المحتوى الرئيسى

وزير العدل الأردنى الأسبق حمزة حداد يتحدث لـ«المصري اليوم»عن الطبرى وابن هشام والبخارى وابن تيمية: كتب تراثية كثيرة ضد الإسلام.. وكاتبها لا يمكن أن يكون مسلماً | المصري اليوم

08/17 22:15

أهدانى صديقٌ منذ فترة نسخة من كتاب يحمل اسم الدكتور حمزة أحمد حداد، بعنوان «مُغلق حتى إشعار آخر- مرتع التُّراث الدينى»، وحين تصفَّحته أدهشتنى جرأة المؤلف وشجاعته فى تفنيد اختلاقات التراثيين أو من دسُّوا على كتب التراث ما لا يُحصى من التُّرَّهات. المؤلف متخصص فى الشريعة الإسلامية، وحاصل على دكتوراه من كلية الحقوق - جامعة القاهرة عام 1976، وعلى أخرى فى القانون من جامعة «بريستول» بإنجلترا عام 1985، وتولى منصب وزير العدل فى الأردن سنة 1999، ولديه فهم واسع وعميق للفقه والتفسير وعلوم الحديث وكتب التراث، وكتابه مطبوع فى الأردن (قال لى من قرأوه إنه يَصْعُب طبعه فى مصر)، وهو يفتح باب المناقشة واسعاً حول أفكار ابن إسحاق والطبرى وابن هشام وابن تيمية.. وغيرهم.

بعد القراءة طلبت محاورة المؤلف، وسعيت عندما كنت فى الأردن منذ فترة لمحاورته، لكن الفرصة ضاعت؛ لأنه كان فى بيروت، ثم تصادف أن مرَّ بالقاهرة مؤخراً لشأن تحكيمى ليوم واحد، فكان هذا الحوار مع «المصرى اليوم».

أكد «حداد» أن «من الأسباب الرئيسة لبلاء المسلمين بعض الكتابات التراثية التى يبرأ منها الله ورسوله بينما يتم ترويجها و(تقديسها) بين جمهور واسع، خدمة لمصالح بعض السلاطين وأتباعهم من أصحاب اللحى ممن يُسمَّون «مشايخ الدين»، وإلى نص الحوار.

المصري اليوم تحاور «وزير العدل الأردنى الأسبق حمزة حداد»

■ حدثنا أولاً عن كتابك «مُغلق حتى إشعار آخر- مرتع التُّراث الدينى»، وكيف تم نشره؟

- فى بداية تدريسى فى كلية الحقوق فى الجامعة الأردنية كنا نُدرِّس مادة على الأقل حول الشريعة الإسلامية، تتعلَّق بالفقه الإسلامى، وفى تلك الفترة، أى نحو عام ١٩٧٦، صدر القانون المدنى الأردنى، وأوكلت إلىَّ مهمة تدريسه، وقيل عنه آنذاك إنه مستمد من الشريعة الإسلامية، وتمَّ التطبيل والتزمير له على هذا الأساس، فنشرت مقالاً علمياً/ صحفياً فى ذلك الوقت خلصت فيه إلى أن القانون لا علاقة له بالشريعة من قريب أو من بعيد، وإنما هو مجرَّد كلام للاستهلاك المحلى، ومنذ ذلك الوقت وأنا أفكِّر جدياً فى كتاب حول علاقة الشريعة والفقه الإسلامى عموماً بالقوانين الوضعية، إلى أن سنحت الفرصة لكتابة الكتاب المشار إليه، وبالرغم من بعض الصعوبات البسيطة تم نشر الطبعة الأولى منه عن طريق دار نشر أردنية، وقد نفدت، وأنا الآن بصدد الطبعة الثانية بعد إجراء التعديل اللازم.. أنا شخصياً لا أتاجر بالدين، حيث قمت بتوزيع الطبعة مجاناً.

■ كيف كان رد الفعل؟

- ردَّة الفعل كانت مختلفة بين موافق عليها ورافض لها، ولكن قبول فكرة الكتاب كان مثيراً ولافتاً، خاصة بعد تزويد كثير من رجال الدين ممن ينتمون للتيار الإسلامى من الإخوان المسلمين بنسخة عن الكتاب قبل الإعلان عنه رسمياً يوم الافتتاح عبر ندوة علمية. تحدث فى الندوة أربعة من المشهود لهم بالعلم والحيادية، وأعتقد أنه ليس من السهل قبول تداول الكتاب فى بعض الدول العربية، مع أن مضمونه لا يوجد به أى مساس أو تطاول سلبى على الشريعة الإسلامية، فأنا مسلم ومؤمن بيقين وأربأ بنفسى عن ذلك، وعنوان الكتاب هو «مغلق حتى إشعار آخر»، وهو كذلك بالنسبة لأعداء الإسلام من جانب، وللمؤمنين به السُّذج أو الجهلاء من جانب آخر، وأعداء الإسلام يتخذون من أقوال أولئك السُّذج مرتعاً فسيحاً للطعن فى الإسلام والنيل به ومنه.

■ من يرعى الآن فى مرتع التراث الدينى برأيك؟، وما المصالح التى يجنيها؟

- يرعى فى هذا المرتع الخصب كل صاحب مصلحة شخصية بعيداً عن المصلحة العامة، حيثما يرى أن مصلحته هى الأولى بالرعاية، ومن ذلك بعض السياسيين وأصحاب العمائم واللحى ممَّن يمكن تسميتهم أو يُسمُّون أنفسهم «رجال الدين»، والتجَّار بالمعنى الواسع بما يشمل من حرفيين وصناعيين يشكِّلون جمهوراً لتلك المنتجات من ناحية، أو منتجين لأنواع منها للمتاجرة من جهة أخرى، ولكن لا يدخل المرتع الدينى للخوض واللهو فيه على كبير إلا رجال الدين، بعد حصولهم على الشهادة العلمية التى تؤهلهم لذلك من وجهة نظرهم، ومن ثم لبس الزى المناسب لتمييزهم عن خلق الله الآخرين، مثل تركيب عمامة لهم بمواصفات معينة، وتربية لحية (ذقن) بمقاسات مختلفة، وهم مَنْ وصفتُهم فى كتابى بـ«تجَّار الدين». وبعد هذه الشروط، وبهذه التكلفة البسيطة، يبدأ الوعظ والإرشاد بالمزاد العلنى والإفتاء فى كل شىء بلا استثناء، أما المصالح التى يجنونها من تجارة الدين فهناك مصلحتان دنيويَّتان على الأقل: المصلحة المادية/ المالية التى يتقاضونها مُقابل فتاواهم، والمصلحة المعنوية بظهورهم فى وسائل الإعلام المختلفة من راديو وتليفزيون وإنترنت باعتبارهم رموز العلم والفضيلة.

■ الشيخ يوسف القرضاوى مُختلَفٌ عليه بعنف.. فأين تضعه؟

- ليس من نهجى الشخصنة، لكن أؤكد بكل يقين أن من بين المتورطين فى التجارة بالدين وبأسوأ الأشكال أسماء لامعة جداً، وكبيرة شكلاً على الساحة العربية كلها.

■ المطالب لا آخر لها بتحديث الخطاب الدينى أو تطويره أو تغييره أو تثويره.. ما مطلبك أنت؟

- أنا لم أُطالب ولا أُطالب بنسف كتابات التراث القديمة فى هذه المرحلة الزمنية، وإنما أُطالب- كما ذكرت فى خاتمة كتابى- أنه «..من واجب رجال الدين المُخلصين وضع خطة خمسية مثلاً (خمس سنوات) يتم خلالها مراجعة وتدقيق تلك الكتابات بعناية فائقة وتقويمها بكل تجرُّد وموضوعية بعيداً عن العواطف والمصالح الشخصية، وبالتالى فصل الغث من السمين فيها، ومن ثَمَّ اتخاذ القرار أو القرارات المناسبة بشأنها بصورة علنية بعد عقد المؤتمرات واللقاءات العلمية وورش العمل اللازمة، ومن ذلك إعلان البراءة من تلك الكتابات الغثَّة، واعتبارها مخالفة للنظام العام لا يجوز تداولها».

■ هل الأمر بتلك السهولة؟

- هو طلبٌ يدلُّ ظاهره على أنه بسيط، ولكن فيه - كما ذكرت فى خاتمة الكتاب - صعوبة أو استحالة ذلك أمام مُختلف المصالح الشخصية للكثير من ولاة الأمر، ممَّن يمكن تسميتهم بـ«السلاطين»، وأتباعهم الكثيرين من أصحاب العمائم واللحى ممَّن يُسمَّون «مشايخ الدين».

■ وما واجب الأزهر هنا برأيك؟

- هذا هو أخطر دور، ويجب أن يقوم به، الأزهر دار علم وعلماء، ومن المؤلم أن ينشغل فى أمور قليلة الأهمية، وأنا مثلاً ممن لا يرون لزوماً لكليات الشريعة؛ فما يتم تدريسه بها يمكن تحصيله فى البيوت، لكن على الأزهر أخذ زمام المبادرة فى مراجعة وتوثيق وتدقيق وتنقية التراث بشجاعة؛ فما فيه من ادعاءات وانحطاط وكذب وافتراء على الله ورسوله (خذ ما قاله التراثيون عن واقعة المعراج كمثال) وتلاعب بالعقول - عيبٌ وأىُّ عيبٍ، ويجب ألا يستمر.

■ جرى ويجرى على الألسنة منذ سنوات مفهوم: الإسلام المصرى/ الإسلام الإيرانى/ السعودى/ المغربى/ التركى.. كيف تقرأ هذا الاقتران بالجغرافيا؟

- فتش عن مصالح الساسة وتجار الدين، لكن دين الله واحد: هو الإسلام. لا شك أن الإسلام الذى يقوم على الإيمان هو إسلام واحد ولا تعددية فيه، بل إنَّ كل الأديان السماوية هى دين واحد، هو دين الإسلام بالمعنى الواسع، بما يشمل المعنى الضيَّق للديانات السماوية الثلاث: اليهودية (الموسوية نسبة إلى النبى موسى) والمسيحية (العيسوية نسبة إلى النبى عيسى) والمحمدية (نسبة إلى النبى محمد)؛ فكل الرسل والأنبياء السابقين على النبى محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين كانوا مسلمين، وهو ما أكده القرآن الكريم فى أكثر من آية قرآنية، كما ذكرت فى كتابى (مثلاً البقرة: ١٣٢، ١٣٣، ١٣٦- آل عمران: ٨٤ و٨٥)، والتفضيل بينهم هو من السماء وفى السماء، وليس فى الأرض ومن أبناء الأرض، وهو ما أكده القرآن الكريم أيضاً فى أكثر من آية (مثلاً البقرة: ٢٨٣- آل عمران:٨٤)، وتماشياً مع القرآن وتطبيقاً له فأنا لا أُفرِّق بين رسل الله، وهو ما يطلبه منِّى القرآن صراحةً وبوضوح.

■ ورأيك فيمن يقول إن عقائد أهل الأديان من غير المسلمين فاسدة؟

- لا ردَّ بعد قول الله تعالى: «لكم دينكم ولى دين». المسلم مؤمن طبقاً لعقيدته، والمسيحى مؤمن طبقاً لعقيدته، واليهودى (الصهيونية أمر آخر بالمناسبة) مؤمن حسب عقيدته، والله وحده الذى يحكم يوم الساعة على عقائد الناس.

■ وهناك من أفتى بأنه لن يدخل الجنة إلا المسلم؟

- دخول الجنة أيضاً لا يعمله إلا الله، والقاعدة معلنة فى كتابه الكريم: «فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره»، وأنا أعوذ بالله من أن أكون بين من يقولون: «هذا سيدخل الجنة وذاك لا».

■ مع الانتشار الكثيف لفيديوهات الدعاة الجدد بأطيافهم، هل أصبح الإيمان صعباً بحيث يحتاج إلى كل هؤلاء الوعاظ والشراح والوسطاء؟

- الإيمان بسيط بقدر ما هو عميق، لكن تم تصعيبه قصداً، وربما أصبح من شبه المستحيل الوصول إليه، ليس بسبب ذاتية الإيمان، وإنما بسبب بعض أولئك الوُعَّاظ وفتاواهم، فهم يُفتون فى كل شىء فى الحياة الدنيا والآخرة، ولا يريدون للمؤمن أن يستفتى قلبه أو يستخدم عقله أبداً لينوبوا هم عنه طوال الوقت «وكله مكسب».

■ أين هى العقول غير المُغلقة فى عالمنا العربى والإسلامى؟

- إننى غير متفائل من هذه الناحية على المدى القريب وحتى على المدى البعيد!!. لا أمل قريب فى خطاب يوقظ العقول من سُباتها والضمائر من رَقْدتها والقلوب من غيبوبتها؛ فأعداء الإسلام الذين يُروِّجون لسُبات عقول أهله هم من الكثرة والقدرة التى تفوق حدَّ إعمال عقولنا، فكما قال شوقى بحق قبل عشرات السنين مُخاطباً النبى محمد: «شعوبك فى شرق البلاد وغربها.. كأصحاب كهفٍ فى عميق سُبات».

■ بماذا تنصح لتعامل فعَّال مع بعض ما ورد فى كتب تراثيين كبار مثل الطبرى وابن هشام والبخارى وابن تيمية، علماً بأن المقاومة ضد تدقيق وعقلنة هذا التراث – كما تعلم – ضارية؟

- كما ذكرت سابقاً فإن تلك الكتب التراثية بحاجة لدراسة معمَّقة، وكاتبُ الكثير منها لا يمكن - عقلاً - تصوُّر أن يكون مسلماً مؤمناً، أو القول عنه إنه ينتمى للبيئة الإسلامية، فهى كتابات ضد الإسلام بامتياز، وواضعوها هم من أعداء الإسلام، بل هم العدو الأوَّل للإسلام وللمؤمنين به، أحسنوا أسلوب صناعتها وطرحها وترويجها فى الأسواق، بحيث أصبحنا نطالب بإلحاح بعودتها لمناهج تعليمنا التربوى، بل الإصرار على تطبيقها فى معيشتنا اليومية، بما يسىء للإسلام قولاً وعملاً، وما لم نفهم الأمور على هذا النحو لن نحرز تقدماً.

■ ما الذى توقفت عنده بالتحديد فى كتاباتهم؟

- ذكرت أمثلة كثيرة فى كتابى «مُغلق حتى إشعار آخر»، والذى اعتمدت فيه أساساً على كتابين: الأول كتاب الطبرى فى تأويل القرآن المُدَّعى بأنه كان مفقوداً منذ وجوده قبل مئات السنين، وأنهم وجدوه عند شخص قيل إنه أمير حائل، وهو الأمير حمود بن عبدالرشيد. والثانى كتاب ابن إسحاق فى السيرة النبوية، وهو الكتاب المفقود تاريخياً، ولا وجود له من اليوم الأول للادعاء بوجوده، وتمت إعادة كتابته حسب ذلك الادعاء بالنقل الشفاهى من هذا الشخص أو ذاك (وعلى التحديد من شخص اسمه البكّائِى)، بعد ما يزيد على ١٥٠ عاماً من وفاة النبى، وتم ذلك فى بيئة من تم وصفهم فى القرآن بالكذب، وسوء العمل، والخوف، والفسق، وأنهم يخادعون الله والرسول، ومُذبذبون، ويُراؤون الناس، ويسخرون من النبى ودينه، ويأمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف، ونسوا الله فأنساهم أنفسهم كما جاء فى القرآن.. فلِمَ نجرى وراء هؤلاء؟

■ هناك من يتحدث عن شيوع الإلحاد بين الشباب العرب يأساً فيما يبدو من الأحوال.. ما قراءتك للأمر؟

- كثرت فى الآونة الأخيرة موجة الإلحاد بين رجال ونساء، وخاصة من «بنى يعرب»، بدءاً من شبه الجزيرة العربية، وهو ما يُسمَّى الآن «السعودية»، وهى الموطن الأول للإسلام، وحتى المغرب العربى على شواطئ الأطلسى. وأعتقد أن من أسباب ذلك موجة كتابات التُّراث التقليدية المليئة بما هو غثُّ وسمين، بالإضافة لمحطات تليفزيون متخصصة فى محاربة الدين الإسلامى، وتستند فى ذلك - بالأساس - لتلك الكتابات التى هى بدون شك خير معين لها فى برامجها الإلحادية؛ لذلك دعوت من يُسمَّون «رجال الدين» لمراجعة تلك الكتب وإتلافها إذا لزم الأمر، مادامت فى حقيقتها ضد الإسلام وإن كان ظاهرها يدلُّ على غير ذلك.

■ بم تفكر حين ترى المنتقبات فى شوارع القاهرة والمدن العربية الكبرى والعواصم العالمية؟

- شاع بالفعل مشاهدة الكثير من النساء المُنتقبات، خاصة فى ما يُسمَّى «الدول الإسلامية»، وكل من يشاهد سيدة منتقبة يعرف فوراً أنها مُسلمة، وذكرت ذلك فى كتابى، حيث قلت إن الشجر والحجر الجالسة بجانبه المُنتقبة يكاد يصيح: «يا.... ورائى مسلمة/ مؤمنة تعالَ فاقتلها»، وكل منهما (الشجر والحجر) يعرف ذلك من لباسها الخارجى المميَّز عن لباس سائر البشر. وتغصُّ كتابات التراث، عبر التاريخ الطويل وحتى اليوم، بالحديث عن حجاب المرأة أو ثيابها الذى أصبح الشغل الشاغل لرجال الدين، وكأنه لا ينقص الأمة بعد كل تلك المصائب التى حلت بها وتحل سوى لباس المرأة، وليتهم يتحدثون بمعشار حديث اللباس عن سبب مصائبهم/ نا، ومحاولة علاجها بالنسبة لقتل وتقتيل وتشريد ونهب وتنكيل واغتصاب وحرق وتدمير عشرات الملايين من أبناء دينهم، وغير ذلك من أعمال يقوم بها بنو البشر بالنيابة عن أستاذهم وتاج رأسهم: الشيطان.

■ وهناك من تحدث عن إباحة السفور للمرأة الجارية وتحريمه للحرة؟

- فعلاً من المهم التذكير بادِّعاءات كتابات التراث وزعمها بالتفرقة بين المرأة الحرة والجارية جرياً- كما يزعمون- وراء نهج عمر بن الخطاب؛ فالحجاب عندهم مفروض على المرأة الحرة، أما الجارية المخصصة للبيع فيجب عليها أن تكون سافرة بأن تكشف جميع بدنها، بما فى ذلك كشف شعرها وثدييها حتى السُّرَّة، وساقيها حتى الرُّكْبة، وكان عمر بن الخطاب لا يدع جارية تتحجَّب فى خلافته، ويطوف بالأسواق برفقة درَّته الشهيرة بحثاً عن الجوارى ويطلب منهنَّ بالقوَّة التعرِّى أمام الناس على النحو المذكور. ومن الطريف، بل من المُضحك المُبكى، أن بعض شاشات التليفزيون طالعتنا فى وقت قريب بأن إحدى سيدات المجتمع عرضت نفسها للبيع باعتبارها جارية، وبترتيب مُسبق معها تقدَّم شخص واشتراها على هذا الأساس.

■ ما تقييمك لأعمال لجان حوار الأديان العالمية؟

- كثر الحديث منذ أربعين سنة عما يُسمَّى «حوار الأديان»، ويُقصد بذلك بشكلٍ خاص الحوار المسيحى- الإسلامى، وعُقِد العديد من المؤتمرات والندوات بشأنه، ويتم ذلك تحت رعاية رئيس الدولة المُضيفة أو أحد المقربين منه أو له، فينشغل الإعلام بوسائله المختلفة بالراعى وبما قاله أكثر من انشغاله بهذا التجمُّع العلمى وبما قاله العلماء فيه من مشايخ المسلمين والمسيحيين. وأثناء ذلك تكثر الدعوات الرسمية، وتناول وجبات الطعام الشهى مع المشروب المُفترض أنه خالٍ من الكحول مع عبارة «فى صحتك»، وهذه التجمُّعات تنفضُّ فى كل مرَّة تُعقد فيها دون تحقيق أى نتيجة عملية، فلا المسلم يُمكنه أن يفهم الثالوث المقدَّس فى المسيحيَّة (الله، الابن، الروح القدس)، ولا المسيحى يمكنه أن يقبل بوحدانية الله بالمفهوم الإسلامى، وكل منهما له طقوسه التى ينفرد بها منذ اليوم الأول لخلقه، والتى تتناقض مع طقوس الثانى، فكيف بالمسلم أن يحضر أو يُشارك بمؤتمرٍ يقول المسيحى فيه إن المسيح هو الله أو ابن الله، ولا يقبل بل لا يتخيَّل غير ذلك، فى حين يقول قرآنه إن الله هو الأحد ولم يكن له كفواً أحد، ولا يتخيَّل غير ذلك.

■ وما العمل لتحقيق التقارب الإنسانى بين كل البشر بصرف النظر عن عقائدهم؟

- أن نضع مبادئ وأسساً دنيوية للتعايش بيننا بعيداً عن معتقدات كل طرف، فالحكم عليها لله وحده كما أسلفنا، وخير من حوار الأديان السابق واقعياً الحوار الذى يُسلِّم به مُسبقاً كل منهما للآخر بحرية دينه، أو كما يقول القرآن: «لكم دينكم ولى دين». وأنا لا أنسى أيام طفولتى عندما كان أحد جيراننا الملاصقين من المسيحيين (أبو ميشيل)، وكانت والدتى ترسل مع كل وجبة غذاء للعائلة المسيحية طبقاً من غذائنا، والعكس صحيح، وبعد ذلك يتم الحوار النسائى بينهما حول أى طبخة أفضل من الأخرى. هذا ما تعلَّمَتُه من الدين الإسلامى، وذاك ما تعلَّمَتْه جارتى المسيحية من الدين المسيحى: التوادد والمرحمة، وبعد ذلك يحق لنا أن نتساءل: أيهما أفضل للحوار المسيحى- المسلم: حوار الأديان (الطُّرشان) النظرى بين من يقولون عن أنفسهم إنهم من حملة الدكتوراه، أم حوار طعام الغذاء العملى من مثل اللواتى يوصفن بأنهن أُمِّيَّات لا يعرفن حتى معنى كلمة مدرسة (والدتى المُسلمة وجارتى المسيحية).

■ ماذا عن تطوير آليات تخريج «رجال الدين»؟

- أنا شخصياً لا أؤمن بوجود من يُسمُّون أنفسهم أو يُسمِّيهم بعض الناس «علماء المسلمين» بالمعنى الفكرى لهذا المصطلح، ممَّن أطلقوا على المكان العلمى الذى يجمعهم اسم «كليَّات الشريعة» أو الدين أو ما شابه ذلك. فالإسلام يقوم ببساطة على الإيمان المطلق بالله، بأسمائه الحسنى (وليس بصفاته؛ لأنه لا صفات لله كما أوضحت فى كتابى)، وبالنبى محمد وبالكتاب المُنزل عليه من السماء (القرآن) ليقوم بتبليغه لمن حوله من العُرْبان الذين يصل إليهم، وبعد ذلك يتولَّون هم مهمة تبليغ هذه الرسالة الإلهية كما ورد فى القرآن بالوسائل المتاحة لديهم. أما مصطلح «عُلماء المسلمين» ففى رأيى أنه بدعة كما يقولون هم أنفسهم، خاصة فى خُطب الجمعة بالنسبة لكثير من الأمور، مثل تكرار العظة بالنسبة للنساء الكاسيات العاريات، مما لا شأن لنا به فى هذا اللقاء الصحفى. وما ينطبق على المشيخة الإسلامية ينطبق على رجال الأديان الأخرى.

■ وهل من كلمة إلى من يقترفون كل هذا القتل باسم الدين؟

نرشح لك

Comments

عاجل