المحتوى الرئيسى

السيد الغضبان يكتب:الهيئة الوطنية للإعلام.. «نايمة في العسل»

08/07 22:29

يوم أعلن عن تشكيل الهيئة الوطنية للاعلام اجتاحت الجماعة الاعلامية موجات من الدهشة من وجود بعض الأسماء التى يرى خبراء الاعلام أنها تتمتع بالحد الأدنى من الخبرة والموهبة المهنية فى مجال الاعلام المرئى والمسموع بشكل عام، وأن خبرتها الوظيفية فى ماسبيرو خبرة متواضعة بمعايير الأداء الوظيفى العادى.

وكان لى موقف مختلف بعض الشىء فقد رأيت أن ننتظر ونراقب الأداء ولا نتسرع بالحكم لمجرد أننا نعرف هؤلاء الاشخاص ونعرف مستواهم المهنى، فربما كانت لدى هؤلاء مواهب كامنة لم تمكنهم ظروفهم الوظيفية من إبرازها.

انتظرت وراقبت، ومرت الأسابيع والشهور والأوضاع كما هى فى ماسبيرو، بل إن الأوضاع تزداد تدهورًا أو ليست هناك أية بادرة تبشر بأى تغيير.

انتابتنى الدهشة خاصة وأنا أعرف أن بعض أعضاء الهيئة يتمتعون بخبرة مهنية متميزة ولدى عدد منهم تصورات لمشروعات انقاذ ماسبيرو وتحقيق نهضة مهنية حقيقية تعيد اعلام الدولة المرئى والمسموع إلى موقع الريادة عربيًا.

وأخيرًا عرفت سبب هذا الجمود، فقد علمت أن اعضاء الهيئة تخلوا عن مسئولياتهم ومنحوا رئيس الهيئة «تفويضًا» بمنطق تسيير العمل اليومى دون أن ينص هذا التفويض على تعريف لهذا العمل اليومى. ومثل هذا «التفويض» غير المحدد بتفاصيل يمكن تفسيره ببساطة بأنه «تفويض» يسمح لرئيس الهيئة باتخاذ قرارات يفترض أنها من صميم مسئوليات الهيئة مثل الموافقة على «برامج» جديدة أو إلغاء برامج قائمة  أو حتى انشاء أو إلغاء أو دمج قنوات اذاعية أو تليفزيونية أو الموافقة أو رفض برامج إلى آخر ما يمكن أن يفسر على أنه تسيير للعمل اليومى.

هذا التفويض إذن يعنى عمليًا إلغاء وجود «الهيئة» وتحويلها فعليًا إلى كيان شكلى بينما تتركز الإدارة الفعلية فى يد رئيس الهيئة وحده.

ومثل هذا الوضع يهدم تمامًا الفكرة التى قامت على اساسها «الهيئة» فالدستور الذى تضمن مادة صريحة لانشاء هذه الهيئة لم يشترط أن يتولى المسئولية عن إدارة اعلام الدولة المرئي والمسموع لهيئة تضم عددًا من الأعضاء لمجرد وضع أسماء إلى جانب رئيس أوحد يتولى شئون هذا الاعلام.

الدستور اشترط وجود «هيئة» حدد عدد أعضائها ليؤكد على ضرورة إدارة شئون اعلام الدولة بواسطة «هيئة» وليس بواسطة «فرد» وذلك كضمانة لمناقشات جادة وموضوعية يشارك فيها أعضاء الهيئة ويقدم كل منهم رؤيته وخبرته فى كل ما يتعلق بهذا الاعلام، سواء الاتجاهات الفكرية للخطاب الاعلامى أو الأطر البرامجية التى تقدم هذا الخطاب الاعلامى أو الميزانيات الخاصة بإعلام الدولة والحرص على أن يتم الانفاق بطريقة رشيدة تحقق الهدف من تطوير العمل ولا تهدر المال العام.

وحتى لا أستطرد فى تفاصيل كثيرة فإن المنطق الذى ارتكزت عليه مادة الدستور المنشئة للهيئة الوطنية للاعلام يحتم مشاركة كل عضو فى هذه الهيئة فى مناقشة كل ما له علاقة بشئون اعلام الدولة.

وعندما تتخذ الهيئة ـ بكل اعضائها أو بالأغلبية  قرارات، فإن هذه القرارات تكون ملزمة للادارات التنفيذية بالاذاعة والتليفزيون وتقوم هذه الادارات بتنفيذ هذه القرارات على النحو الذى تحقق أقصى فائدة منها، ولكن ليس لهذه الادارات التنفيذية أو لرئيس الهيئة الحق فى اتخاذ إجراءات أو قرارات تخالف ما وافقت عليه الهيئة ولا أن يمارس نشاط رفضته الهيئة.

التفويض المفتوح الذى منحه أعضاء الهيئة لرئيسها يهدم فكرة جماعية القيادة التى ادارها الدستور ويضع الأعضاء فى دائرة الاتهام بالتهرب من تحمل المسئولية.

بعد حالة من السبات العميق، جاءت بشائر التفويض الذى اشرت إليه، فقد وافق رئيس الهيئة على أن يقوم الاستاذ «إبراهيم حجازي» الصحفى بالأهرام بتقديم برنامج «توك شو» على شاشات التليفزيون المصرى.

أولاً: للسيد إبراهيم حجازى كل التقدير الشخصى والاحترام الواجب، لكننى أرى من حيث المبدأ أن هذا التوجه يكشف عن مستوى مهنى شديد التواضع للسيد رئيس الهيئة، فهل نما إلى علم السيد رئيس الهيئة أن جميع خبراء الاعلام المرئى والمسموع على اختلاف توجهاتهم قد ادركوا منذ فترة أن برامج «التوك شو» لم تعد ايقونة الشاشات التى تجذب المشاهد، وأن المؤسسات والقنوات التى اعتمدت على أن برامج «التوك شو» ستحقق لها نسب مشاهده عالية، هذه المؤسسات بدأت منذ فترة تدرك أن أى قناة تليفزيونية تحتاج إلى البحث الجاد عن نوعيات من البرامج تشكل منظومة متكاملة قادرة على جذب المشاهدين، وأن سوق برامج «التوك شو» قد أصبحت تجارة بائرة وخاسرة.

ثانيًا: قد يتعلل رئيس الهيئة بأن الاستاذ إبراهيم حجازى يستطيع أن يقنع العديد من رجال الأعمال بالتعاقد على حملات إعلانية مع برنامجه.

ولو صحت هذه الحجة لكانت دليلاً اضافيًا على المستوى المهنى لمن يتولى رئاسة هيئة يفترض أنها المسئولة عن تطوير «اعلام الدولة».

فكل خبراء الاعلام يجأرون بالشكوى من سيطرة الاعلان على الخطاب الاعلامى بالقنوات الخاصة إلى الحد الذى دمر الخطاب الاعلامى تمامًا نتيجة لتدخل المعلنين فى المحتوى الاعلامى.

وكان الأمل دائمًا فى أن ينجو إعلام الدولة من هذه الكارثة وعندما استسلم اعلام الدولة لسطوة الاعلام، فقد مصداقيته وفقد مستمعيه ومشاهديه وفقد بالتالى تأثيره.

وتعالت أصوات خبراء الاعلام مناشدة المسئولين فى الدولة لانقاذ «إعلام الدولة» من سيطرة الاعلام ، فإعلام الدولة مهمته تختلف تمامًا عن اعلام رجال الأعمال الهادف للربح وللدفاع عن مصالح أصحاب رؤوس المال.

اعلام الدولة هو اعلام الخدمة العامة والذى يهتم اهتمامًا كبيرًا بقضايا التنمية وتقديم المعلومة الحقيقية التى لا تشوهها الاعلانات بالتدخل لاذاعة معلومات كاذبة أو خادعة أو لحجب معلومات صحيحة تكشف غشًا أو مغالطة فى الدعاية لمنتجات المعلنين.

تقييد إعلام الدولة بقيود اعلامية مرفوض مرفوض. وليس معنى هذا رفض «الاعلان» ولكن على اعلام الدولة أن يقدم الاعلام المحترم ثقافيًا وترفيهيًا وخدميًا ليكسب ثقة المستمع والمشاهد وعندها يستطيع أن يقبل «الاعلانات» التى ستقبل عليه بشرط ألا يسمح للاعلان بالتدخل بأى صورة من الصور فى المحتوى الاعلامى.

ثالثًا: إذا تعلل رئيس الهيئة بأن الأزمة المالية الخانقة التى تحاصر اعلام الدولة المرئى والمسموع هى التى اضطرته للقبول بهذه الصفقة، فلا أقل من أن يتم التعاقد مع الأستاذ إبراهيم حجازى على أن يتحدد أجره فى تقديم البرنامج بنسبة من الاعلانات التى يجلبها وتدفع هذه النسبة بعد تحصيل قيمة الاعلانات. وهذه الطريقة هى التى تضمن استمرار ثقافة المعلنين، فكثيرًا ما بدأ المعلنون بتقديم عقود اعلانات مع بداية بث أى برنامج وبعد فترة يتراجع المعلنون عن الاستمرار ويتحمل التليفزيون نتيجة لذلك الأجور المرتفعة لمن تعاقد معهم لتقديم البرنامج وبدلاً من تحقيق موارد كبيرة يتحول الموقف إلى خسائر محققة يتحملها التليفزيون حسب بنود العقد المبرم مع مقدم البرنامج الذى يحدد أجرا لتقديم الحلقات دون الربط بين ما ينفق على البرنامج وبين الموارد الاعلانية الموعودة؟!

يبقى أن أشير إلى أن تسريبات كثيرة تنتشر بين الجماعة الاعلامية مفادها أن هذا الجمود الشاذ للهيئة الوطنية أمر مقصود حتى تصل أزمة اعلام الدولة المرئى والمسموع إلى الحد الذى يستحيل معه علاجها. وتتضاعف أعباء الدولة المادية لدعم هذا الاعلام. وهنا تتصاعد الأصوات التى تنادى بضرورة التخلص من هذا العبء المادى الثقيل على ميزانية الدولة المرهقة ويتم طرح فكرة الخصخصة، أو بتعبير أدق يتم «احياء» هذه الفكرة التى سبق وأن طرحناها أكثر من مرة.

وهنا أدق ألف ناقوس خطر محذرًا من خصخصة إعلام الدولة. وأؤكد أن أزمة ماسبيرو والشركات التابعة له «صوت القاهرة ومدينة الانتاج الاعلامى» وأسهمه فى الشركة المصرية للأقمار الصناعية،هذه كلها أزمات سببها سوء الإدارة واقالة ماسبيرو وشركاته من عثرته بل وتمكينه من النهوض والاستفادة من دوره الريادى أمر ممكن تمامًا.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل