المحتوى الرئيسى

قطع الأوصال.. خطة إيران لبناء «الإمبراطورية الفارسية»

08/17 21:22

منذ اندلاع الثورة «الخمينية»، أو ما يعرف اصطلاحا بـ«الإسلامية»، فى عام ١٩٧٩، وإيران لم تتوقف عن محاولات تصديرها إلى دول الجوار، خاصة تلك التى يضم شعبها أكثرية أو أقلية شيعية، وهو ما ازداد بشكل واضح، خلال السنوات الخمس الأخيرة. وفى إطار صراع النفوذ الإيرانى وهواجس إحياء «الإمبراطورية الفارسية»، عززت «طهران» الميليشيات التى تسلّحها وتموّلها، ونجحت عبر أذرع «الحرس الثورى» فى تحويل ٤ دول عربية إلى ساحات للدمار، كما تمكنت من زرع ألغامها فى العمق الإفريقى بهدف عزله عن محيطه العربى. وتبرز رؤية مهمة تقول إن رصيد ٤٠ عاما من حكم «الملالى» فى إيران أوشك على النفاد، فى ظل انشغال النظام الحاكم بمغامراته التوسعية المتواصلة تلك، والتى تجاوز حد الإنفاق عليها الـ٣٠ بليون دولار، مقابل عجزه عن تحسين الأوضاع المعيشية للشعب، فضلا عن ارتفاع نسب البطالة، وانتشار تجارة الأعضاء وأكواخ الصفيح. وللوقوف على حقيقة ذلك، نحاول- عبر حلقات متتالية- استشراق مستقبل نظام «الولى الفقيه» فى إيران، من خلال قراءةٍ فى استراتيجيته داخليا وخارجيا، خاصة أن الهدوء الساخط من الاستبداد والفساد الذى انتشر فى عهد «الشاه» وحاشيته يوجه الآن ضد «الملالى» وبطانته، والشعب بات قاب قوسين أو أدنى من «الثورة»، فى ظل تزايد التيارات المعارضة والحركات الانفصالية.

إثارة الفتن فى الخليج وتوسيع النفوذ وصناعة الميليشيات بدعوى «نصرة المستضعفين»

أحجار متناثرة على رقعة شطرنج تلهو بها أيادٍ خفية، هكذا ينظر الجالسون على عرش إبليس بإزار طائفى يتطلعون عبر صفحة الخليج، الذى ينعتونه زورًا بالفارسى إلى الشاطئ الآخر، حيث تشتعل كرات اللهب بالجسد العربى، وبينما يحتسون كئوس الوهم ببناء أنقاض إمبراطوريتهم البائدة، تصدع أبواق الضلال الخمينية بهلال البهتان الشيعى.

نسق الخطوط المتوازية والمتقاطعة فى ذات الوقت السمة المميزة لمعادلة السياسة الخارجية الإيرانية، فقد عمدت طهران إلى توسيع نفوذها عبر رسم مسارين، الأول طريق القوة الناعمة، والثانى العمل العسكرى، والإنفاق على الميليشيات المسلحة الموالية لإيران فى دول عربية عدة.

ملهم الثورة الإيرانية حاول استغلال البريق الأيديولوجى لها فى سنواتها الأولى، فتبنى شريعة «التثوير»، فبعد أن تمكن «روح الله الخمينى» من فرضها على الشعب الفارسى بسهولة، عمل على تصدير ثورته إلى دول العالم عبر دعم حركات التمرد والمعارضة، فطالب منذ البداية بتكرار الثورة فى البلدان الإسلامية الأخرى كخطوة أولى نحو التوحد مع إيران فى دولة واحدة، يكون مركزها طهران فى المواجهة مع من سماهم بأعداء الإسلام فى الشرق والغرب. فالجمهورية الإسلامية الإيرانية وفقًا لنظرية الخمينى لن تأمن مؤامرات الدول الكبرى إلا إذا حدثت ثورات مماثلة فى العالم الإسلامى.

وتحت مزاعم الدعم اللا محدود للمستضعفين بالمواد الثالثة والحادية عشرة والـ١٥٤ أعطى الدستور الإيرانى الحرس الثورى والجيش صك النضال من أجل توسيع «حكم الله» فى أرجاء العالم كافة، من خلال تصدير الإرهاب وإثارة الفتن والحروب بالاستناد إلى نظرية ولاية الفقيه، التى رسخت المنظور العقائدى للجيش والحرس الثورى.

فمهام الحرس الثورى لا تنحصر فى حماية حدود دولته، بل تتجاوزها إلى بسط رسالتها السماوية وحاكمية القانون الإلهى على العالم. ولا تنفصل رؤية الذراع العسكرية للمرشد، وأداته فى تنفيذ السياسة الخارجية عن نظرته لذاته، فقد كان لدى الرجل تهويمات ذهنية بأنه روح الله والولى المعيّن من الله لتجديد الإسلام وإحياء الشريعة والنائب عن الإمام الغائب، الذى يجب أن ينضوى تحت مظلته جميع مسلمى العالم.

وانطلاقًا من تلك الفريضة عملت دولة آية الله العظمى، زهاء ٤٠ عامًا على زعزعة استقرار دول الجوار بذريعة واجبها المقدس فى نصرة الشعوب المظلومة وتحطيم عروش الطواغيت أو تحرير الأراضى المحتلة من إسرائيل، وأشعلوا معارك دموية خارج الحدود الإيرانية، فى العراق ولبنان وسوريا واليمن والبوسنة والهرسك.

تخدير الشيعة العرب لتنفيذ «مشروع الخمينى»

القوة الناعمة والتسلل الهادئ كانا الشراع الثانى، الذى عبرت به دولة الملالى طريقها إلى المحيط العربى، فقد مارست الحكومات الإيرانية المتعاقبة منطق الخديعة وربما التقية، وقامت بتخدير الشيعة العرب، لتنفيذ مشروعها الفارسى عبر الترويج بأنها حامى الشيعة فى العالم والمدافع الأول عنهم باعتبارهم شعبًا منبوذًا وممنوعًا من الحكم منذ أربعة عشر قرنًا. سياسة الاحتضان التى انتهجتها إيران من خلال منظومة «ولاية الفقيه» الدينية، ترتب عليها وصول «الخُمس» (زكاة مفروضة وفقًا للمذهب الجعفرى على كل ما غنمه الإنسان مقمسة لستة أسهم، سهم لله وسهم لرسوله، وبعد رسول الله يئول سهمها للإمام المعصوم وفى زمن الغيبة لا بدّ من إعطائهما للمرجع لإنفاقهما فى المصارف، التى يعلم برضا الإمام الغائب عنها) من شتى البقاع إلى «قم» لإنفاقها فى مصالح الحكومة الإسلامية، التى جادت بها قريحة الخمينى.

وسعت إيران إلى تصدير أيديولوجياتها الفقهية ذات الصبغة الفارسية عبر عدة محاور، حيث قامت بالترويج لـ«قم» كعاصمة للمذهب الجعفرى بدلًا من النجف، وتوسعت بالحوازات العلمية التى تدرس باللغة العربية بغية استقطاب بعض رجال الدين من الشيعة العرب، وقدمت منحًا دراسية لشباب الشيعة فصلتهم خلالها عن هويتهم العربية وحولتهم إلى خلايا نائمة قابلة للاشتعال فى أى لحظة.

تحويل ٤ دول عربية إلى ساحات قتال بالوكالة

«الملالى» لا تعترف بالفشل، وتجيد القفز فوق الحواجز وسياسة النفس الطويل، فعلى مدار عقوده الأربعة لم يتسن للهلال الشيعى السطوع إلا بعد سقوط بغداد، فكما مثلت الحرب العراقية الإيرانية حائط الصد أمام التمدد الإيرانى على الأرض باستثناء الساحة اللبنانية كان الغزو الأمريكى البطاقة السحرية، التى عبرت بها إلى بلاد الرافدين والمنطقة، مستغلة حالة الهذيان المذهبى التى سادت فى أعقاب ذلك، ونجحت فى قطع أوصال أربع دول عربية وتحويلها إلى ساحات قتالية بالوكالة.

قوس النفوذ الإيرانى أو محور الممانعة، الذى أنشأته طهران فى المنطقة العربية امتد بدءًا من لبنان، الذى تحوّل إلى مجرد مقاطعة إيرانية يهيمن عليها تنظيم «حزب الله، إلى سوريا، مرورًا بالعراق، ووصولًا إلى اليمن وانفتحت الشهية الإيرانية لابتلاع تونس وليبيا والتوغل فى العمق الإفريقى بنيجريا».

نشوة الانتصار لدى أقطاب طهران انعكست بشكل واضح فى تصريحات قاسم سليمانى قائد فيلق القدس الذراع الخارجية للحرس الثورى العام قبل الماضى حين قال: «الدلائل على تصدير الثورة الإسلامية إلى عدد من المناطق باتت واضحة للعيان، فقد وصلت إلى كل من اليمن والبحرين وسوريا والعراق وحتى شمالى إفريقيا»، معتبرًا أن هذا الأمر يعدُّ من أبرز إنجازات الثورة. الحليب الأسود، الذى ألقمته الأفعى النفاثة للشيعة العرب لا يمكن إخراجه من سياق واحد وهو خدمة المشروع السياسى الصفوى، فقد وظفت إيران الانتماءات المذهبية بالمنطقة لخدمة أطماعها. فالهلال الشيعى ليس سوى بدر فارسى، والثورة التى جاءت محمولة على رأس مذهبية ليس هدفها حماية أبناء الطائفة الشيعية والمستضعفين، بل تحقيق طموحاتهم القومية وخدمة المشروع الفارسى. يفسر ذلك التصريحات المتوالية لرءوس نظام الولى الفقيه بدءًا من الخمينى، وصولًا إلى روحانى.

اعترافات قادة طهران عن مخطط السيطرة على سوريا واليمن والعراق ولبنان

التطرف العرقى لدى الخمينى تجلى بوضوح بالصفحة السابعة والعشرين من كتابه «الوصية السياسية الإلهية»: «أنا أزعم بجرأة أن الشعب الإيرانى بجماهيره المليونية فى العصر الراهن، أفضل من أهل الحجاز فى عصر الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، ومن شعب الكوفة والعراق المعاصرين لأمير المؤمنين والحسين بن على (عليهما السلام)». شهادة الكاتب الفرنسى رئيس تحرير صحيفة صحيفة «لوموند» الفرنسية إريك رولو تؤكد النزعة القومية لدى الخمينى، فقد استطاع إقامة صلات شخصية مع صانعى الثورة الإسلامية مكنته من إجراء مقابلة صحفية مع آية الله فور انتصار الثورة فى إيران. ولأن الصحفى يعلم جيدًا أن مرشد الثورة يجيد اللغة العربية فقد كتب أسئلته بها، وهنا رفض الخمينى الإجابة وطلب حضور وزير الإعلام للترجمة مدعيًا عدم الفهم. يقول رولو: «هنا أدركت أن الخمينى ليس زعيمًا إسلاميًا بل قوميًا حتى النهاية».

إحياء «الإمبراطورية الفارسية» للسيطرة على المنطقة عبر عنه على يونسى، مساعد الرئيس الإيرانى حسن روحانى، الذى شغل منصب وزير الاستخبارات سابقًا، فى مارس ٢٠١٥ عندما تحدث عن سيطرة إيران على العراق والعالم العربى، وقال: إن «بغداد أصبحت مركز الإمبراطورية الإيرانية الجديدة»، فى إشارة منه إلى الإمبراطورية الساسانية الفارسية قبل الإسلام.

المشروع التوسعى أقرّ به قادة إيرانيون، منهم وزير الاستخبارات الإيرانى فى حكومة الرئيس السابق مندوب مدينة طهران فى البرلمان الإيرانى، على رضا زاكانى، المقرّب من الولى الفقيه الخامنئى بأن «صنعاء هى رابع عاصمة عربية تُصبح بيد إيران، بعد بيروت ودمشق وبغداد». أهداف التشيع الصفوى، الذى أشار إليه على شريعتى من قبل، مطالبًا بالتفريق بينه وبين التشيع كمذهب دينى، تتجلى فى اعتراف روحانى فى ٧ فبراير ٢٠١٦ أنه استطاع كسب امتيازات فى المفاوضات النووية بالتركيز على الحضور فى سوريا والعراق، حيث قال: «لو لم تكن قواتنا تقاوم فى بغداد وسامراء والفلوجة والرمادى، ولو لم تساعد الحكومة السورية فى دمشق وحلب لم نكن لنحظى بالأمن، حتى نستطيع أن نتفاوض بهذا الشكل الجيد».

إيران الفارسية أولًا، مكون راسخ بالعقيدة الصفوية وحقيقة لا يمكن إنكارها، فالتعصب الإيرانى للعرق الفارسى أقوى بكثير من التدين الشيعى، وحين يتعارض الانتماء المذهبى مع الإثنى، فإن نظام الولى الفقيه ينتصر لبنى جلدته ويغض الطرف عن الدين، وقد برز ذلك من خلال وقوف إيران مع أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان ذات نسبة الـ ٧٥٪ من الشيعة، بسبب مناهضتها للحس القومى الأذرى، الذى يجب ألا ينمو على حساب النفوذ الفارسى الإيرانى فى المنطقة، أيضًا الإعدامات التى طالت الشيعة العرب فى الأحواز، ومعهم أكثر من ١٢٠ ألف مواطن إيرانى من منظمة مجاهدى خلق مع أنهم على نفس مذهب الملالى.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل