المحتوى الرئيسى

محمد فودة يكتب: معالي وزير النقل.. «فلتقل خيرًا أو لتصمت»

08/18 19:03

لم أكن أرغب فى الكتابة عن هذا الحادث المؤلم المعروف إعلاميًا بحادث «قطارى الإسكندرية»، بل كان من الممكن أن يمر الحادث كغيره من الحوادث الكبيرة والكثيرة التى شهدتها السكك الحديدية من قبل، وكان من الممكن أيضًا أن نتعامل مع المسألة باعتبارها خارجة عن الإرادة ونتألم كثيرًا، لأن هيئة السكك الحديدية تتكبد حوالى ٣٦٠ مليون جنيه بسبب قرار تحريك سعر الوقود، وأنها تتحمل هذا الفرق نيابة عن المواطن فيشفع لها هذا الأمر ونحاول فقط الاكتفاء بتضميد جراحنا بأيدينا.

إلا أننى فوجئت بتلك التصريحات المستفزة التى جاءت بطريقة أكثر استفزازًا على لسان وزير النقل المهندس هشام عرفات أمام لجنة النقل والمواصلات فى البرلمان والتى توقفت أمامها طويلًا ربما أكون قد فهمتها بشكل خاطئ.

ولكنه للأسف الشديد كان يعى جيدًا ما يقول، حيث أشار إلى أن اعتماد هيئة السكك الحديدية على العنصر البشرى يتعدى ٩٠٪، موضحا ذلك بقوله حرفيا: «إحنا متأخرين عن دول العالم أكتر من ٣٠ سنة، لأن الاعتماد على العنصر البشرى هو السبب الرئيسى فى المصائب السوداء المتكررة».

وهنا أتساءل: كيف يخرج هذا الكلام من مسئول مهم بدرجة وزير يجب عليه أن يزن كلامه بميزان الذهب قبل أن ينطق به، خاصة فى مثل هذه الحوادث الكبيرة التى تشغل الرأى العام، لأنه ببساطة شديدة هو بمثابة واجهة للدولة، وهذا يحتم عليه ألا يكون تفكيره على هذا النحو من التخبط وعدم وضوح الرؤية، وكأنه يحاول إبعاد التهمة عن نفسه بأى وسيلة.

لقد أجزم الوزير بأن الخطأ البشرى هو السبب الرئيسى فى حادث قطارى الإسكندرية، قائلًا بالحرف الواحد: «ولو سبنا السيستم خاضع للعامل البشرى هتتكرر الحادثة، أنا مش هجامل حد، لازم نشوف الناس برا بتفكر إزاى ونخرج برا الصندوق، وكمان لازم نستخدم التكنولوجيا».

وهنا أقول لمعالى الوزير: ومن منعك من استخدام هذه التكنولوجيا التى تتحدث عنها.. فلو لم تكن على قدر المسئولية وتضطلع بالدور المنوط بك فبأى منطق تستمر فى هذا المكان الذى وضعتك فيه القيادة السياسية لتكون خادمًا للشعب، لا أن تبحث عن مبررات وهمية للخلل الإدارى الذى ينخر فى هيئة السكك الحديدية؟! والكارثة أن الوزير يخرج علينا بتلك التصريحات فى الوقت الذى نرى فيه رأس الدولة الرئيس السيسى فور وقوع الحادث يوجه، وبشكل عاجل، برعاية مصابى الحادث والاهتمام بأسر الضحايا، ولم يكن هذا الأمر مجرد قرار رئاسى فحسب، بل إن الرئيس كان يتابع بنفسه تداعيات الحادث لحظة بلحظة فى الوقت الذى يخرج علينا الوزير مبررًا بطء عملية إصلاح هيئة السكك الحديدية بأن الهيئة طلبت ١١ مليارا، ولكن الموافقة جاءت على مبلغ ٣ مليارات فقط، متهكمًا على ضعف الإمكانات، مطالبًا بضرورة تعديل قانون هيئة السكك الحديدية، قائلًا «مفيش حد كينج كونج ونسعى لبحث عمليات تطوير شاملة».

أنا لا أنكر أن هناك عجزا فى الإمكانات، وأننا نعانى من قلة فى الميزانيات المخصصة لتطوير السكك الحديدية، ولكن لا يصح على الإطلاق أن يتعامل وزير مسئول على هذا النحو الذى تفوح منه رائحة الرضوخ للأمر الواقع أو التهكم والسخرية من ضعف الإمكانات.. خاصة أن على رأس الدولة رجلا لا يعرف شيئا اسمه المستحيل.. رجلا استطاع أن يقتحم مناطق شائكة لم يجرؤ رئيس من قبل على الدخول فيها لخطورتها وصعوبة التعامل معها.

الشىء المؤسف أن حادث قطارى الإسكندرية ليس الأول من نوعه فهل سيكون الأخير؟.. أعتقد أن الإجابة بالطبع ستكون بالسلب، فهذا الحادث المؤلم قد يتكرر كثيرًا، وبأشكال مختلفة طالما تدار تلك الوزارة المهمة بهذا التفكير الذى للأسف الشديد لن نجنى من ورائه سوى المزيد من الاستهتار بأرواح الأبرياء الذين يقودهم حظهم العثِر ليكونوا ضحايا تلك الحوادث المأساوية.

فالمشكلة الحقيقية هنا تكمن فى التخبط الشديد فى إدارة الأزمة.. ففى كل بلاد العالم حينما تحدث كوارث من هذا النوع نجد على الفور الوزير المسئول يقف وبكل شجاعة ويعلن عن تقصيره فى أداء المهمة الموكلة إليه، ولكن هنا- للأسف الشديد- فإننا فى أعقاب كل حوادث القطارات المروعة كنا نسمع كلامًا كثيرًا عن تطوير المزلقانات وخطط متكاملة تستهدف الارتقاء بمنظومة السكك الحديدية واعتمادات مالية ضخمة لهذا الغرض، ولكن سرعان ما تنطفئ تلك الحماسة وتهدأ شيئًا فشيئًا لتصل فى نهاية المطاف إلى مجرد حبر على ورق، فقائمة الحوادث الشهيرة كثيرة والتصريحات والوعود أكثر.. فهل ننسى حادث «قطارى ركاب قليوب» الذى أسفر عن وفاة ٥٨ راكبًا وإصابة ١٤٣ آخرين، وأيضا حادث «قطارى ركاب العياط» الذى نتج عنه وفاة ٣٠ وإصابة ٥٨ آخرين بعد تعطل قطار عقب اصطدامه بـ«جاموسة»، وحادث «خروج قطار» قادم من القاهرة إلى الزقازيق عن القضبان أمام قرية «رمادة» بمركز شبين القناطر، وحادث اصطدم قطار بسيارتى نقل وميكروباص أثناء عبورهما «مزلقان دهشور»، مما أدى إلى وفاة ٢٧ وإصابة ٢٨ آخرين، أما الحادث الأكثر مأساوية فقد كان فى اصطدم قطار بـ«أتوبيس أطفال» أثناء عبوره مزلقان المندرة بمركز منفلوط بأسيوط، مما أدى إلى وفاة ٤٩ طفلا وإصابة ١٣ آخرين. المسألة إذن ليست جديدة أو كانت مفاجأة لوزارة النقل، فالتاريخ غير المشرف لهيئة سكك حديد مصر ملىء بسجل هائل من الإهمال وعدم الأخذ بالاحتياطات الأساسية التى تستهدف تأمين سلامة الركاب. الأمر الذى يدفعنى إلى توجيه رسالة إلى معالى وزير النقل لأذكره بالحديث الشريف.. عن أبى هريرة، رضى الله عنه، عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت».. رواه البخارى ومسلم.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل