المحتوى الرئيسى

مأزق ترامب مع الكونجرس الأمريكى

08/07 22:16

شهدت العلاقات الأمريكية الروسية مزيدا من التدهور فى الأسبوع الماضى، وكان من أبرز مظاهر ذلك فرض الولايات المتحدة لعقوبات جديدة على موسكو، ثم رد الأخيرة بتقليص حجم العاملين فى السفارة الأمريكية بأراضيها بنحو ٧٥٥ فردا. كما أعرب رئيس الوزراء الروسى عن غضبه الشديد إزاء ما وصفه بعدم كفاءة البيت الأبيض وتسليمه لكامل سلطاته للكونجرس الأمريكى. الأمر الذى لام معه الرئيس ترامب الكونجرس الأمريكى على هذه الأزمة، وحمله مسئولية تدهور العلاقات بين البلدين بهذا الشكل. فما الذى حدث حتى تصل العلاقات بين هذين البلدين إلى هذا الحد من العداء والضغينة، ووقوف الكونجرس الذى يحظى فيه الحزب الجمهورى بأغلبية واضحة ضد سياسات الرئيس الذى ينتمى لنفس الحزب؟ ومن أجل الإجابة على هذا السؤال، يجب علينا أولا أن ندرك طبيعة العلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية فى النظام السياسى الأمريكى، ثم ثانيا كيف أدت إدارة ترامب لعلاقته مع الكونجرس لوضعهما معا على طرفى نقيض فيما يتعلق بالعلاقة مع موسكو.

رغم أن الدستور الأمريكى كان واضحا فى تحديد الاختصاصات وتوزيعها بين كل من رئيس السلطة التنفيذية ممثلا فى البيت الأبيض وبين السلطة التشريعية ممثلة فى الكونجرس بمجلسيه من النواب والشيوخ، وهو ما أطلق عليه لاحقا بالنظام الرئاسى، إلا أن ذلك لا يعنى تمركز السلطة فى يد الرئيس على حساب السلطة التشريعية، حيث حرص من كتبوا الدستور على وجود توازن دقيق بين السلطتين، وبما لا يسمح لسلطة الرئيس من الهيمنة على السلطة التشريعية. هذا وقد سمحت الممارسة العملية بعد ذلك للعديد من الرؤساء بتعظيم سلطتهم فى بعض الموضوعات والملفات، مثل السياسة الخارجية، وتقليص دور الكونجرس ولكن ليس بشكل مطلق. وأصبح على المتابع للشأن الأمريكى أن يراقب طبيعة العلاقة بين السلطتين ممثلة فى الرئيس وأعضاء الكونجرس، وقياس مساحة الحركة التى يستطيع الرئيس أن ينتزعها لنفسه. ويضرب المثل فى هذا الصدد بالرئيس رونالد ريجان الذى نجح رغم انتمائه للحزب الجمهورى فى إقناع مجلس النواب ذى الأغلبية الديمقراطية آنذاك بتبنى العديد من آرائه وبرامجه.

إذا نظرنا الآن للعلاقة بين الرئيس الحالى للسلطة التنفيذية، دونالد ترامب، والذى ينتمى للحزب الجمهورى وبين أعضاء الكونجرس الذى ينتمى أغلبهم أيضا للحزب الجمهورى، نجد أنه كان المفترض أن لا يكون هناك تعارض بينهما، بل تعاون وتآلف. ولكن ذلك لم يحدث، وقد رأينا كيف فشل ترامب فى حمل مجلس الشيوخ ذى الأغلبية الجمهورية على تبنى تشريع جديد للرعاية الصحية يحل محل القانون المطبق حاليا. وقد كانت المقارنة صارخة بين ما كان يفعله ريجان من قبل وما يفعله ترامب حاليا. وقد عزا البعض ذلك إلى عدم خبرة ترامب السياسية وعدم تقلده أى منصب حكومى وجهله بدهاليز السياسة فى واشنطن، وهو ما يفسر فى رأى البعض الصعوبات التى يواجهها ترامب فى علاقته مع أعضاء الكونجرس وفشله فى تمرير مشروع كهذا.

فإذا أضفنا إلى ما سبق ما يكنه أعضاء الحزب الجمهورى من عداء تقليدى لبوتين وروسيا، والذى تعزز وتعمق بما تواتر من أنباء وشهادات من قبل رؤساء الأجهزة الأمنية عن تدخل روسى فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة. إلا أن ما زاد من الفجوة بين الكونجرس وبين البيت الأبيض كان تجاهل ترامب وإدارته لهذه التقارير والتحقيقات، وظهور العديد من الوقائع الجديدة عن اجتماعات عقدت بين بعض أركان حملة ترامب من عائلته (ابنه وصهره)، وشخصيات روسية على اتصال بجهات حكومية فى موسكو. زاد الطين بلة كما يقولون هجوم ترامب الشخصى على المدعى العام السيناتور الجمهورى السابق جيف سيشون، والذى كان من أول الداعمين لحملة ترامب الانتخابية، لأنه لم يوقف التحقيقات التى بدأها رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالى الذى أقيل من منصبه مؤخرا. هذا، وقد أفقد هذا الهجوم من ترامب على المدعى العام تعاطف الكثير من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين عدوا هجوم ترامب على زميلهم السابق طعنة فى الظهر ودليل على عدم الولاء من قبل ترامب للأصدقاء والمؤيدين. ومع تواتر أنباء جديدة عن عدم رضاء ترامب عن مجرى سير التحقيقات التى يقوم بها المدعى الخاص الذى يحظى باحترام وتأييد الجميع، والذى تم تعيينه للتحقيق فى صحة الادعاءات حول التدخل الروسى فى الانتخابات الأخيرة، وتداول أنباء عن نية البيت الأبيض لإقالته بعد قيامه بتوسيع دائرة الاشتباه لتشمل أفرادا من عائلة ترامب، فقد بدأ بعض أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهورى والديمقراطى بالتحرك داخل المجلس من أجل طرح تشريع جديد لتحصين المدعى الخاص من الإقالة. 

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل