المحتوى الرئيسى

"يا حمام بتنوّح ليه" (٣): حرب عبد الحليم ضد المطرب الأسمر

08/16 20:40

في جلساتنا المتكررة، لم يحكِ لي المطرب الراحل محمد حمام شيئًا عن علاقته بعبد الحليم حافظ، ربما لأنه كان قليل الكلام بسبب المرض. ولم يخطر في بالي أن أسأله إذا ما كان يشعر بظلمٍ ما، لأنَّ علامات الرضا والطمأنينة لم تكن تفارق وجهه. لاحقًا، تبين لي أن محمد حمام لم يكن يعيش من الغناء، بل من عمله مهندسًا معماريًّا، أي أنه يغني لأنه يحبُّ الغِناء. ولاحقًا، قرأت أنه قال إن عبد الحليم حافظ حاربه بشدة، وهذا -بالنسبة لي- ليس أمرًا مستبعدًا، على أي حال. لم يكن عبد الحليم، بشهادات المقربين منه، سهلا، وكان يدير صراعات عديدة للحفاظ على مكانته، وهو في ذلك تلميذٌ بارٌّ لأستاذه محمد عبد الوهاب. فما الذي يخيف عبد الحليم، بكل هيلمانه وشهرته وسطوته وتحالفاته الفنيّة والسياسيّة، من مطرب شاب صاعد؟

ظَنّي أن عبد الحليم لم يكن يُحارب محمد حمام وحده، بل حارب معه محمد رشدي كذلك، بخلاف حربه المعروفة ضد فريد الأطرش. وظني أن حمام ورشدي كانا يشكلان خطرًا كبيرًا عليه، لأنهما، بما يُغنيان من أغانٍ فولكلورية، كانا يحفران خطًّا غنائيًّا مختلفًا عن التيار الغنائي الرئيسي الذي حفره عبد الوهاب، انقلابًا على موسيقى سيد درويش، وهو الغناء الطربي العثمانلي، التيّار الذي كان عبد الحليم أحد جنوده بامتياز. وعلى الرغم من اختلاف حمام ورشدي فيما يُغنيان اختلافًا جوهريًّا، فإن صعودهما كان خطرًا حقيقيًّا، ليس على نجومية العندليب فحسب، ولكن على رسوخ التيار الذي يمثله كذلك. كان رشدي يمثل خطر الفولكلور الشعبي القريب من وجدان المصريين وموسيقاهم التي يعزفونها في أفراحهم، فيما كان حمام يمثل الصورة النقية سياسيًّا للمطرب الوطني الفولكلوري، غير المرتبط بنظام سياسي قاد شعبًا بأكمله إلى الانكسار والهزيمة، وهو بتلك الصورة النقيضة لصورة عبد الحليم حافظ، ابن يوليو ونظامها.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل