المحتوى الرئيسى

عبدالله ناصر العتيبى يكتب: أزمة قطر.. إلى أين؟ | المصري اليوم

08/09 04:00

نقلاً عن صحيفة «الحياة» اللندنية

بعد مرور شهرين على الأزمة القطرية، مازالت المآلات غامضة بعض الشىء. ولم تظهر فى الأفق حتى الآن نقطة نهاية يمكن عندها تفسير بعض الأحداث التى جرت وتجرى. بل إن بعضهم صار حتى يتشكك فى مسار الأزمة نفسها، إذ إنه فى أحيان كثيرة كان يأخذ أكثر من طريق فى الوقت نفسه! ‏فى هذه الأزمة هناك خمسة أطراف رئيسة: قطر والدول الأربع المقاطعة ودول مجلس الأمن، زائد ألمانيا والجماعات الإرهابية والدول العربية المحايدة والمراقبة، فإلى أين يا ترى ستأخذ الأزمة هذه الأطراف، كلًّا على حدة؟

‏الدول العظمى تسعى فى الوقت الراهن إلى محاولة إطالة أمد الأزمة، من خلال إدخال «مفهوم المبعوث الدولى»، الذى يحتاج دائماً إلى مساحة كافية من الوقت لإنجاز مهماته، التى- يا للغرابة ويا للصدف المتكررة- لا تكتمل فى الغالب من الأحوال! تسعى هذه الدول إلى أن تجعل من الفضاء الخليجى ساحة للمفاوضات المرسوم طريقها سلفاً، والتى لا تؤدى عادة إلى نتيجة واضحة المعالم، فى الوقت الذى تشتغل على مصالحها الخاصة بعيداً عن الضوء وقريباً من حسابات الأزمة. المبعوثون الدوليون على شاكلة مارتن كوبلر وإسماعيل ولد الشيخ أحمد وستيفان دى ميستورا سيستهلكون الوقت فى زيارة عواصم المنطقة، فيما تحاول الدول الكبرى- منفصلة ومجتمعة- الحصول على أكبر قدر من كعكة الأزمة.

‏للدول العظمى فى الوقت الراهن مصلحتان قائمتان: مصلحة قريبة وأخرى بعيدة. الأولى الاستفادة الاقتصادية قدر الإمكان من الأزمة، من خلال إظهارها بحجم يفوق حجمها الحقيقى بكثير، لإقناع الإطراف الرئيسة- وأعنى قطر والدول الأربع- بالحاجة إلى بذل مزيد من التنازلات الاقتصادية للخروج منها بأقل الخسائر! ومصلحة بعيدة تتمثل فى وقف تمويل الإرهاب المهدد لأوروبا وأمريكا من الدوحة!

‏زمن المصلحة القريبة قد يمتد أشهراً أو سنوات قليلة مقبلة. وستشعر قطر بنوع من الانتصار الوهمى فى فترة المصلحة الأولى، لكن المآلات النهائية لتشابك دول الغرب مع هذه الأزمة ستتوقف عند ما يقتضيه أمن الشارع فى باريس ولندن وميونيخ وغيرها من المدن الغربية. سيدور المبعوث الدولى هنا ما شاءت الدول الغربية له أن يدور، وسيبقى بالقدر الذى يكفى هذه الدول لحصاد مصالحها، ثم تلتفت أخيراً إلى قطر وتضعها فى حجمها الطبيعى الذى يتناسب مع فضاءات خصومها من الدول الأربع.

‏الطرف الثانى فى هذه الأزمة هو الدول العربية، التى تقف على الحياد حالياً، وكأن الأزمة تشتعل حول مسألة حدودية أو خلاف سياسى بسبب مباراة كرة قدم، وليس بسبب دعم دولة مجاميع إرهابية (عربية)، بهدف خلق نظام عربى جديد يتحكم بكامل المنطقة! هذه الدول التى تحتفظ بتاريخ حافل من (الحياد المنحاز) مثلما كانت الحال فى الأزمة العراقية- الكويتية قبل ٢٧ عاماً ستمضى خلف الدول الغربية مطأطئة الرأس، إنما بلا قدرة على الحصول على فوائد ومكاسب انتهازية! ستوقّع فى النهاية على ما توقع عليه الدول الغربية، لكنها ستخسر المصالح والمكاسب وقطر والدول الأربع، ولن تصبح الأحوال العربية بعد أزمة قطر كما كانت قبلها.

‏والطرف الثالث فى هذه الأزمة هو الجماعات الإرهابية فى المنطقة، التى ستعمل فى هذه الفترة بآلية «توفير الطاقة»، لسببين رئيسين: الأول تقليص حجم التمويل القطرى لهذه الجماعات بسبب توقيع الدوحة أخيراً مع واشنطن اتفاقاً استخباراتياً ينص على ضرورة التوقف عن تمويل الإرهاب فى المنطقة. والثانى لانقطاع التواصل القطرى مع هذه الجماعات فى الوقت الحالى، بسبب انشغال الدوحة بدفع تهمة دعم الإرهاب عن نفسها. ‏هذه الجماعات ستدخل فى مرحلة اللا قرار، بين الاحتفاظ بالحليف القديم المحاصر دولياً والبحث عن داعم جديد، لكنها فى كل الأحوال لن يكون لها دور فى استمرار الأزمة أو إنهائها.

‏طرفا الأزمة الرئيسان، قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة أخرى، لديهما مفاتيح الحل فى الحال. قطر بمراجعة اتهامات أشقائها، والتوقف عن كل ما من شأنه التأثير فى أمن واستقرار هذه الدول، والعودة المصحوبة بتوبة نصوح إلى الخط السياسى والأمنى العام لدول الخليج. أما الدول الأربع فبإمكانها إنهاء الأزمة سريعاً بالانتقال من مرحلة المقاطعة إلى مرحلة أكثر تشدداً وتفعيل الحلول الاستخباراتية ونقل الملفات الأمنية المتعلقة بالإرهاب إلى مجلس الأمن.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل