات المسئولين هناك، ووصف المتحدث باسم الحرس الثورى الإيرانى، العميد رمضان شريف، مشهد مبايعة بن سلمان بـ«العبثى»، وأضاف أن الأمير محمد بن سلمان، الذى هدد بنقل المعركة إلى داخل إيران، عليه أن يدرك مدى الصواريخ الإيرانية، وهدد بأن أى سلوك استفزازى من قبل السعودية، سيكون جوابه واضحًا، وسريعًا من قبل طهران، ومخازنها المملوءة بالصواريخ.

ويرجع الامتعاض الإيرانى من التغييرات السياسية بالمملكة، إلى أن طهران تعتبر وصول الأمير السعودى لمنصب الملك بات أمرًا واقعًا بما يمتلكه من صفات قيادية، كما أن شخصيته تميل إلى المفاجآت الحاسمة، وسلوكه لا يمكن التكهن به، وهو ما يمثل تهديدًا صريحًا لأهدافها التوسعية فى المنطقة.

من ضمن هذه المفاجآت «واردة الحدوث» اتجاه بن سلمان لتصحيح مسار السياسة السعودية تجاه طهران، وهو ما تحدث عنه مقال منشور فى صحيفة «واشنطن تايمز» الأمريكية، فى ٢٨ يوليو الماضى، رأى أن ذلك يبدأ بتوجيه خطاب مباشر إلى الشعب الإيرانى نفسه، باعتباره حليفًا طبيعيًا، يطرح خلاله رؤيته لعلاقة سلمية وودية، وينتهى بأهمية مد أواصر الصداقة مع أصحاب الأرض الحقيقيين، ذوى التاريخ الثرى والتراث الفريد.

حزمة السياسات الناعمة لابد أن تصاحبها مبادرات جريئة وملموسة من ولى العهد، بغية تحقيق استمالة شعبية كاملة، تتمثل فى الإعلان عن صندوق للتكفل بنفقات حج المسنين الإيرانيين، وتمويل وإنشاء جسر تكنولوجى، تقوم من خلاله الشركات المبتدئة داخل وخارج طهران بالمشاركة فى المشروعات التكنولوجية الواعدة، التى تهتم بها المملكة، مثل الخلايا الشمسية وتحلية المياه، وأخيرًا إطلاق مخطط كامل لإعادة تعمير إيران وخارطة طريق، تشرح للمواطنين كيف ستبدو بلادهم دون وجود الملالى، مع وضع استراتيجية خليجية للاستثمار فى الاقتصاد. الوسيلة ليست بعيدة عن النهج الملالى المتكرر فى استقطاب الشعوب، وعزلها عن أنظمتها الحاكمة، والمزاج الشعبى الإيرانى مهيأ تمامًا لاستقبال رسائل الثورة، فى ظل تردى الأوضاع بالداخل، وتصاعد وتيرة الاحتجاجات ضد النظام.

التقارب مع «الأحواز» و«مجاهدى خلق» يهدد العمائم السوداء

استغلال السعودية للحظة الراهنة، وخلق قنوات اتصال مع زعماء الأقليات الإيرانية، سواء العرقية، كالأحواز، أو الدينية، كالسنة، وتقديم الدعمين المالى والسياسى لها سيكون بمثابة حجر الأساس لإسقاط الدولة الخمينية، أو على الأقل شغلها بنفسها، وإقحامها فى مزيد من الصراعات الداخلية، لتتجرع من نفس الكأس التى تسقيها لدول الجوار.

التحركات السعودية لن تؤتى ثمارها إن لم يواكبها تقارب مع تيارات المعارضة الإيرانية فى الداخل والخارج، ومشاركة رئيس استخباراتها السابق، الأمير تركى الفيصل، فى مؤتمر «مجاهدى خلق» فى باريس العام الماضى، توحى بأن الرياض بدأت بالفعل فى استخدام هذه الورقة.

ورغم إعلان الأمير السعودى أن حضوره للمؤتمر كان بصفته الشخصية، إلا أن هتافه: «يسقط النظام الإيرانى» مع مريم رجوى، زعيمة المعارضة، دفع قادة الملالى إلى توجيه انتقادات لاذعة للسعودية، واتهامها بالتآمر على طهران.

مطالب الأحواز بالانفصال هى إحدى وسائل الضغط القوية، التى يمكن أن تستغلها المملكة، خاصة أن سكان الإقليم من العرب سبق لهم أن طالبوا بتدخل جامعة الدول العربية لبحث أمرهم.

أهمية إقليم الأحواز، تكمن فى استئثاره بمصادر الثروة، إذ يستحوذ على ٨٧٪ من إنتاج النفط الإيرانى، و٩٠٪ من إنتاج الغاز، فضلًا عن نصف المخزون المائى.

«التصريحات الجريئة» تعكس اتجاه ولى العهد للتصعيد والمواجهة

حرب التلاسن بين طهران والرياض، زادت وتيرتها بعد تصريحات ولى العهد السعودى فى حديث للتليفزيون، فى ٣ مايو الماضى، ذكر فيه أن المملكة لن تنتظر حتى تصبح المعركة فى السعودية، بل ستعمل كى تكون المعركة لديهم فى إيران.

وقال الأمير الشاب: «إيران تريد السيطرة على العالم الإسلامى، وبالتالى، كيف يمكن التفاهم معها؟، منطقها أن المهدى المنتظر سيأتى، ويجب أن يحضّروا البيئة الخصبة لظهوره، عبر السيطرة على العالم الإسلامى».

الرد الإيرانى زاد من حدة التراشق، وقال وزير الدفاع، حسين دهقان، فى تصريحات لوكالة «تسنيم للأنباء»، إن «طهران لن تترك جزءًا من السعودية على حاله، باستثناء الأماكن المقدسة، وذلك فى حال ارتكبت الرياض أى حماقة بنقل المعركة».

تصريحات ولى العهد بها إشارات جلية، وهى أن المملكة ستتبنى نهجًا جديدًا فى سياستها الخارجية، فإجابات الأمير، على هذا النحو الصريح، تعكس تحولًا فى الخطاب السعودى، الذى كان يميل لتفادى الصدام والإفصاح عن مواقفه بشكل علنى.

بن سلمان اختار سياسة «اللعب على المكشوف»، وفضل المواجهة ونجح فى وضع قادة «الولى الفقيه» أمام أنفسهم، ليدركوا أن صبر المملكة قد نفد، بعدما صالت طهران وجالت فى المنطقة وزرعت ألغامًا على امتداد الوطن العربى فى سوريا، واليمن، والعراق، وها هى اليوم تقف لمواجهة خصم قوى وحازم، لن يتردد فى استخدام الخيار العسكرى إذا اقتضى الأمر.

الرسالة السعودية لطهران واضحة، بأنها لن تلتزم بمزيد من الصمت والتجاهل حيال التدخلات الإيرانية، والمعادلات الآن تغيرت جذريًا، وسياسة ضبط النفس لا تناسب أسلوب تفكير بن سلمان، الذى أعلن صراحة أنه لم يعد بوسع الرياض تلقى مزيد من اللكمات، وأنها سوف تتجه نحو إيلام طهران.

التوتر الحالى ليس سوى فصل جديد من صراع امتد لعقود طويلة، تخللته فترات قصيرة من التقارب، بين السعودية، حامل لواء السنة، وإيران، فارس التشيّع العالمى.

بداية التوتر كانت فى عام ١٩٤٤، عندما أعدمت السعودية حاجًا إيرانيًا، بتهمة «رمى قاذورات على الكعبة وشتم الصحابة»، فقطعت إيران العلاقات، مبررة الواقعة بأن «الحاج شعر بالدوار أثناء طوافه، فتقيأ»، وأعيدت العلاقات من جديد فى عام ١٩٤٦، ثم شابها بعض التوتر فى عام ١٩٥٠، بعد اعتراف إيران بإسرائيل.

ومع اندلاع الحرب العراقية ــ الإيرانية، قامت المملكة بمساعدة ودعم العراق وإمداده لوجيستيًا خلال الحرب، وكان رد الفعل الإيرانى هو قصف ناقلات النفط السعودية فى الخليج العربى، واغتيال الدبلوماسيين السعوديين فى الخارج.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل