المحتوى الرئيسى

«الفرافرة».. «ترانزيت» لتحويل المرضى إلى «الداخلة» على بُعد «300 كيلو»

08/18 10:06

انطلق أذان الفجر فى أرجاء قرية أبومنقار، التابعة لمحافظة الوادى الجديد، وانطلقت معه صرخات هناء عبدالحميد، سيدة عشرينية تصارع آلام المخاض، التى تحملتها على وشك أن يأتى بزوغ الفجر بالأمل، لم يغمض لزوجها جفن طوال تلك الليلة منتظراً أن تشرق الشمس، ليذهب بها إلى مستشفى الفرافرة، أحضر سيارة ونقل زوجته إلى المستشفى، وصل مبكراً، حاول أن يبحث عن طبيب نساء لكنه لم يجد، سوى طبيب ممارس فى الاستقبال.

لم يستطع الطبيب أن يجرى عملية الولادة لـ«هناء» نظراً لعدم وجود غرفة عمليات مجهزة، بالإضافة إلى عدم وجود طبيب تخدير، والأهم عدم وجود طبيب نساء وتوليد متخصص، وما كان منه إلا أن حول تلك الحالة إلى مستشفى الداخلة المركزى الذى يبعد عن الفرافرة مسافة تصل إلى 300 كيلومتر تقريباً.

هرول الزوج مسرعاً لنقل زوجته إلى المستشفى، استقل السيارة هو واثنان من أقاربه وزوجته، الوقت يمر طويلاً، وصرخات «هناء» لا تنقطع، 4 ساعات كاملة سيقطعها قائد السيارة فى طريق «الفرافرة - الداخلة» للوصول إلى أقرب مستشفى، ولكن لم يمهل القدر «هناء» لتضع مولودها، وفارقت الحياة هى وجنينها وزوجها بعد أن راحوا ضحية حادث مأساوى أدى إلى انقلاب السيارة عند منطقة غرب الموهوب، وأصيب الآخران إصابات بالغة.

«هشام»: «اللى مش هيموت فى المستشفى هيموت فى الطريق»

تلك الرواية، قصها هشام جلاب، أحد أبناء واحة الفرافرة، الذى أكد أن الحياة فى الصحراء أصبحت حياة بطعم الموت، لعدم وجود أى إمكانيات تساعد المواطنين على الاستمرار وتحمل تلك الحياة القاسية. ويواصل «هشام» حديثه قائلاً: «طبعاً إحنا مؤمنين بقضاء الله وقدره، ولكل أجل كتاب، لكن حرام الموت بدم بارد كده، لو مستشفى الفرافرة مجهزة بالأطقم الطبية وفيها الإمكانيات، كانت الست اللى ماتت ممكن تعيش».

فى مدخل مدينة الفرافرة، أنشأت الدولة مستشفى الفرافرة المركزى، مبنى مكون من طابقين، فى الطابق الأرضى توجد العيادات الخارجية، ومكتب التمريض، ووحدة الغسيل الكلوى وبعض المكاتب الإدارية، وفى الطابق الثانى غرفة عمليات بسيطة، وحضانة أطفال، وعدد آخر من الغرف الخاصة بحجز المرضى، بالإضافة إلى قسم العلاج الاقتصادى.

بملابس متواضعة جلس رمضان محمود، أمام عيادة الباطنة، شاب ثلاثينى من سكان الفرافرة، ينتظر أن يأتى الدور عليه للكشف على ساقه المكسورة قبل نحو 4 أسابيع وهو يعمل فى حقله، يقول «رمضان»: «من نحو شهر كده كنت فى الغيط، وأنا بعدى المصرف وقعت على رجلى، جيت على المستشفى هنا، قلت أنا عايز دكتور عظام، ملقتش غير دكتور باطنة بس، هو الدكتور اللى جوه ده، وفى العيادة التانية لقيت دكتور أسنان، فالممرض فى الاستقبال برة قالى تعالى هنجبس لك رجلك، دكتور الباطنة هيكشف عليك وهيعملك اللازم، دخلت عنده بص على رجلى وقالى روح اعملى إشاعة، عملتها ورجعت تانى، قالى هجبسلك رجلك وتقعد أسبوعين فى الجبس وبعد كده ابقى تعالى نشيله». بصوت منخفض وأمام إحدى غرف الحجز فى الطابق الثانى بمستشفى الفرافرة نادت حنان إبراهيم على زوجها قائلة: «أدهم معاك فلوس، أصل الدكتور عايز نشترى الحقن دى من برة لأنها مش موجودة فى الصيدلية». لم ينتظر الزوج لحظات وأخذ الورقة المدون عليها اسم الحقنة وهرول مسرعاً خارج المستشفى لشرائها، عاد «أدهم» والعرق بتصبب من جبينه، وأعطى زوجته الحقنة وجلس يستريح.

يتحدث «أدهم» قائلاً: «زوجتى كانت حامل، وتعبت قوى فجيت هنا المستشفى علشان تولد، ملقتش ولا دكتور فى المستشفى، فضلت مستنى من الساعة 11 بالليل لغاية الصبح ولما جه الدكتور قالى هنحول مراتك لمستشفى الداخلة تولد هناك، لأنها هتولد قيصرى ومفيش إمكانيات هنا».

لم يستوعب الرجل ما قاله الطبيب، خصوصاً أن لدية ثلاثة أبناء تم ولادتهم بشكل طبيعى دون جراحة، لكنه فى النهاية استجاب لما قاله وقام بنقل زوجته إلى مستشفى الداخلة الذى يبعد عن واحة الفرافرة نحو 300 كيلومتر، وصل الرجل وأدخل زوجته المستشفى ووضعت بشكل طبيعى ثم عاد بها فى اليوم الثانى إلى الفرافرة، لكنها شعرت بتعب شديد إثر المسافة الطويلة التى قطعتها ذهاباً وعودة، فجاء بها إلى المستشفى، فقرر الطبيب حجزها هى والطفل بسبب وجود «صفرا» لدى الطفل و«حمى» عند الأم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل