المحتوى الرئيسى

منديل رأس فتاة البيشمركة

08/05 21:34

لمحت منديل الرأس الذى ربطت به فتاة البيشمركة شعرها، فتذكرت أننى اشتريت مثله من تركيا قبل سنوات، باللون الأخضر نفسه والشغل الزهرى الرفيع على الأطراف. كانت المقاتلة تلبسه مع الزى العسكرى الكاكى، رافعة الكلاشنكوف بزهو لانتصارها على قوات داعش، ولم أعد أدرى إن كان ذلك خلال المعارك التى دارت بالاشتراك مع الحشد الشعبى العراقى فى الموصل، أو مع قوات «سوريا الديمقراطية» فى الرقة (وهو تحالف عسكرى سورى ــ عربى ــ كردى). ملامح الفتاة، وتفاصيل يدها التى تحمل السلاح وعليها بقايا طلاء الأظافر الأحمر، ظلت عالقة فى ذهنى. وهى غالبا الصورة التى تترسخ لدى الجمهور من خلال الإعلام، فى مقابل صورة نساء داعش المتشحات بالسواد ورجاله الذين يخشون الموت عارا على يد نساء الأكراد فلا يدخلون الجنة، ما يضاعف من عدد الموضوعات حول مقاتلات البيشمركة خاصة فى الصحافة الغربية، وما يدعم بالتالى القضية الكردية ويلفت النظر إليها. وعلى هذا النحو، تنضم صورة مقاتلة البيشمركة إلى مجموع الصور الذهنية والأيقونات التى حرص الأكراد دوما على التأكيد عليها، لتمثل أمة بلا دولة، تفرقت وتقطعت أوصالها بين العراق وسورية وتركيا وإيران والاتحاد السوفيتى السابق.

حوالى خمسة وثلاثين مليون نسمة، موزعين على حدود جغرافية مختلفة، تنعكس طبيعة هذه الأماكن على ملابسهم، أحد أهم مكونات هويتهم إلى جانب العلم الكردى واللغة، التي يفهمونها جميعا على الرغم من اختلاف اللهجات. الرجال يلبسون سروال فضفاض، يسمى «شروال»، وسترة وحزام عريض مزركش، أما النساء فيتألف زيهم التقليدى من ثوب طويل شفاف ومطرز يصل لأخمص القدمين، ومن تحته قميص داخلى داكن، بالإضافة إلى سترة قصيرة مغطاة بالكامل بالمنمنات والحراشف المعدنية البراقة. وهناك بالطبع أغطية الرأس والكوفيات المتنوعة التى تدل على انتماء الشخص إلى بلد أو منطقة بعينها، كما هو الحال بالنسبة لفتاة البيشمركة التى حملت «منديل هويتها الأخضر» على رأسها.

أتحدث باستفاضة عن اللباس التقليدى الكردى لأنه كان دائما ملمحا واضحا لتمسك الأكراد بثقافتهم، مثلما حرصهم على نشر نصوصهم الأدبية وكتب التاريخ الخاصة بهم، بعيدا عن الروايات الرسمية، وإصرارهم على رقص الدبكة الكردية والاحتفال بالأعياد القومية كالنوروز الذى يمثل رأس السنة الجديدة فى التقويم الكردى المعتمد منذ قرون. وأتحدث عن زيهم أيضا باستفاضة لأنه لم يعد يصنع فى الخفاء على يد ترزية متخصصين، فى سوريا أو فى العراق، بل ازداد الطلب عليه خلال السنوات الأخيرة علانية، بعد الضعف الذى أصاب هاتين الدولتين. وهو ما يدل إلى حد ما على تطور وضع الأكراد الذين يستعدون لإجراء استفتاء شعبى غير ملزم على استقلال كردستان فى سبتمبر القادم، على الرغم من رفض بغداد وأنقرة، ربما كنوع من الضغط للوصول إلى صفقة أفضل فى تقرير المصير، بدلا من الاكتفاء بالحكم الذاتى المطبق فى العراق منذ بداية التسعينيات والإدارة الذاتية التى أعلنوها فى مناطق سيطرتهم فى شمال سوريا سنة 2013. 

من وقتها مثلا باتوا يحتفلون سنويا فى العاشر من مارس بيوم الزى الكردى، على غرار كردستان العراق، ما كان ممنوعا تماما قبل اندلاع الثورة السورية. وبهذه المناسبة أيضا، تم تنظيم أول عرض أزياء للباس الكردى التقليدى فى مدينة القامشلى، فى مارس الماضى، تحت رعاية حزب سياسى محلى، شارك فيه 15 شابة وسبعة شبان، وانتهى بعرض فستان العروس الأحمر المزين بالحلى الذهبية اللون. خرج الناس إلى شوارع المدينة بثيابهم التقليدية بثقة تضاهى ثقة فتاة البيشمركة على الجبهات المتعددة حين تقول إن حرب العصابات لا تحتاج إلى عضلات، وحين تحاول الزعامات الكردية من الإفادة من نجاحات البيشمركة، رجالا ونساء، على الأرض، ليحصلوا على المزيد. 

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل