المحتوى الرئيسى

شاهد.. قصر الأميرة نعمة من مقر الأمراء لوكر للبلطجية والمجرمين

08/06 14:28

أعمدة متأكلة وحوائط منهارة غير قادرة على الصمود، قمامة وبقايا هدم في كل مكان، مبنى مطموس الملامح مهجور نهارًا شبيه ببيت الأشباح ليلًا، يتوسط أرض شاسعة خضراء، يحيطها تلال من القمامة تلتف حولها، أنه حال قصر الملكة نعمة الذي يقع على بعد أمتار من محطة مترو منطقة المرج.

على جوانب السور تلمح عينك عشش خشبية يسكنها الفقراء، حاولنا الاقتراب من السور للعبور داخل الأرض والوصول لذلك المبنى ولم يصعب الأمر فالسور بعض جوانبه مهدمة، ثم قمنا بالسير وسط الأرض الزراعية في صمت خشية من أن يرانا أحد ويمنعنا من التصوير، وعند الاقتراب من القصر ملئت الدهشة وجوهنا، فليس معقولًا أن يكون هذا المبنى المنهار أجزائه والمبعثر كيانه قصر له تاريخ.

صمت كبير يسود المكان يكسره صوت ولد صغير في الرابعة عشر من عمره: "أنتوا بتعملوا أيه"، وعند محاولة الدخول للقصر يصرخ بنبرة خوف "لا متدخلوش القصر اللي بيدخل ممكن ميخرجش"، ليصر على أخراجنا من الأرض قائلًا:" مينفعش حد يدخل خالص اصله ممنوع" وبسؤاله هل هناك أحد بالداخل يتردد في إجاباته ويتلعثم ويقول:"لو حد شافكوا هيعمل مشكلة".

وعند سؤاله عن القصر، قال الصبي أنه قصر أثري يعود لأميرة تدعى نعمة، تعرض للإنهيار من قبل البعض وخاصة عقب احداث ثورة يناير فاقتحمه البلطجية ولم تسلم ثغرة في القصر دون خرابها فقام الناس بخلع الأرضيات والحوائط وسرقة العديد من الأشياء الثمينة.

 لم يتخيل أي إنسان في قديم الزمان أن تلك المباني الأثرية العريقة المبنية على طراز معماري نادر، تتحول من مباني يسكنها الأمراء والملوك والرؤساء لمرتع للبلطجية والخارجين عن القانون، والأكيد أن يد الإهمال والفساد استطاعت توفير ملاجئ لهم ليفسدوها تحت اعين الدولة وتتحول إلى مرتعًا لجميع أنواع الجرائم من قتل ومخدرات وسلاح وتكون مخبئ لهم، دون أن يجرؤ أحد التعرض لهم.

يعود القصر للأميرة نعمة مختار فهمى حفيدة محمد علي وأخت الملك فؤاد، والابنة الصغرى للخديوى توفيق إسماعيل، وعمة الملك فاروق، والتي كانت تعيش بالقصر الذي يقع على مساحة 16 فدان تقريبًا، وهناك أقاويل بأنه كان مجرد استراحة لها فقط.

ومر بالقصر الكثير من الشخصيات التاريخية والسياسية الهامة فكان مقر الإقامة الجبرية للرئيس الراحل محمد نجيب من قبل قادة ثورة 23 يوليو، واستخدم القصر من قبل كاستراحة للرئيسين جمال عبدالناصر وأنور السادات.

وبعام 2006 تم اقتطاع جانب من القصر ليبنى عليه مجمع مدارس، يطلق عليها "مجمع مدارس علي بن أبي طالب".

قمنا بعدة محاولات لإقناع الصغير بالدخول سريعا والتقاط  الصور والخروج فورا ولكن لم تكتمل الصفقة فبنرة رعب يقول "عجبك كده اهو جه اتصرفي بقى، ليأتي شاب بأواخر العشرين ويقول للفتى بنظرة تهديد:"مين دول امشي انت وحضراتكم عايزين ايه؟" وبعد مناقشات عرفنا أنفسنا وطلبنا منه الدخول للقصر لالتقاط بعض الصور بصفة صحفية فقط وأننا مكلفين بذلك، حتى وافق على مرورنا بالقصر وهو يسألنا بتأكيد "قلبكوا جامد علشان تدخلوا يلا".

تجولنا بالقصر الذي لم يتبقى منه سوى أطلال فحوائطه شبه مهدمة وأعمدتها تقف عاجزة تحمل على عاتقها اسقف منهارة منها الكثير وسلالم المدخل الرئيسي متأكلة، وبالبداية غرفة كبيرة سقفها به بقايا رسومات زخرفية ملونة والتي قال الشاب الذي يصطحبنا أنها كانت منقوشة بماء الذهب، فضلًا عن الكثير من الرسومات التي طمسها التراب ويد المخربين.

ومررنا بالكثير من الغرف التي بها بقايا "طوب" ورمال وخشب وشبابيك منها الذي لا يزال بمكانه والكثير ملقى على الأرض، وبالتقاط الصور للدور الأول والذي لم نتمكن من "عد" الغرف الموجودة، وجدنا بأحد الجوانب حفرة كبيرة ليشرح لنا أنها كانت اسانسير للطعام، ثم وجدنا سلم للبدروم طلبنا منه النزول، ومع اول درجين لم نرى تحت اقدامنا، فالعالم بالاسفل ظلام دامس، لينير كل منا كشاف هاتفه وبخطوات حذرة نسير لنمر على غرفة بابها حديدي ليقول لنا أن تلك هي غرفة السجن بالقصر.

يحذرنا الصبي من بعض الحفر الموجودة بالبدروم والتي قال عنها:" الناس بعد الثورة سرقوا كل حاجة في القصر وافتكروا ان فيه اثار قعدوا يحفروا بس ملقوش حاجة".

وبعد الانتهاء من البدروم صعدنا للدور العلوي وهناك حدث ولا حرج تشعر وكأن هناك عمال قاصدين هدم المنزل من "فوقه لتحته" وذلك لعدم وجود سقف فسريعًا ما توقفنا عن السير لعدم وجود ارض نقف عليها فالسقف منهار تماما للأسفل ولم يتبقى سوى بعض الأعمدة كاحلة السواد نتيجة الحرائق المتعددة.

قال رجل أربعيني من الأهالي بالمنطقة أن القصر كان تابع للجيش لفترة طويلة ثم تم التخلي عنه للإصلاح الزراعي الذي حوله لمكاتب لموظفيها ثم انتقلوا لمكان أخر وترك المبني لحارس يدعى "عودة" وقتل، مشيرًا أنه بعد ذلك الوقت بدأ الكثيرون يترددوا عليه ويكسروا فيه و انهارت اسواره.

واستكمل قائلًا:" العيال من وقت للتاني بيجوا يكسروا فيه، ووقت الثورة دخل الناس والبلطجية وسرقوا كل مقتنياته حتى خلعوا الرخام والسيراميك، وبعد كده اصبح ملجأ للبلطجية وغيرهم".

وقال شاب ثلاثيني:"احنا بنقلق بمجرد المرور من جنبه خاصة بليل أو في أي وقت في قلق علشان فيه جرائم كتيرة من قتل ومخدرات وغيرها".

كما أضاف أحد أصحاب محال الحلوى:" القصر بقى مهجور وسكنه تجار السلاح والمخدرات، وبيحصل فيه جرائم قتل عديدة والشرطة مبتعرفش تدخله علشان بيضرب عليهم نار من جوه".

وتابع صاحب محل الحلوى:" أن أهالي المنطقة يلقوا القمامة والحيوانات النافقة على جانبي أرض القصر الذي لا يستطيع أحد دخوله، وكمان بقى فيه ناس بترعى غنم جوا الأرض، يعني القصر ادمر بالكامل مينفعش يتقال عليه قصر اصلا، والأهالي عارفة ان فيه بلطجية علشان كده مبيحاولوش الاقتراب منه".

وفي هذا الصدد أكد عدد من الخبراء في تصريح خاص لـ"بوابة الوفد"، على أن قلة التمويل وضعف الامكانيات المادية بجانب تفتت تبعية المباني الآثرية ما بين عدة جهات من وزارة الآثار ووزارتي الثقافة والأوقاف جعل تلك المباني مباحة للبلطجية والمجرمين لعدم وجود حراسة ورقابة عليها.

فيما قال المهندس ماجد الراهب رئيس مجلس إدارة جمعية المحافظة على التراث المصري، أن قصر الأميرة نعمة غير مسجل من ضمن الآثار، مرجعا السبب لعدم قدرة وزارة الآثار وحدها تسجيل كافة المناطق الآثرية لقلة التمويل.

وتابع الراهب قائلًا:" في اماكن كتير خارج سيطرة الدولة ومحتاجين إدارة خاصة علشان الوزارة مش ملاحقة ومفيش سياحة ولا عائد يمكنها من تسجيل كافة الأماكن وترميمها والرقابة عليها، وبالتالي في عجز في التعيينات علشان تقدر تعين ناس تمسك مواقع محددة وتكون مسئولة عليها".

وطالب رئيس مجلس إدارة جمعية المحافظة على التراث المصري، من مؤسسات المجتمع المدني ورجال الأعمال، المشاركة في الحفاظ على المناطق الآثرية في مصر قائلًا:" مش كل حاجة على الوزراة في محافظين ورؤساء أحياء وإدارات هندسية، مننكرش أن عندنا مشكلة والوزارة مشاركة فيها بس لازم نتكاتف للحفاظ على التراث المصري".

كما أعرب الدكتور مجدي شاكر كبير الآثاريين بوزارة الآثار، عن أسفه من الحالة التي وصلت لها القصور الملكية والتاريخية في مصر، موضحًا أن قصر الاميرة نعمة بالمرج كان يحيطه أراضي شاسعة وأشجار كثيفة ولكن خربته يد الإهمال مما أصبح الوضع مزريا، مؤكدًا أن الكثير من المحافظات بها استراحات خاصة بالملوك والأمراء يتم التعامل معها بشكل يسئ لها.

فيما طالب كبير الآثريين، بضرورة إنشاء وزارة أو هيئة تؤؤل لها كافة القصور والمباني التاريخية وإعادة ترميمها على يد مهندسين معماريين دارسين الطراز المعماري الآثري بجانب الترميم، وليس فقط مرمين أثريين الذين يتم الاستعانة بهم في الترميم الدقيق للآثار وذلك للحفاظ على عراقة الحضارة والتاريخ المصري.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل