المحتوى الرئيسى

التصوير القرآني و أثره على المتلقين

08/18 10:03

إن الإعجاز القرآني بحر لا ينضب عطاءه، تعجز الألسن والأقلام عن حصره، وقد اجتهد علماء الإسلام في ذلك وأدلوا بجهدهم في هذا الميدان الرباني ، فأثروا تراثا ظل منارة للإسلام والمسلمين إلى يومنا هذا،ومن ألوان الإعجاز القرآني الذي نقب فيه العلماء الإعجاز البياني الذي قال فيه الوليد بن المغيرة : " إن عليه لحلاوة و إن علية لطلاوة... " فهز القرآني أفئدة المشركين و أحالهم عن الإسرار بإلهيته.

والتراث الإسلامي ذاخر بخيرة جهد علمائنا السالفين الذين تحدثوا عن ألوان الجمال القرآني، وسوف نحاول – بعون الله - أن نشير إلي أثر التصوير القرآني الذي سحر الألباب وأخذ بالأفئدة. 

حينما نتأمل في النص القرآني المبارك نجد أن التصوير القرآني جاء بأهداف عدة منها الترهيب و الترغيب ، ففي صورة الغاشية – مثلا – بين لنا الحق - سبحانه و تعالى- جزاء أصحاب النار يوم القيامة بصورة مشاهدة تحمل من آيات الترهيب ما تنفر من أي عمل يؤول بالمرء إلى النار وعذابها قال تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)) ( )

فهذه الصور المشاهدة تجسد لنا أهوال يوم القيامة للكفار ، تحمل من ألوان التهويل و الترهيب ما ينبه الطائع إلى ضرورة التزام منهج الصلاح حتى ينائى بنفسه أهوال القيامة ، و تحمل من ألوان الوعيد للعاصي ما يبين ما هو منتظر له يوم القيامة بتعدد مشاهد العذاب الذي يلقاه، وقد تجلى إيلامه للمتلقي من خلال المشاهد المصورة ؛ لتتقابل هذه الصور مع الصور المجسدة لجزاء المؤمنين الفائزين بالجنة يوم القيامة ؛ و الكائنة في قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ) 

إنها مشاهد متعددة تحمل في كل لقطة منها ألوانا من النعيم المنتظر للمؤمنين ، تجمل من التوصيف ما يتقاصر عنه النظم اللفظي المجرد بالمقارنة مع التصوير القرآني الذي حمل مشاهد المحل والحال للجنة و أصحابها.

التصوير القرآني أخاله آلية من آلياته الإعجازية التي أثبتت إلهيته ، لما تحمله من ظلال تقرب المراد إلى المتلقي فتؤول به إلى الإقناع ، والظلال الفنية الملازمة للصورة القرآنية متعددة و متنوعه فقد يكون التصوير القرآني حاملا لظلال قتامة المشهد ؛فعندما أخبرنا الحق - سبحانه و تعالى – عن جزاء أبي جهل في قوله تعالى : (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ(5))( )

نجد أن التصوير القرآني جسد لنا قدوم أبي جهل الذي لازمته الجهالة ، جهالة إدارك أن محمد – صلى الله عليه وسلم – خاتم الرسل و الأنبياء بعد أن غض الطرف عن مظاهر الإعجاز الملازمة لدعوة الهادي محمد؛ ليحمل التصوير القرآني للمتلقي ظلالا يشي بمدى قبح طلة أبي جهل، وهذه الصورة نخالها مستدعاة لمظهر من مظاهر الإعجاز القرآني و الممثل في بقائه - أبي جهل - على كفره بعد إقرار النص القرآني بذلك ، فيخيل إلىِّ أنه لو توقف أبو جهل للتفكر بفكره المفسد الداعي إلى إنكار الدين الإسلامي لأعلن إسلامه و لو رياءً ؛ ليبطل مصداقية النص القرآني المبارك الذي أخبر فيه عن مصيره ؛لأراح نفسه من عنت محاولاته الفاشلة لإبطال دعوة الإسلام و سعيه الدؤوب في إيذاء نبينا – صلى الله عليه وسلم – ومن اتبعه من المؤمنين ، لكن الحق – سبحانه و تعالى - أدرى بتكوينه من نفسه ؛ حيث قال فيه : (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ(5))( )

وهذه الآيات المباركة وما حملته من تصوير قرآني أشاعت بشاعة أبي جهل لما لازم الآيات المباركات من نظم ونسق فريد كشف عن ظلال القبح الملازمة له.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل