المحتوى الرئيسى

محمد الباز يكتب مريم المصرية «5»: لماذا تتجلى العذراء على كنائس الفقراء فقط؟

08/10 20:56

يمكننى أن استسلم، ببساطة، لما يتردد عن معجزة تجلى العذراء مريم- عليها السلام- فى مصر، وهو التجلى الذى يأتى غالبًا فى الأوقات المأزومة والظروف الصعبة التى ينتظر فيها الموجوعون من ينظر إليهم، فإذا بها تطل عليهم قائلة للجميع: «أنا معكم».

الاستسلام هنا مريح جدًا، سيمنحنى بعضًا من إعجابكم، لكن من قال إننى أبحث عن الإعجاب؟

أنا أسعى وراء حوار مع عقولكم، نختلف، نتفق، نصرخ فى وجوه بعضنا، لكننا لا نفترق أبدا، لأننا نبحث عن طريق واحد يضمنا، نعرف أنه يسعنا جميعًا، لو قررنا ذلك، ولم نلتفت عنه أو نتركه يتفلت من بين أيدينا.

تنتظرون منى أن أقول لكم، مثلا، إن تجليات العذراء الكثيرة التى سجلتها الذاكرة المصرية، وكان أشهرها تجليها على كنيسة العذراء بالزيتون- استطاعت أن تجمع المصريين على قلب رجل واحد، لكنى لن أقول لك ذلك أبدًا، ليس عن تعصب أو تمييز، ولكن عن واقع شهدته بنفسى، لن أدعى أننى وقفت كثيرًا فى انتظار العذراء أمام كنائسها، ولكننى خضت التجربة أكثر من مرة.

ظهور السيدة مريم العذراء- فى أى مرة من مرات التجلى المزعومة- لم يكشف عن قوة النسيج الوطنى المصرى أبدًا، ولم يكن صحيحًا أنه نفى أى توترات طائفية تعيشها مصر، ففى التجمعات الحاشدة التى التفت حول الكنائس التى قيل إن العذراء مريم تجلت من فوقها، ووقف الجميع فى انتظارها، لا فرق بين مسلم ومسيحى اعتقد البعض أن هذا يمثل نفيًا قاطعًا لكل ما يقال عن الفتنة الطائفية فى مصر، وعن حالة الاحتقان الهائلة التى يشهدها المجتمع.

إن السيدة مريم العذراء لم توحد المصريين، بل أظهرت كم نحن مختلفين، ومتناحرين، وفى حاجة عاجلة إلى عمليات ترميم إنسانية ودينية.

هل أصف لكم ما جرى- على سبيل المثال- فى تجلى العذراء فوق كنيسة العذراء فى الوراق؟!

كان ذلك فى ديسمبر ٢٠٠٩، البرد حاكم، لكن الزحام الذى كان لم يمنح أحدًا فرصة للشعور به.

أمام كنيسة الوراق تمسك الأقباط بإظهار مسيحيتهم، قاموا بتوزيع مطبوعات بها تماجيد للسيدة العذراء، مثل ترنيمة «السلام لك يا مريم»، وقاموا بعزف ألحان كنسية مميزة، منها لحن «خين إفران» ومعناه «يا الله»، ولحن «أكسيا» ومعناه «مستحقة»، لم يكن العزف فرديًا، فقد كوّن الشباب القبطى مجموعات للغناء والرقص مرددين التراتيل والترانيم.

المسلمون احتفلوا بالسيدة العذراء على طريقتهم أيضًا، أمسكوا بالقرآن الكريم وبدأوا فى قراءة سورة مريم، فهى المرأة الوحيدة التى وضع اسمها على إحدى سور القرآن الكريم، وعددها ١١٤ سورة.

الفروق بين المسلمين والأقباط فى الاحتفاء وانتظار السيدة العذراء كانت أقل حدة من الفروق بين طوائف المسيحية البروتستانت، وانطلاقًا من عقيدتهم أنكروا ظهور العذراء جملة وتفصيلًا، فهم يذهبون إلى أن الكتاب المقدس لم يرد به أى نص أو آية تدل على أن العذراء ستظهر مرة أخرى، صحيح أن الكتاب المقدس أشار إلى أنها مكرمة وعظيمة، لكن مسألة التجلى هذه لم تكن مطروحة مطلقا.

يستسلم البروتستانت إلى التفسيرين العلمى والنفسى لظهور العذراء، فتجليها ليس إلا نوعا من الأوهام التى يستعصم بها أصحاب المشكلات والهموم والمظلومون فى الأرض، أقباطًا ومسلمين، مطمْئِنين أنفسهم إلى أن ظهورها فيه إشارة إلى اقتراب رفع الظلم، فهى تظهر حتى تخفف عنهم همومهم وأحزانهم، وتقف إلى جوارهم ممثلة للسماء فى مواجهة جور أهل الأرض.

ويدلل الدكتور القس إكرام لمعى، كما قال لى، على أن الظهور ليس إلا وهمًا لدى الفقراء والمظلومين، بأنها تظهر فقط فى مناطق الفقراء، مثل الزيتون، والوراق، وعزبة النخل، وشبرا، ولا تظهر مثلًا فى المناطق الراقية، مثل الزمالك، والمهندسين ومصر الجديدة، وأرض الجولف.

البابا شنودة هو الذى أظهر ضراوة الخلاف مع البروتستانت فى واحدة من ظهورات العذراء فى سنواته الأخيرة «توفى فى العام ٢٠١٢»، فى البداية لم يكن حاسما فى مسألة الظهور من عدمه، كان عائدا من رحلة علاجية له فى أمريكا، دع عنك تندر البعض على البابا شنودة، من أنه طالما يعتقد فى ظهور العذراء، وهذا الظهور فى حد ذاته يأتى لعلاج المرضى، فلماذا تركها البابا فى مصر، وذهب يطلب الشفاء فى أمريكا؟ ولماذا لم يسلم نفسه للعذراء كى تعالجه، طالما أنه يوقن بقدرتها على شفاء المرضى، وسلم نفسه للأطباء الذين يتعاملون بالعلم، ولا يعتمدون على المعجزات؟!

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل