المحتوى الرئيسى

تحليل نقدى لتقرير علمى عن الثورة وتوابعها (٢) | المصري اليوم

08/04 00:11

أتابع القراءة النقدية لتقرير المركز القومى للبحوث الاجتماعية عن المسح الاجتماعى للمجتمع المصرى (٢٠١٠- ٢٠١٥). نتحدث الآن عن المجلد السياسى الذى حرره اثنا عشر باحث كفريق عمل ملتزم بأصول المنهج العلمى المتعارف عليها.

عندما وصفت هذا التقرير بأنه أول تحليل علمى للثورة وتوابعها قصدت أنه أول تقرير منهجى يصدر عن مؤسسة علمية رسمية يرصد ويحلل أحداث الثورة.

طوال الفترة السابقة لم نكن نتابع إلا التقييمات الذاتية التى تختلف باختلاف مواقع ومصالح أصحابها. التقرير إذن يجب الاحتفاء به ممن يقدرون قدر المنهج العلمى.

هذا لا يعنى التسليم بما ورد بالتقرير. فليس هناك جهد فكرى إنسانى متفق عليه. العلوم الاجتماعية تجمع بين الموضوعية والذاتية. هى علوم منضبطة قدر التزامها بمنهج البحث العلمى. ولكن تحليلاتها تتأثر بالمنظور الذاتى والقيمى لصاحبها. العلوم الطبيعية والرياضية تقف على أرض الحقيقة الصلبة. أما العلوم الاجتماعية فتموج فوق رمال قد تكون متحركة أحيانا أو ثابتة أحيانا أخرى.

المجلد السياسى للمسح الاجتماعى يتكون من اثنى عشرة فصلا. الفصل الأول: ثورة ٢٥ يناير- الإرهاصات والتحولات ورؤية المستقبل، الفصل الثانى: الحقوق والحريات العامة بين دستورى ٢٠١٢ و٢٠١٤، والثالث عن نظام الحكم بين دستورى ٢٠١٢- ٢٠١٤، والرابع عن العلاقات المدنية العسكرية والتحول الديموقراطى فى مصر، والخامس والسادس عن الانتخابات الرئاسية عامى ٢٠١٢ و٢٠١٤، والسابع والثامن عن انتخابات البرلمان عامى ٢٠١١ و٢٠١٥، والتاسع عن الأحزاب السياسية فى مصر، والعاشر عن المجتمع المدنىى بعد ٢٥ يناير، والحادى عشر عن واقع الحركات السياسية والاجتماعية فى مصر، والثانى عشر عن تحولات السياسة الخارجية من يناير إلى يونيو، والثالث عشر عن توجهات السياسة الخارجية بعد يونيو ٢٠١٣.

التقرير عمل جماعى مؤسسى والذى يهم فيه الحقائق والتحليلات. هذه دعوة لكل المهتمين لقراءة التقرير والانتهاء إلى رأى فيه اتفاقا أو اختلافا، تأييدا وتحفظا.

أدرك أن شهود حقبة تاريخية معينة يجب تؤخذ شهادتهم على هذه الحقبة بتحفظ وحذر لأنهم شركاء فيها ومعاصرون لها. تبقى القيمة العلمية الأساسية للتقرير فى توثيقه لهذه الحقبة المحورية فى تاريخ مصر الحديث. تحليلاته قد تكون محل خلاف وخاصة إذا اتسمت بالحذر وجفلت عن مواجهة الواقع لاعتبارات نعلمها.

أتوقف عند الفصل الأول مرورا ببعض التعليقات التى تلقيتها على مقالى السابق. وجهة نظرى أن هذا الفصل عن (ثورة يناير- الإرهاصات والتحولات ورؤية المستقبل)، قد تضمن قدرا كبيرا من التحليل الذاتى الذى تأثر بالموقف الشخصى للكاتب وقفز فوق حقائق مهمة وعزف عن مناقشة حقائق أخرى كانت أجدر بالمناقشة ما دام يزعم أنه يبحث فى رؤية المستقبل.

بعض القرّاء علق على ما كتبت فى المقال الماضى متحدثا عن «الشباب الذين تدربوا فى مؤسسات دولية، وتلقوا تمويلا منها بهدف إثارة الفوضى الخلاقة التى تحدث عنها مشروع الشرق الأوسط الكبير». هذا صراخ حتى وإن كان صادقا سمعناه كثيرا ممن يهدفون لتشويه ثورة عظيمة ضد الظلم. قد يكون هناك تدبير. وقد يكون هناك تمويل. وهذا كله مكانه ساحات المحاكم وليس ثرثرة المضارين من الثورة الذين يعنيهم تشويهها.

الاكتفاء بهذا القول ينطوى على إهانة بالغة لعشرات الملايين من المصريين الذين خرجوا مطالبين بسقوط النظام حتى سقطت رموزه دون مساس بالقيم الأساسية لممارساته. واستشهد من شباب المصريين الشهداء الذين عظمتهم وقتها المؤسسة العسكرية.

فساد نظام مبارك وافقاره للشعب والتلاعب بالدستور وحرمان الناس من حاجاتهم الأساسية وسياسات التفرقة والتمييز هذه وغيرها هى الظروف الموضوعية التى أدت إلى ثورة ملايين المصريين. إبحث عن تردى التعليم وعن الصحة وعن الإسكان وعشوائياته وعن الظلم الإجتماعى والقهر السياسى فى ظل نظام مبارك لتعرف الأسباب الحقيقية للثورة. وهذا ما رصده التقريرمحل النقاش وأسماه بالسلطوية والفساد السياسى والإجتماعى والتلاعب بالدستور فى إطار استئثار جماعات الحكم بالقرار لمصلحتها. الجرائم الحقيقية لنظام مبارك لم يحاسب عنها رموزه وإنما حوسبوا عن جرائم تسهل براءتهم منها. علامات الاستفهام هنا كثيرة.

التقرير رغم أنه رصد سلطوية نظام مبارك وسلطوية نظام حكم الإخوان لاذ بالصمت المريب تجاه مظاهر السلطوية اللاحقة. تمثلت هذه السلطوية فى إنفراد السلطة التنفيذية بقراراتها وفى العديد من القوانين المخالفة للدستور وممارسات قهر المعارضين. لم يتحدث التقرير عن قانون التظاهر الذى حكم بعدم دستورية بعض مواده، وتعديلات قانون الإجراءات التى حولت الحبس الاحتياطى إلى اعتقال مقنّع، والتوسع فى تعريف الجريمة الإرهابية لقمع المعارضة السياسية، ووضع قانون لمجلس النواب يأتى ببرلمان الصوت الواحد، وتعديلات قوانين الإعلام وقوانين السلطة القضائية والأجهزة الرقابية وغيرها. وهى كلها تعيدنا إلى شكل أكثر سفورا من السلطوية الفجة التى بسببها اندلعت ثورتان.

يتحدث التقرير عن الدولة التنموية كنموذج لدولة ما بعد الحداثة. كنا نظن أن المفاضلة بين التنمية والحرية قد دخلت متحف التاريخ وأنه لا تنمية بلا حرية. ويحاول التقرير أن يماثل بين التنمية فى عهد عبدالناصر والتنمية بعد دولة يونيو. إنه يماثل بجرأة لا يحسد عليها بين تنمية مستقلة هدفها تلبية حاجات الفقراء وبين تنمية بالقروض المحلية والدولية لإقامة مشروعات إنشائية لم يستشر الشعب فى جدواها.

وفقا لنشرة البنك المركزى الأخيرة (النشرة الإحصائية الشهرية العدد ٢٤٣) ارتفع الدين الخارجى فى العام الأخير فقط بنسبة ٣٨٪.

لتصل قيمته إلى 73.8 مليار دولار، مقابل 53.4 مليار دولار فى نفس الفترة من عام 2016.

الدين المحلى أصبح 3.073 تريليون جنيه فى مارس 2017، مقابل 2.496 تريليون جنيه فى مارس 2017 بزيادة حوالى نصف تريليون فى سنة واحدة.

نسبة الديون الخارجية والمحلية إلى الناتج المحلى أصبحت ١٣٥،٩٪ بزيادة قدرها حوالى ٢٥٪ عن نفس الفترة من العام الماضى.

الاستثمارات الأجنبية المباشرة حسب البنك المركزى تراجعت بنسبة 17.8% مقارنة بنفس الفترة من عام 2016.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل