المحتوى الرئيسى

روايات الناجين من «قطاري الإسكندرية»: «الكارثة حدثت في ثوان»

08/12 20:32

على الأسرّة يستلقون، بين فاقد للوعى، وواعٍ أفقدته الصدمة إمكانية النطق، يلتف حولهم الأهل، بينما أصوات لا تزال ترتفع وتملأ المكان لأسر تبحث عن ذويها، وآخرين يحاولون تذكر شكل قدم أو يد مفقود يخصهم.

«الدستور» كانت هناك، استمعت إلى روايات المصابين وأهالى المتوفين فى حادث تصادم قطارى الإسكندرية، بمنطقة «خورشيد»، والذى أسفر عن وفاة ٤١ حالة، وإصابة ١٧٩ آخرين، خرج من بينهم ٤٧ حالة، حسب بيان وزارة الصحة والسكان.

على سالم: موظف الإسعاف انشغل بالبيانات عن الإنقاذ

فى البداية التقت «الدستور» المصاب «على محمد سالم»، على سرير بمستشفى الجمهورية، سرد تفاصيل الحادث لحظة بلحظة، قائلا: «كنت راكب فى القطر متحرك من طنطا، ماعطلش ولا حاجة، هو فضل يهدّى، لحد ما وقّف خالص، الموتور شغال لكن القطر واقف، فضل واقف تلت ساعة، ومانعرفش فى إيه».

يتابع «على» الحديث: «فجأة أحسسنا بهزة شديدة أسقطت الشُنط على رءوسنا، حاولنا جميعًا أن نتمالك أنفسنا، وبعد نظرات متبادلة بين الجميع، وقف من وقف ليستكشف الأمر، ففوجئنا بارتطام قوى، جعلنا نطير من أماكننا دون مبالغة.. كُلّه اتكوّم فوق كله، إللى حصل كان فى لحظة».

ويكمل: «الدخان كان كثيفًا جدًا، وزجاج القطار تحطم بأكمله فوق رءوسنا، لم نكن نرى شيئًا، لكننا شعرنا بالأجسام المترامية حولنا، تحسست طريقى إلى خارج العربة، كل ما دار ببالى أنها قنبلة، لهذا سارعت وسارع الجميع للنزول من العربة، لأننا ظننا أن القطار سينفجر، ولكن ما أن نزلت حتى وجدت قطارًا قد اصطدم بنا من الخلف، المنظر كان بشعًا وقاسيًا».

يضيف «على»: «فورًا بحثت عن هاتفى واتصلت بالإسعاف، ورغم ما يتسرب إلى المكالمة من أصوات بكاء وصراخ، إلا أن الموظف أصّر على التحقق من بياناتى على مدار ٥ دقائق، وأنا أصيح فيه، إنقذوا الناس الأول وبعدين خدوا إللى انتوا عايزينه، ولكن لا أحد يسمع، الروتين روتين، الناس فى العربات الأخرى من كلا القطارين بدأوا فى النزول، وأهالى البلد الذى اصطدم فيه القطار بدأوا فى الخروج إلينا، وهم أول من قدم إلينا العون والمساعدة».

ويقول «على»: «لم أشعر بنفسى إلا وأنا أركض ناحية العربة التى تأثرت بالاصطدام بشكل مباشر، كل ما فى جسمى من ألم إثر الحادث اختفى، لا أدرى كيف أتتنا القوة، أحاول أن أُخرج من أستطيع إخراجه، أركض ناحية الأصوات الخافتة التى لم تصمت قلوبها حتى الآن، لأدل عليها المسعفين لينقذوها، منظر الأطفال يقطّع القلب، ولكن لن أنسى منظر تلك السيدة الحامل، وقد انفلق الجنين من بطنها، وصار خارجه، والدماء تسيل منها كالشلال، وتصرخ وتئن، تفتح عينيها ثم تغلقهما».

إبراهيم: كنت فى استقبال الجثث

محمد إبراهيم، هو قريب أحد المفقودين، والذى حاول بداية أن يبحث عن قريبه، ولكنه بعد ذلك انخرط فى المأساة، متطوعًا ليكرّم الموتى، لم يستطع إخفاء تعبيرات وجهه حين تحدث لـ«الدستور» عن استلامه لجثث الضحايا، فالشاب الثلاثينى كان بين أوائل المستقبلين لعربة الخبز المتنقلة، التى استخدمها الأهالى لنقل الأشلاء بعد تأخر الإسعاف، وفى بداية حديثه قال: «كانت العربة ممتلئة بالجثث».

ويسرد «إبراهيم»، «الجثث كانت ممزقة، والأشلاء فوق بعضها، كان المشهد يثير الغثيان ويدمى القلب، استقبلت جثثًا لسيدات فقدن أطرافهن، وأطفال أجسادهم ممزقة، جمعت من على قضبان القطار، بعد أن اختلطت بحطام الكراسى».

وأشار إبراهيم إلى أن سائق السيارة قال له إنه لمدة ساعتين كانت كل وسائل الإنقاذ معتمدة على أهل منطقة «خورشيد» المدنيين، الذين حاولوا إنقاذ ما يمكن إنقاذه، إضافة إلى ركاب القطارين الذين استطاعوا النجاة أو كانت إصاباتهم طفيفة.

محمد بُترت ساقه فضاع حلم السفر

«محمد محسن»، هو أحد المصابين، من الزقازيق، يبلغ من العمر ٢٤ عامًا، كان ذاهبًا إلى الإسكندرية لبيت خطيبته بمنطقة العامرية ليراها قبل سفره إلى السعودية، بعد إنهاء الإجراءات، إلا أن القدر شاء أمرًا آخر.

تقول خطيبته التى تواجدت بالمستشفى، إنها تحدثت إليه قبل استقلاله القطار فى الحادية عشرة، وأنه أخبرها بأنه سعيد لأنه قادم إليها، مبشرًاا إياها أنه أنهى جميع إجراءات سفره للسعودية، وتابعت: «إلا أنه لن يستطيع الذهاب مرة أخرى إلى هناك، لأن الحادث تسبب له فى بتر بالساق اليمنى، كما أصيب بجروح فى الرأس وجروح بالرقبة وكدمات جعلته لا يستطيع الحديث، ولا حتى بالإشارة».

وتضيف: «كان يستعد للسفر ليقضى بضعة أشهر ثم يعود لنتزوج، أرى المستقبل مجهولًا الآن بعد بتر ساقه، وأخاف عليه لأنه لم يتحدث حتى الآن، فقد يكون أصيب بشىء يمنعه من النطق، خاصة أن هناك جروحًا فى الرقبة والرأس، ولأنه نزف كثيرًا».

وليد: حاولت إنقاذه و«لكن مات أمامى»

يحاول أن يحرك قدميه، وهو من طلب أن يسرد تفاصيل ما رأى، هو وليد عبد الخالق محمد، أحد المصابين فى الحادث، قال فى البداية: «أنا فى الأساس من سكان الإسكندرية، كنت فى حفل خطوبة أحد الأقارب، برفقة عائلتى، زوجتى والأولاد، وكنت فى القطار الذى تحرك من محطة مصر برمسيس، واصطدم بالقطار المتعطل، لم يكن هناك فى البداية ما يدعو إلى القلق، القطار كان يسير بشكل طبيعى، كل ما حدث كان لحظة، فى غمضة عين، بنت أخو زوجتى تلعب فى كراسى القطار، ونحن جالسون فى آخر العربة، ولكن فجأة حدث ارتطام قوى، لم أدرِ بنفسى إلا وأنا أطير وتصطدم قدمى وبطنى بكراسى القطار، ومن حسن حظى أننى أمسكت خلال تدحرجى بأحد الكراسى».

يكمل «وليد»: «عندما فتحت عينى كان الدخان والتراب كثيفين، حتى أننا لم نستطع أن نتنفس، زجاج القطار كان يعلو أجسادنا، ولم نكن نستطيع أن نرى شيئًا فى بادئ الأمر، خطر ببالى فجأة أن أبحث عن الطفلة، والحمد لله وجدت بنت أخو زوجتى مرمية فى أول العربة، ولحسن الحظ أنها وصلت إلى مكان حجزها حتى لا تسقط من الباب».

يتابع: «بعد ما شبورة الغبار دى هديت من حوالينا، ابتديت أخرّج عيلتى من عربية القطر، وجدت حماتى مرمية بين الكراسى، خرّجتها هى وبقية العائلة، وركبوا عربيات الإسعاف».

يضيف «وليد»: «فى وسط كل ده حصل حاجة هى اللى خلّتنى ماقدرتش أكمل، وانهرت تمامًا.. وأنا بلف أدوّر على الناس إللى لسه فيها الروح، عشان أنقذ اللى أقدر أنقذه، وفجأة بين العربيات لقيت شاب محشور بين الكراسى، بيصرخ، رحت ناحيته، لقيت نفسى عاجز ومش قادر أطلّعه أو حتى أوصلّه، فضلت أقوله أصبر، المساعدة جاية، لقيته بيحرّك إيده يمين وشمال، والتفت ناحيتى، وبعد كده السر الإلهى طلع».

رحلة الفقراء دفع ثمنها الأب

أهم أخبار حوادث

Comments

عاجل