المحتوى الرئيسى

الجزر النيلية.. وإشكالية التوصيف

08/13 21:22

فى إحدى جلسات الزملاء فى نادى المهندسين بالبحر الأعظم، سألنى زميل عن الجزيرة المواجهة للنادى فسردت عليه حكايتها وما حدث من مواجهات مع قوة من الجيش منذ عدة سنوات، هى جزيرة القرصاية، يقطنها أناس يعيشون على الكاد ويعملون باجتهاد لتوفير لقمة العيش، بين مدينتى القاهرة والجيزة بكل ما فيهما من ضغوط العمل وطواحن الأمل لهؤلاء البسطاء، ولكن محدثى سأل وهو يتأمل تلك الفيلا الحديثة ذات الطراز المعمارى المميز الذى لا يمت للكاد والضغوط والطواحن بصلة، فما توصيف تلك الفيلا على هذا الموقع الذى يحيطه النيل وتمتد مشاياته حتى مياه النهر، هل صاحبها ذلك البسيط الذى باعها لتحسين أحواله وهل يحق له ذلك؟ أم تعرض للضغط والطحن ليتنازل عنها، وإذا كان هذا هو الحال وآلت لمن يدفع أو يضغط أو يطحن، فلماذا لا يتساوى الجميع فى المزاحمة!، والأجدى لماذا تتركها الدولة دون تخطيط يتماشى مع كل المعايير البيئية والعمرانية والاقتصادية مع حفظ حق وكرامة هؤلاء البسطاء.

يحوى نيل مصر حوالى 200 جزيرة ظهر كثير منها بعد بناء السد العالى واختفى كثير منها عند ارتفاع منسوب بحيرة السد، وتفاوتت بين الجهات الرسمية تقدير عدد الجزر، وصدر قرار رئيس الوزراء رقم 1969 لسنة 1998 بإعلان 144 جزيرة كمحميات طبيعية، منها 95 جزيرة بالوجه القبلى تبلغ جملة مساحتها 32500 فدان، ويحوى فرع رشيد 30 جزيرة بجملة مساحة 3400 فدان، ويحوى فرع دمياط 19 جزيرة بجملة مساحة 1250 فدان، وفى تجولى بالموقع الإلكترونى لوزارة البيئة لم أجد ذكرا لأى من تلك الجزر ضمن المحميات الطبيعية المعلنة والتى تضم 30 محمية معظمها محاط بأسوار ودخوله بتذاكر تبدأ من ثلاثة جنيهات للأفراد وفئات أعلى للسيارة والتخييم، فما قصة هذه الجزر المعلنة عام 1998 والتى أشارت التقارير أنها خاضعة لبنود اتفاقية «رامسار للأراضى الرطبة« التى وقعت عام 1971 ودخلت حيز التنفيذ عام 1975 وانضمت لها مصر عام 1988.

تعرّف «اتفاقية رامسار« الأراضى الرطبة بأنها مناطق المستنقعات أو المياه سواء كانت طبيعية أو صناعية دائمة أو مؤقتة، وسواء تحتوى على مياه ثابتة أو متدفقة، عذبة أو راكدة أو مالحة، بما فى ذلك مناطق المياه الملاحية التى لا يتعدى عمقها فى أقل ارتفاع للجَزْر ستة أمتار، وتم تسجيل بحيرة البردويل بشمال سيناء وبحيرة البرلس بكفر الشيخ فى 4 يوليو 1990، وفى 4 يونيو 2012 تم ضم كل من بحيرة قارون ووادى الريان، هذه المناطق الأربع بإجمالى مسطح حوالى 990 ألف فدان، وبعض هذه المناطق تتعدد أسباب كونها مناطق محمية ليس فقط باعتبارها أراضٍ رطبة، غير أنه لم يذكر ضمن الأراضى المسجلة لدى اتفاقية رامسار على موقعها الرسمى أى ذكر لجزر النيل، إذا يبدو أن اعتبار الجزر النيلية كمحميات طبيعية ليس لاتفاقية رامسار علاقة مباشرة به، كما هو الحال على ما يبدو لعلاقة وزارة البيئة بتلك الجزر.

أحد التقارير ذكر أن جزر النيل تقع على مسار الطيور المهاجرة فى حين أن المواقع الرسمية الخاصة بالدراسات الإيكولوجية وتوزيع محميات الطيور ومساراتها تشير إلى البحيرات المصرية والمسارات فوق الصحراوين الشرقية والغربية وصولا لمواقع مستقبلات تلك الطيور وكان بينها بعض جزر جنوب النيل فقط، ربما كان قرار رئيس الوزراء الأسبق باعتبارها محميات طبيعية عن إدراك ووعى بأهمية حماية تلك الجزر، وعلى الرغم من الأهمية الإيكولوجية لبعض تلك الجزر والأهمية البيولوجية لمعظمها للثروة السمكية والنباتية وكونها إمكانية استزراع وإفراخ لنوعيات مطورة من الزراعات والنباتات النادرة وتحويل معظمها لمراكز حفاظ وتنمية بيئية، إلا أن وجودها على المواقع الرسمية يقع على الخريطة السياحية فقط والتى تعتمد عليها السياحة البيئية لمحميات جزر نهر النيل كما ورد بموقع دليل مصر السياحى.

فى عام 2005 أصدرت وزارة الدولة لشئون البيئة دراسة بعنوان «نحو استراتيجية وطنية وخطة العمل للسياحة البيئية فى مصر، ذكرت فيها أن «الدولة تبنت سياسة حماية الحياة البرية والبحرية بالإعلان عن أراضى ومناطق محمية لرعاية السلالات والكائنات النباتية النادرة والمهددة بالانقراض، والمحافظة على التكوينات الجيولوجية المتفردة والتراث الطبيعى والثقافى الأصيل، علاوة على تطوير وتنمية وإدارة تلك الموارد على أسس وقواعد علمية وفنية وتنظيم استغلالها للأنشطة التنموية والسياحية والتقنية والبحثية والترفيهية لتكون نبعا متجددا للدخل القومى وتراثا قيما مصانا للأجيال المتعاقبة واحتياطيا استراتيجيا للموارد الطبيعية بالدولة«، ثم أشارت الاستراتيجية أنها «تتولى حماية موائل الطيور المقيمة والمهاجرة وتنمية الثروة السمكية ومعاونة المجتمعات المحلية وتشجيع السياحة البيئية«، من المفترض أن الحكومات تسير على تلك الاستراتيجية منذ 12عام، وبينما صدر قرار رئيس مجلس الوزراء باستبعاد 17 جزيرة من المحميات الطبيعية، وإعلانها مناطق إدارة بيئية، ويكون دور وزارة البيئة وأجهزتها معاونة الجهات المختصة فى وضع الضوابط والشروط البيئية للأنشطة الواقعة عليها، يبرز السؤال عن طبيعة دور الوزارة حيث المفترض أنها كانت تدير تلك الموارد على أسس، والآن ستعاون الجهات فى وضع الضوابط والشروط البيئية للأنشطة؟

وبينما كان قرار عام 1998 يمنع إقامة أى نشاط سكانى أو صناعى أو اقتصادى على الجزر، أكدت استراتيجية 2005 معاونة المجتمعات المحلية وتشجيع السياحة البيئية، والحقيقة الواقعة أمامنا أن بين تلك الجزر جزيرتى الزمالك ومنيل الروضة، فأى طبيعة وأى حماية بل وأى مجتمع محلى وأى سياحة بيئية نتحدث عنها فيما بين القرارات والاستراتيجيات قديمها وحديثها، ما هو التوصيف العلمى لتلك الجزر؟، وما هو التوصيف الملائم لما نريد فعله بها؟، وحقيقة أخرى أن القيمة السوقية لسعر القيراط فى بعض الجزر الزراعية المستبعدة من الحماية تقدر بنحو 200 ألف جنيه، وبتقدير الأسعار بعد هبوط سعر الجنيه، واعتبار نسب التضخم والتقدير بعد تقنين وضعية الأراضى وتغيير صفة الاستخدام يصل السعر إلى نحو 700 ألف جنيه للقيراط، حيث تصل قيمة جزيرة الوراق مثلا إلى حوالى 1.4 مليار دولار.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل