المحتوى الرئيسى

ليلة "مرمطة" الشعبى

08/17 19:19

أهلاً بك فى خدمة "مرمطة الشعبى"..

للمتابعة.. اضغط "على واحدة ونص"!

تخيل.. هذا هو الحال الذى وصل إليه صناع الأغنية الشعبية فى السنوات الأخيرة، ففكرة إنتاج أغنية شعبية الآن أصبحت "سبوبة معدومة الضمير"، وذلك بعد أن قفز إلى ساحة الإنتاج مجموعات من المنتجين مجهولى المصدر والهوية، لتتحول الأغنية الشعبية إلى مكونات شبه ثابتة.. كلمات هابطة ومبتذلة يؤديها صوت مُعدل بأجهزة متخصصة مع لحن وتوزيع موسيقى "منحوت" من عشرات الأغنيات دفعة واحدة، ثم يُضرب كل ذلك فى "الخلاط" ضرباً مبرحاً ويتم تصويره بأقل تكاليف وجودة، مزيناً براقصة "مستبيعة" تلهيك عن كل الوجبة الفاسدة السابقة لتُقدَم لنا تحت اسم "أغنية شعبية" ظلماً وعدواناً!

هذه الصدمات الغنائية لم تعد مؤثرة من كثرة تكرارها والنفور منها، ولكن الصدمة الكبرى عندما تشاهد استغلالاً لبراءة الأطفال وتلويثها بكلمات ورقصات "إباحية" صريحة دون مراعاة لأية قيم أو أخلاقيات أو مبادئ، فعلى مستوى العالم يتم تجريم استخدام الأطفال فى أعمال مُخلة، فما بالك بمجتمعنا الذى يُقدَم فيه الأطفال بهذه الصورة المتدنية، والتى ستمتد لمن يشاهدونها من مستوى أعمارهم ثم يقلدونها دون وعى، ليتم ضرب أساس المجتمع من الأجيال القادمة فى مقتل.

 العدوان الواقع على الأغنية الشعبية الآن جاء نتيجة خطأ سابق فى تسويقها.. تسويق مصطلح "شعبية" على أنها لغة الشارع بكل ألوانها، فأصبح كل من يريد تقديم أعمال بها ابتذال يقوم بإلصاقها بـ "الشعبية"، والحقيقة أن "الشعبية" هى التى تصل للشعب كله بمختلف طبقاته وثقافاته، فأعمال "سيد درويش" شعبية و"عبد المطلب" و"العزبى" و"رشدى"، وقدم "عبدالحليم" الشعبى، وأيضاً "أم كلثوم" بجانب القصائد قدمت أغنيات بطعم الشعبى فى موضوعاتها ومصطلحاتها، وغيرهم، دون الهبوط  بمستوى أعمالهم فالأغنية الشعبية تعبر عن مختلف الناس بمشكلاتهم وحياتهم اليومية وأيضاً آلامهم وأوجاعهم، تتحدث بلسانهم ويجدون فيها متنفسهم، حتى تحولت لديهم الأغنية الشعبية لـ "كيف" شرعى.. أما ما يقدم الآن فتوصيفه الوحيد هو جريمة يعاقب عليها القانون.

باسترجاع الشريط قليلاً سنلاحظ أن انحدار الأغنية الشعبية بدأ بشدة بعد 2011 لتبدأ ظاهرة المهرجانات التى تحت اسمها أصبح مباحاً تقديم أى شئ بلا خطوط حمراء فمع بدايتها كانت لوناً جديداً وغريباً جذب الجمهور الذى يجب أن نأخذ فى الاعتبار الظروف التى كان يمر بها فى تلك الفترة العصيبة مما لعب دوراً كبيراً فى انتشار هذه النوعية من الأغنيات وإقبال الجمهور عليها والتى شبهها البعض بـ "الزار" فقدم أصحابها هذا اللون وبه موضوعات من قلب الشارع والحياة مع شكل موسيقى غريب حقق نجاحاً ملحوظاً ربما لغرابته ووجود أصحاب المهرجانات منفردين بالساحة لتوقف الإنتاج الموسيقى فى تلك الفترة والحقيقة أن هذا اللون كان يمكن تطويره وتنقيحة ليحاكى شكل الـ "الراى" الجزائرى إلا أن نوعية القائمين عليه شكلوه بما يناسب فكرهم المحدود ليحدث التطور العكسى بل والزحف على أعمال الفنانين الغنائية وتشويهها بتحويل ما يحلو لهم لـ "مهرجان" لتصبح أغنيات المهرجانات الراعى الرسمى للتلوث السمعى!

لن تتفاجأ عندما تعلم أن جملة "أغنية شعبية" أصبحت سيئة السمعة لما تحمله من مبررات لمحتوى تلك الأغنية والمتسبب فى ذلك ليس صناعها فقط ولكن أيضاً القنوات الغنائية من نفس النوع الشعبى التى تعرض هذا الإبتذال على شاشاتها دون لجنة مشاهدة أو رقابة .. فقط "ادفع واعرض" ويتم تسويق الأغنية الشعبية بهذا الشكل وللأسف هذه هى صورة غنائنا الشعبى للمتلقى من الخارج والأدهى أنك لو بحثت وراء هذه القنوات ستكتشف أنها بلا تراخيص لتكتمل دائرة الهزل التى ندور فيها!

 لم يعد على الساحة الآن من يحمل راية الأغنية الشعبية "الكتالوج" سوى "حكيم" آخر أساطير الغناء الشعبى فى هذا الـ "كتالوج" بثقله وتاريخه ما يضعه دائماً خارج المنافسة ... دون ذلك جميعها محاولات للتواجد الشعبى يتربع عليها "الليثى"و"بوسى" يغردان منفردان ويعتبرا الآن القوة الضاربة الرئيسية كما صعد "أحمد شيبة" فجأة ليحجز له مكاناً لم يكتمل حتى كتابة هذه السطور وهناك من يظهر بأغنية قوية ثم يختفى فعلى فترات تجد أغنية بلغة السوق "ضربت" وتضع مطربها فى أزمة بعدها تصيبه بتشتت وهذه الفترة هى فترة "مصطفى حجاج – يا منعنع" بينما هناك فى مكان بعيد منطقة محجوزة بإسم "عبدالباسط حمودة".

بين هؤلاء وهؤلاء نترحم على وحش غنائى صعب التكرار بصوته وأداءه "حسن الأسمر" ونبحث بحزن وأسى عن نجم تاه من نفسه اسمه "بهاء سلطان"!

أسئلة منطقية تطرح نفسها بقوة ... أين نقيب المهن الموسيقية من هذه الـ "مهازل" الفنية التى تُقذف علينا بشكل عشوائى؟! أين فناناً كبيراً بحجم وتاريخ "هانى شاكر" يجلس على كرسى النقيب ... ماذا قدم وماذا فعل لحماية الأغنية؟! كيف ترك جمهوره لمجموعات من الـ"ملثمين فنياً"؟!

للأسف لن تجد إجابة مقنعة ... فماهى مهام النقيب الرئيسية طالما لا يتدخل ويواجه وينقذ ما يمكن إنقاذه؟!  وهل المواجهة ستتوقف عند تقديمه لأغنية شعبية ببصمته الغنائية وبلحن منحوت من تيمات لحنية لأغنيات مشابهة وكذلك التوزيع الموسيقى؟!

فى يوم ما كنا نسخر ونقول "بكرة ييجى اليوم اللى نقول فيه الله يرحم أيام شعبولا وزمن الغنا الجميل" وتحققت السخرية وتحولت لحقيقة مؤلمة ونحن نشاهد حادث غنائى مؤلم قامت به "فتاة المرجيحة" أو كما تنطقها "المُلجيحة"!

 المُحزن أن الإساءة للـ "شعبى" لم تتوقف عند الغناء ولكنها أيضاً موجودة فى الأعمال الفنية دراما وسينما فالصورة التى ترسمها معظم الأعمال الفنية عند تناول الشعبى هى الأسوأ على الإطلاق بكل تفاصيلها مما يعكس صورة سلبية ومشوهة عن كل ما هو شعبى بناسه وأحداثه ومناطقه ويصبح مأخوذاً يميناً ويساراً أو كما يقال "غسيل ومكواة" وكأننا إحترفنا تشويه أنفسنا موفرين هذا المجهود على خصومنا !

لا ينتبه الكثيرون للخطورة الأكبر لهذا الفساد الغنائى  فما يقدم الآن من جرائم غنائية تحت مسمى الـ "شعبى" سيكون موروثاً شعبياً للأجيال القادمة عن هذه الفترة وما نشاهده من تدهور سريع فى مستوى الأغنية الشعبية سيزداد سوءاً إن لم تكن هناك وقفة حاسمة تنقذ سمعة الغناء الشعبى التى سقطت سهواً فى يد من بجهله لا يرحم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل