بالفيديو.. في «شارع الأديان» مسجد يجاور معبدًا يهوديًا وباحته لموائد الرحمن

تجمعت نسمات الهواء مكونة موجة من ريح ناعمة تمد يدها، وتفتح زجاج نافذة لطفل الصغير، وتفاجئ شعراته المنسدلة على جبينه الواسع، فتطيرها إلى أعلى ويطير معها عصفوره الصغير من بين أحضانه، تاركًا ابتسامة على شفتيه، حين أطلق العصفور زقزقة امتزجت بتكبيرات مؤذن مسجد الرحمن، المعلنة عن مجيء موعد الصلاة، وبنظرية أثر الفراشة عمل العصفور على خلخلة الهواء بجناحيه حتى أنشأت موجة ريح جديدة داعبت بوق معبد كنيس ماجين ابراهام، في مشهدً شبيه كالذي كتبه يوسف معاطي، والذي صور فيه مسلسل مأمون وشركاه، ولكنه واقع تشهده منطقة حدائق القبة.

تلحف رداء الخشوع، فهو خير ما ترتديه في هذا المكان، فما ستراه هنا لن تجده في مكانٍ آخر.

الخطوات القليلة بعد محطة كوبري القبة ستبلغك مقصدك إلى ثلاثة شارع ولي العهد، فبعد أن تتخلص من زحام الباعة في الأسواق الكبيرة، سترشدك قدماك لهذا الباب الأخضر الذي تعتليه لافتة صغيرة مكتوب عليها "مسجد الرحمن"، ومن جداره الأيمن تتخذ امتدادات بوابة حديدية كبيرة متكأ لها، أبسط يديك وادفعها قليلا فلن تمانع في أن تظهر لك من خلفها مبنى قديم مكتوب عليه "التموين"، لا تكن من المتسرعين فالجدار المعلق عليه اللافتة هو واجهة "المعبد اليهودى".

بعد صلاة العصر كان الحاج محمود صاحب المنزل المجاور للمسجد يتأهب لقراءة أحد كتب المكتبة الواقعة إلى يسار محراب المسجد، فكانت «الدستور» ضيفته، يتنفس معه تاريخ المنتصرين حين تحدث عن المسجد، والذي تم بناءه بالجهود الذاتية لأبناء الحي، بعدما كان سكان العمارة المقابلة للمعبد يفترشون حديقته فى أيام الجمعة ليقيمون الصلاة عليه.

شيئًا فشيء تم تجميع المال اللازم لإقامة المسجد بكامل هيئته فوق الحديقة، فيتكّون من دور واحد مقسم إلى جزئين، الأول مصلى للسيدات، على يمين المعبد والآخر للرجال على يساره، وسلمه المتبرعين من سكان العمارة بعد ذلك للأوقاف التي شاركت فيه بتعيين اثنين من العمال، وخطيب خاص بالمسجد.

خطوتين فقط هما المسافة بين الباب الأخضر لمسجد الرحمن وبين البوابة الحديدية التي تحيط بواجهة المعبد، الذي تعددت استخداماته، المعبد مر بعدد من المراحل ليصل إلى حالته الحالية، كانت إحدى هذه المراحل معاملته كمقر لأمانة الحزب الوطني المنحل بحدائق القبة، قبل أن تنتقل إلى موقعه الحالي.

يقول الحاج محمود، أحد سكان الشارع: "أنا جيت المنطقة من 20 سنة، مفيهاش أية مشاكل.. إنها منطقة متدينة جدا، تخلو من أي فكر متطرف، فشعوره عندما أتى للمنطقة لأول مرة منذ عشرين عامًا، لم يتغير عندما حطت رحلته أمام المعبد اليهودى مباشرة، فهو له من الخبرة الكثير والتي ساعده فيها سكنه السابق فى شارع عماد الدين، المحتوى على معبد يهودى كان به فعليًا رواد من اليهود حينها، وهنا أيضا من سيمنع يهودى من الصلاة، "لكم دينكم ولى دين"، أما الناحية الأمنية فيتكفل بها مندوبى الشرطة المتواجدين بمحيط المعبد لحمايته.

المعبد دار للعبادة والمسجد دار للعبادة، والكنيسة أيضًا، وانطلاقًا من حب المصريين للخير في رمضان واستمرار تميز مصر بهذا الجو الروحاني المختلف في شهر الصيام استطاعت ساحة المعبد أن تضم ضيوف المائدة لأعوام عديدة، فتقام مائدة الرحمن سنويًا في ساحة المعبد.

عبارات الفرح المختلفة والزغاريد تقرّب بين مكونات المجتمع المصري مسلمٍ ومسيحي، فتتشابك الأيدي لإعلاء أفراح الوطن، لكن اختلاط آهات آلامهم تعمل عمل الطريقة التي استخدمها الفراعنة في تشييد أحجار الأهرام، وربطها ببعضها بقوة هائلة فتزيد قربهم مما يصعب على أي حاقد فكها، في مستشفى السنابل القبطية، التابعة لكنيسة أبى سيفين، والتي تبعد بشارعين عن المسجد والمعبد، تفتح المشفى أبوابها لاستقبال الحالات المرضية، وهناك لن تجد أحدهم يسألك عن ديانتك ليقرر استقبالك من عدمه، لكن السؤال الوحيد هناك عن موضع الألم حتى يتسنى له معالجته بما أعطاه الله من علم الطب، ورحمة القلب.

سلامٌ نفسي وشعور بالألفة تتركها المنطقة في نفوس زواره، صامتًا ممسكًا عن الحديث عن أي من مطالبه بالاهتمام به، رغم أن له قيمة كبيرة، تحاول ألمانيا تقليده بمشروع ضخم اسمته "البيت الواحد"، سيتم فيه بناء دور للعبادة على أن يضم مسجدًا وكنيسة ومعبد تحت سقف واحد.

بالفيديو.. في «شارع الأديان» مسجد يجاور معبدًا يهوديًا وباحته لموائد الرحمن

بالفيديو.. في «شارع الأديان» مسجد يجاور معبدًا يهوديًا وباحته لموائد الرحمن

بالفيديو.. في «شارع الأديان» مسجد يجاور معبدًا يهوديًا وباحته لموائد الرحمن