المحتوى الرئيسى

الثروة العقارية.. الإهدار بالإيجار

08/08 21:45

العقار هو كل مِلك ثابت يدر ريعا كالأرض والمبانى، وما نعنيه هو العقار المبنى، الذى تقدر ثروة مصر منه بنحو 12 مليون مبنى، أكثر من 90% منها سكنية، و10% من تلك المبانى السكنية أنُشئ قبل عام 1960 طبقا لتعداد 2006، أى أكثر من مليون مبنى مر على إنشائها أكثر من خمسين عاما، وطبقا للمعايير الدولية فإنه يتعين مراجعة الأجزاء الإنشائية وصيانة العناصر المرفقية مثل الصرف الصحى وتوصيلات المياه والغاز وأعمال الكهرباء والتكييفات والتليفون وغير ذلك، وكما تشير الإحصاءات فإن ثلث المبانى إنشاءات مسلحة والباقى بنظام الحوائط الحاملة (أى بدون أعمدة)، أى ما لا يقل عن سبعة ملايين مبنى حوائط حاملة نصفها بأسقف غير خرسانية كالخشب وغيره، كما أن 1.4 مليون مبنى بحوائط من الطوب النىء معظمه بالريف بما لا يقل عن 1.25 مليون مبنى.

بالمعلومات العلمية، فإن العمارة السكنية بأفضل المعايير الإنشائية يبلغ متوسط عمرها الافتراضى ثمانين عاما، وبحساب الزمن الذى لا يسرع ولا يبطئ، ولا يجامل ولا يخطئ، فإن عمارة بُنيت فى خمسينيات القرن الماضى تبدأ فى النوء بحملها خلال عشرينيات القرن الحالى، فإن اهتزت معايير إنشائها أو قاومت ظروفا بيئية لم تصمم لمواجهتها فإن عمرها الافتراضى قد ينقص، ومن أهم ما يُنقص ذلك العمر ما قد يشوب الضمائر ويعوق الذمم، فلا يبلغ العمر منتهاه ولا يتعدى الخمسين عاما فى أقصاه، تلك التقديرات مرتبطة بالناحية الإنشائية وسلامتها، وتكون تلك التقديرات سليمة ما لم تهمل صيانتها، فإذا أهملت صارت تقديرات الأعمار الافتراضية عرضة للانتقاص، وهذا مؤداه أن عشرينيات القرن الحالى هى بداية لتداعى العمارات السكنية القديم منها منذ الخمسينيات وحتى ثمانينيات القرن الماضى، والسيئ منها إذا راجعنا أطوار البناء وظروفه البنائية خلال الستة عقود الماضية، وهى نسبة لا يستهان بتأثيرها السلبى على ما هو صالح للاستعمال من الثروة العقارية.

لنبسط الأرقام ونقرب الفكرة؛ إن جملة من المبانى السكنية لا تقل نسبتها عن 40% أنشئت فى ظل قوانين الإيجارات القديمة، وقد أشار إحصاء عام 2006 إلى أن عدد وحدات الإيجار العادى ــ العادى وليس المفروش أو الجديد ــ يبلغ أكثر من 5.3 مليون وحدة، وهو عدد توقّف بالطبع إن لم يكن تناقص، فلنقل إن عدد الوحدات السكنية الخاضعة لقانون الإيجار القديم لن تقل عن خمسة ملايين وحدة سكنية، هذا هو التقدير الذى أرجحه بين تقديرات تراوحت بين الثلاثة والثمانية ملايين وحدة، 85% منها يقع بالمدن بما لا يقل عن 4.25 وحدة سكنية، أما الريف فيكفيه ما يعانيه ما بين البناء بالحوائط الحاملة ومعظمها لا بأس به نسبة إلى ارتفاعاته المنخفضة، وما بين امتلاكه لما يقرب من مليونى مبنى من الحوائط الحاملة التى تعانى من سوء الإنشاء وسوء التوصيل بالخدمات فى ذات الوقت، أى أن نحو نصف الثروة العقارية ــالتى يتسم معظمها بعدم الملاءمة للسكنى ــ لن يَصْلح خلال عشرينيات القرن الحالى بالمعايير المحلية وليست الدولية. 

ومع ذلك إذا استشعرت المبالغة دعنا نراجع التقديرات، فلا تنسَ المليون مبنى سكنى التى مر على إنشائها أكثر من خمسين عاما، تلك يتشارك جزء منها ضمن الأربعة ملايين مبنى الخاضعة لقانون البناء القديم، أضف أن دراسة للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء كشفت عن ارتفاع أعداد الوحدات السكنية المغلقة والخالية إلى 7.8 مليون وحدة من إجمالى يقارب الثمانية والعشرين مليون وحدة بنسبة تقدر بنحو 27%، وأعتقد أن نفس النسبة مستمرة حتى يومنا، هنا ندّعى أننا نقع ما بين عدم قدرة مبانى المدن على استيعاب قاطنيها وأن ما لا يقل عن ربعها مغلق يضن باحتواء راغبى السكن، إضافة إلى استفحال ظواهر المد العشوائى بالمدن لاستيعاب القادمين من الريف وتمادى من بقى بالريف فى الزحف على الأراضى الزراعية.

كلما حاولْتُ التهوينَ ساءت الدلالات، ولكن ما فائدة التخطيط إن لم يكن لديه القدرة على استقراء الواقع والتبصر بالمشكلات المستقبلية واستنباط إن لم يكن استلهام الحلول ووضعها بين يدى متخذ القرار، ليتخذ قراراته طبقا لأولوياته ولكن آخذا فى اعتباره جميع ما طرحه خبراء واستشاريو المجال، فالواقع يشير إلى أن العقد القادم هو عقد «شيخوخة عقارات الإيجار القديم»، العقد القادم هو عقد «تداعى ثلث الثروة العقارية»، ليست هذه دعوة لتشجيع إنشاء شركات مقاولات الإزالة وبيع المخلفات، وليس القصد من الصيانة الإبقاء على القديم، ولكن مازال هناك مجال زمنى لإحداث التوازن فى ظل خطة إحلال وتجديد وحراك كلما أعطيناه وقته يتم دون ضغوط على المواطن، فى حين أن الدعوة لمواجهة الخلل الهيكلى سوف تسهم فى سد الطلب على الوحدات الذى يرتبط معدله السنوى بمعدل تكوين الأسر حيث وصل إلى نصف مليون زيجة سنويا، والذى لن تصمد أمامه جهود الحكومة فى بناء عشرات ومئات الآلاف من الوحدات السكنية واتباع سياسة التشييد فقط دون الاعتبارات العمرانية والمجتمعية، متابعة تلك السياسة تؤشر إلى إسهامها فى زيادة التضخم فى المجال العقارى، فى حين تتهاوى عشرات المبانى القديمة تلو العشرات بقدوم النصف الثانى من العقد القادم، فإذا كانت النداءات تتوالى أن أى مواجهة لتعديل قوانين الإيجارات القديمة ستحتاج ــ على الأقل ــ إلى خمس سنوات لتصل لحد الاتزان فى الحراك المطلوب لتعديل أوضاع العلاقة بين المالك والمستأجر، فلم التأجيل وفيم التغاضى عن مشكلة بوادرها واضحة للخبراء إن لم تكن ظاهرة للعيان؟.

من واقع بيانات السجل العينى التابع لمصلحة الشهر العقارى (تقديرات أكتوبر 2007) يبلغ حجم الثروة العقارية نحو 25 مليون وحدة عقارية تبلغ قيمتها نحو 245 مليار دولار (فى حينها)، كما يقدر العجز فى تكاليف الصيانة والترميم بنحو 180 مليون دولار يبلغ نصيب الحضر فيها 150 مليون دولار (حينئذ)، وهى فى الواقع تقديرات متواضعة نسبة إلى كونها تعتبر العجز فقط، وبتقدير الواقع الحالى فإن ثروة مصر العقارية لن تقل عن 300 مليار دولار، فإذا افترضنا أن الصيانة تحتاج إلى 1% فقط سنويا فإن ذلك يعنى حجم سوق فى مجال الصيانة العقارية يقدر بنحو 3 مليارات دولار، أليس هذا القدر كافٍ لإنشاء شركات صيانة يعمل بها عشرات الآلاف من الشباب الباحث عن العمل، ولكن كيف تضمن التشغيل ومواد القانون الخاصة بالحفاظ على الثروة العقارية غير ملزمة فى بلد يعانى من أزمة إسكان.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل