المحتوى الرئيسى

«ليلة من ألف ليلة».. بهجة المسرح القومى

08/17 22:49

أمسية جميلة أمضيتها مع الأصدقاء فى مشاهدة أوبريت «ليلة من ألف ليلة وليلة» على المسرح القومى؛ بطولة يحيى الفخرانى وإخراج محسن حلمى. حكاية نظمها بيرم التونسى، ولحنها أحمد صدقى فى العصر الذهبى لفن الأوبريت، أيام كانت هناك أصوات تؤدى كل ليلة أمام الجمهور، تحاول أن تقدم المسرح الغنائى لجمهور يعشق الغناء والمسرح.

سعدت كثيرا لأن يحيى الفخرانى استعاد مع هذه المسرحية زمنا رائقا، وبهجة أساسها بساطة الحكى، وربما سذاجته، القادمة رأسا من فن الحدوتة، فالشخصيات إما خيرة أو شريرة، أبيض أو أسود، باستثناء شخصية الشحات «شحاتة»، التى لعبها الفخرانى ببراعة، ظرفا وحضورا، إلقاء وغناء، فهى شخصية ثرية ومركبة: ليس لديها مانع فى أن تنصب أو تقتل، ولكن فى ماضى الشخصية مأساة هى اختطاف زوجته، وفى حاضرها حلم وحيد هو رعاية ابنته الجميلة نجف (هبة مجدى).

فى الشخصية فهلوة المصراوية، ومكر ودهاء الشطار الذين يسرقون الكحل من العين، ولا شىء ينقذها أو يحميها، سوى هذا المكر، وخصوصا أنه سيلعب مع الوزير (وليد فواز)، ومع الخليفة الشاب (محمد محسن)، واللعب مع السلطة دوما غير مأمون العواقب، ولكن الغلابة ينتصرون بالذكاء فى حكايات ألف ليلة وليلة، والحب يزيل الحواجز الطبقية، فتتزوج نجف من الخليفة الشاب، وينتصر الخير انتصارا كاملا، وينتقم شحاتة من الوزير، ومن خاطف زوجته بضربة واحدة، كل شىء ببساطة ووضوح الأبيض والأسود.

أجمل ما فى العرض تلك الأغنيات التى أعاد يحيى الموجى توزيعها، وقدمها محمد محسن وهبة مجدى باقتدار وحساسية، هبة أيضا لها حضور ممتاز كممثلة، الفخرانى تألق تماما فى دوره، وانتزع الضحكات أكثر من مرة، ما زلت أذكر له أنه أعاد الجمهور للمسرح القومى منذ سنوات طويلة، عندما تحمس لبطولة مسرحية «البلهلوان»، التى كتبها الراحل يوسف إدريس، وكانت عملا سياسيا صادما، عرض فى حياة إدريس، ثقافة الفنان تتيح له أن يجيد الاختيار، وتمنحه عمرا إضافيا، وتجعل لكل مرحلة تميزها وبصمتها، ينطبق ذلك على الكثيرين، منهم مثلا الراحل نور الشريف، الذى أهداه الفخرانى أول ليلة عرض لمسرحية «ليلة من ألف ليلة» بعد عودتها إثر وفاة نور، رائع حقا هذا الجيل المثقف والموهوب.

عناصر أخرى كثيرة مميزة: إخراج محسن حلمى، وقدرته على تجسيد الخيال على المسرح، وسلاسة توظيف الأغانى والرقصات، ونجاحه فى نقل موسيقى الحوار المسجوع الذى كتبه بيرم التونسى، لقد سبق بيرم طاهر أبو فاشا فى تقديم حوار مسجوع جميل؛ لأنه الأنسب لعالم الليالى، هناك كذلك الديكور والملابس والإضاءة التى تكاملت لكى تنقلنا إلى بغداد ألف ليلة وليلة، حيث رفاهية القصور، وكرنفال الأسواق، وبساطة حياة الغلابة.

لا أتذكر أننى قرأت فى «ألف ليلة وليلة» حكاية تطابق ما شاهدت فى الأوبريت، ولعلى قرأت ثم نسيت، ولكن من المؤكد أن بيرم استلهم أبرز ما يميز الليالى: بساطة الحدوتة، حياة الأثرياء، معاناة الفقراء، ذكاء الغلابة فى مواجهة قسوة السلطة، حب الحياة، والتحايل على الفوز بالملذات، الفقراء طيبون، المؤامرات لا تتوقف فى دهاليز السلطة، والحب هو الوحيد الذى يمكنه أن يجعل من الحياة جنة، وهو الوحيد الذى يمكنه أن يجعل الخليفة وابنة الشحاذ فى بيت واحد، الشر قبيح ومسيطر وله ضحايا، ولكن الخير ينتصر فى النهاية، وباب التوبة مفتوح لمن أراد.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل