المحتوى الرئيسى

محمد الباز يكتب «مريم المصرية 13»: الرقصة دي للعدرا.. والرقصة دي لمار مرقس

08/18 21:59

ليس فى هذا العنوان أى تجاوز من أى نوع، هو فقط جزء من واقعة حقيقية حدثت منذ أعوام طويلة، كنت أحقق فى بعض ما نسب إلى كاهن كنيسة العذراء بمسطرد القمص عبدالمسيح بسيط، وكان أحدهم قد نسب إليه، أنه ألغى الاحتفال بالمولد الذى يقام كل عام أمام الكنيسة.

قابلت «بسيط» وهو رجل طيب وودود جدًا فى مكتب الأنبا مرقس، أسقف شبرا الخيمة، وبغضب شديد قال «بسيط»: أنا لم ألغ المولد ولا أستطيع أن أفعل ذلك من الأساس، فالقرار ليس قرارى، وحتى لو أردت ذلك فلن يسمح لى الناس، أنا فقط حافظت على قدسية السيدة العذراء مما كان يحدث لها.

كان الكلام غريبًا بعض الشىء، إذ ما الذى يضير السيدة العذراء من مولد يقام لها، مثله فى ذلك مثل بقية موالدها فى محافظات مصر.

نظر «بسيط» إلى الأنبا مرقس وقال له بأسى: تصور يا سيدنا أنا كنت قاعد فى مكتبى فى الكنيسة، وكانت فيه فرقة بتشتغل من فرق الموالد دى، وفجأة سمعت فى الميكروفون الرقاصة ولا المغنية مش عارف بالظبط، بتقول: والرقصة دى للعدرا والرقصة دى لمار مرقس، تصور يا سيدنا.. تصور.

ابتسم الأنبا مرقس، واستوعب غضب «بسيط»، وقال له: هدى نفسك، أكيد هى لا تقصد الإساءة للسيدة العدرا، هى اتكلمت على أد فهمها، وممكن تكون كانت عايزة تعبر عن حبها لها.

لم يتراجع «بسيط» عن غضبه، وقال: مش للدرجة دى يا سيدنا مش للدرجة دى، فأغلق مرقس الحديث فى هذه النقطة مشفقًا على تلميذه الذى كان قد أجرى اتصالاته لتغادر هذه الفرقة من المولد فورًا، وهو ما قامت به الجهات التنفيذية.

الواقعة بالنسبة لى كانت شديدة الدلالة، رجل الدين هنا قام بعمله على الوجه الأكمل، استمع إلى إساءة واضحة ومباشرة من وجهة نظره فى حق السيدة العذراء، فتصرف بالطريقة الوحيدة التى يعرفها وهى المنع التام، لا حوار ولا حديث ولا نقاش، والراقصة أو المغنية التى وهبت من عندها رقصة للسيدة العذراء ورقصة للقديس مار مرقس، أدت دورها وما عليها كاملًا، ولا يمكن أن نلومها على ما فعلت.

لقد أرادت هذه الراقصة أن ترضى السيدة العذراء فى مولدها، أن تهديها بأفضل ما عندها، ولأن الرقص هو أثمن وأغلى وأهم ما تملكه، فقد وضعت رقصتها فى خدمة ستنا مريم، وأعتقد أنها تعجبت عندما وجدت نفسها وفرقتها مطرودة من المولد، لأنها من وجهة نظرها لم ترتكب أى خطأ، بل كانت تنتظر من يشكرها على ما فعلته.

يمكن أن تعترض على ما أقوله، تعتبره إمعانًا فى الإساءة، أو على الأقل دفاعًا عمن أخطأت وأساءت الأدب فى موضع لا مكان فيه لسوء الأدب، ثم إن مولد العذراء لا يجب أن تكون فيه راقصات من الأساس.

وهنا تأتى النقطة الفارقة، فالموالد التى يقيمها المصريون سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، ويضعون على كل مولد اسم ولى أو قديس، لا يقيمونها أبدًا من أجل الأولياء أو القديسين، إنهم يفعلون ذلك من أجل أنفسهم، فالمولد فى النهاية نوع من النشاط الاقتصادى، الكل يدخله كى يحقق فائدة ما، مادية أو معنوية لا فرق، المهم أن الجميع يخرج راضيًا، وأعتقد أن آخر ما يفكر فيه من يقومون على أمر الموالد هو اسم الولى أو القديس.

لن أبالغ وأقول إننا حولنا الأولياء والقديسين مثل أشياء كثيرة فى حياتنا إلى سبوبة كبيرة، كل ما يهمنا هو أن نعرف كيف نتكسب منها، ولكن يبدو أن هذا حقيقى جدًا.

ليس من حقى بالطبع أن أتحدث عن نوايا الناس، فلم أشق عن صدورهم وأعرف ما تخفيه قلوبهم، ولكننى أتحدث عما يبدو على السطح، وهو كثير وكافٍ.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل