المحتوى الرئيسى

فتحي رضوان وثروت عكاشة وفاروق حسني

08/06 20:06

تعجّب صديقي الذي يعرف موقفي وقناعاتي جيدًا، وسخطي على مظاهر التردي والتجريف الوطني والثقافي والاقتصادي في سنوات حكم الرئيس مبارك، عندما قلت له: إن مصر لم تعرف وزيرًا حقيقيًّا مؤثرًا للثقافة بعد فتحي رضوان وثروت عكاشة إلا فاروق حسني، وإن كل من حمل حقيبة وزارة الثقافة بعد ثورة يناير، قد فشل فشلًا ذريعًا في أن يترك أثرًا أو يُحدث بوجوده فارقًا في المشهد الثقافي، رغم نبل وإخلاص وعلم وثقافة بعضهم، كالدكتور عماد أبو غازي أو الدكتور شاكر عبد الحميد.

ومرجع ذلك أن فتحي رضوان وثروت عكاشة وفاروق حسني، كانوا رجال دولة من الطراز الأول، وكانوا موضع احترام وتقدير من السلطة الحاكمة، واستطاعوا بسبب قربهما من الرئاسة استخدام إمكانات الدولة في خدمة غاياتهم ومشاريعهم الثقافية، سواء مشروع التغيير وتثقيف الجماهير، ونشر الوعي الوطني والحداثي في حالة فتحي رضوان وثروت عكاشة، أو مشروع تدجين المثقفين وإعادتهم إلى حظيرة الدولة، وجعل الفن والثقافة ومؤسساتهما، وسيلة لتجميل وجه نظام مبارك وعائلته وإضافة طابع مدني حداثي عليه، يُرضي العالم الخارجي، كما في حالة فاروق حسني.

ولقد كان الراحل فتحي رضوان على وعيٍ كبيرٍ بتلك الحقيقة، عندما ذكر في كتابه (72 شهرًا مع عبد الناصر) أن وزير الإرشاد القومي (الثقافة) لكي يجعل وزارته تقوم برسالتها الجدية الفاعلة، وينأى بها عن مؤامرات أصحاب الهوى والمطامع، يجب أن يكون ثابتًا في مقعده، مؤيدًا بالسلطة، محميَّ الظهر بها. ولهذا كان حريصًا دائمًا على أن يكون على علاقة طيبة ومتينة ودائمة بصاحب السلطة الأول، وهو الرئيس جمال عبد الناصر.

وبناءً عليه، فمن الإنصاف أن نقول: إن فشل كل وزراء الثقافة بعد ثورة يناير، يعود لسببين:

السبب الأول: له علاقة بأشخاصهم ومُقوّماتهم، ولكوْن بعضهم كان دون المستوى والمؤهلات المطلوبة لهذا المنصب المهم.

السبب الثاني: له علاقة بعدم وجود مشروع ثقافي للدولة، يهدف للارتقاء بثقافة وفكر ووعي المواطنين، ويكون المثقفون هم رأس حربته عند أصحاب السلطة. ولهذا نظرت السلطة لوزراء الثقافة بوصفهم مديرين للوزارة، وليسوا مفكرينَ أو مثقفين كبارًا، وجعلت هدفهم وتكليفهم الاستراتيجي، هو تيسير شئون الوزارة بقدر الإمكان، وبأقل الإمكانات.

وقد أدى هذا إلى أن يصبح المشهد الثقافي الرسمي هيكلًا عظيمًا لا لحم فيه ولا شحم، وساحة حروب بين أقطاب الجماعة الثقافية الرسمية، في محاولة مستمرة لاستبدال الشلة المسيطرة القديمة بشلة جديدة، تستخدم كل أدوات الدولة ومناصبها الثقافية، لخدمة مشاريعها الخاصة ومصالح الشلة، أما مشروع الدولة الثقافي فهو حديث خرافة لا وجود له.

في النهاية أحب أن أقول: إن ثورة 25 يناير قد أعادت الروح لمصر، دون أن تُعيد إليها وعيها، ولهذا وقعنا في مأزق تضليل الجماهير، واللعب بعواطفها، حتى نجحتْ جماعة الإخوان المسلمين في الوصول لهدفها التاريخي، وهو حكم مصر، ممّا تهدد معه أمن وثقافة وهوية الدولة المصرية، ودفعنا للخروج لإسقاط هذا الحكم في 30 يونيو.

وقد تعلمنا من تلك التجربة المريرة، التي نجونا منها بأعجوبة، أن مصر لن تتغير نحو الأفضل، دون أن يعود إليها الوعي مع الروح؛ الوعي بثقل وقيمة التاريخ المجيد الذي يحمله المصريون على ظهورهم، والوعي بسمات وخصائص الروح والثقافة والهويّة المصريّة، والوعي بحقيقة ومستجدات العصر والإقليم والعالم الذي يعيشون فيه، والوعي بقيمة وأهمية الدولة الوطنية المدنية كطوق نجاة لنا جميعًا، والوعي في النهاية بأهمية التفكير العقلاني النقدي، الذي يمكن المصريين من مراجعة ورفض دعاوى أنبياء الوطنيةِ والتديّنِ الزائفين، وكشف الصادقين من المدلسين، ومعرفة من يقول لهم الحقيقة، ومن يبيع لهم الوهم.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل