المحتوى الرئيسى

ملعون أبو الناس العزاز

08/03 18:50

"الوسط ده غدار ومالوش أمان.. ده وسط مافيهوش عزيز.. ده وسط كله مصالح".

هذه أكثر الجُمل التى تسمعها دائما تتردد فى وصف الوسط الفنى.. ليس الفنى فقط ولكن الإعلامى أيضا، فتلك الجُمل لا تخرج من المتابعين ولكن من أهل الوسط نفسه، فدائما ما تأخذ الشهرة والأضواء الأشخاص ويزداد الزهو بكم الأصدقاء والملتفين حولهم، فالدوائر تزداد باستمرار، وكلما وصلت لدرجة أكبر من النجاح سواء على مستوى الشهرة أو المنصبن تزداد حولك هالات المحبين وطالبى "القُرب".. إنها العوامل التى تجعل الدنيا تتزين لك بكامل زينتها، فالحب والإقبال على شخص يجعله دائما فى حالة انتشاء.

لكن للأسف فور اختفاء تلك العوامل لأى سبب، تبدأ الأقنعة فى التساقط وتبدأ الوجوه فى الظهور على حقيقتها، لتفاجأ أن "المولد انفض" وأصبحت وحيدا تواجه حياة فارغة من صخب كان.. مليئة بأشباح أشخاص كانوا.. يمر أمامك شريط ذكريات سريعا فتحاول أن تبحث بين مشاهده عن أبطاله لا تجدهم.. تشعر أنك فى احتياج لهم.. لبعضهم.. لأحدهم.. لا حياة لمن تنادى.. ولكن الحقيقة أنت تواجهها الآن وحيدا بمفردك.. فقط ألمك مع صوت "نوال الزغبى" وهى تغنى "ملعون أبو الناس العـزاز اللى لما احتاجنا ليهم طلعوا أندال بامتياز".

صدمة قاسية عندما تتصفح يوميات "فيسبوكك" فتجد سيدة تستغيث تبحث عن ثمن علاجها الذى لا تملكه فى محاولة يائسة لتجد من يشعر بها وينقذها.. الأعنف اكتشافك أن هذه السيدة كانت نائبا لرئيس الإذاعة المصرية في يوم ما.. "نبيلة سنبل" إذاعية قديرة من الزمن الجميل، والتى مثلت مصر خارجيا وتم تكريمها تكتب على صفحتها الشخصية بحسرة وألم اقرارا باحتياجها لـ 8000 جنيه إضافة لعلاج شهرى 3 أو 4 أشهر على الأقل، مؤكدة أنها لا تملك سوى 200 جنيه فى منزلها!

أى قسوة هذه التى جعلت سيدة بهذا التاريخ تستنجد على "فيسبوك" بشكل انهيارى؟ وأين كل هؤلاء الذين كانوا يحيطون بها وهى على كرسى الإذاعة ثم كرسى نائب رئيسها؟! مؤكد كان هناك من يتملقون ويتقربون ويتوددون طمعا فى فرصة أو درجة أو برنامجا مميزا، أو استفادوا بامتيازات بأى شكل تخص العمل.. أين هؤلاء؟! أين المقريبن؟! أسئلة مشروعة تجد نفسك مدفوعا لسؤالها فى ذهول وحسرة وأنت تشاهد تلقف المواقع الإخبارية لما كتبت، وتناقل وسائل الإعلام له، لتؤكد لهم أنها لم تعد تملك ما تبيعه مقابل العلاج، فتنتفض الرئاسة ووزارة الدفاع ويتم تحويلها للعلاج فى مستشفى عسكرى!

ستشعر بمرارة الآن وأنت تسأل حتما.. ألم يكن هناك من "العـزاز" من يغنيها مر وذُل السؤال ويستر حاجتها؟! وهل لو كانت مستمرة فى منصبها كانت ستعانى تلك الوحدة القاتلة؟!

هذا النموذج هو الأحدث ولكنه ليس الوحيد.. فتستدعى الذاكرة ما تعرضت له الـ "سندريلا – سعاد حسنى" التى عانت سنوات الاكتئاب والمرض وقلة الحيلة فى إنجلترا، لا تجد من يسأل عنها أو يقف بجانبها، ولم تشفع لها نجوميتها الأسطورية وأنوثتها الفاتنة التى جعلتها فتاة الأحلام الأولى حتى هذه اللحظة، وكذلك حلم يصعب الوصول إليه من أى فنانة جديدة.. تخلى عنها الجميع بمن شاركوها النجاح وأخذوا من بريقها وتركوها تواجه أقسى لحظات حياتها، وتواجه أيضا نهايتها التى أصبحت لغزا -أو كما يسوَق لذلك- قُتلت أم انتحرت.. لترحل الـ "سندريلا" فى مشهد بشع ومأساوى، فيظهر الجميع فجأة أمام الكاميرات يتحدث عنها وعن ذكرياته معها وكيف كان هو الأقرب وحامل أسرارها، بل ظهر الأسوأ ممن يتاجر بسيرتها وينهش فيها ووفي عرضها، فهى لن تستطيع أن ترد أو تدافع بعد أن رحلت لا تملك سوى 3950 جنيه إسترليني للعلاج و58 جنيها لنفقات المعيشة، بعد أن منعت الدولة عنها الإعانة المخصصة لها ولعلاجها، والتى كانت تُرسل لها فى إنجلترا، لتستقر عند ربها تاركة خلفها الدنيا بنفاقها و"عـزازها"!

ولا نغفل ما عاناه نجم كبير بحجم "سعيد صالح" فى سنواته الأخيرة قبل الرحيل، وقبله "جورج سيدهم" و"سيد زيان"، ومن الزمن القديم "زينات صدقى" التى تُركت مكتئبة وحيدة تعانى الفقر بعد انحسار الأضواء عنها مضطرة لبيع أثاث منزلها لتأمين احتياجاتها المعيشية، و"عبدالفتاح القصرى" الذى استغلت زوجته التى كانت تصغره بسنوات إصابته بالعمى وجعلته يوقع لها على بيع أملاكه بالكامل ليُكمل بقية حياته فى حجرة تحت السلم!

الأصعب هو الفنان "عبدالعزيز مكيوى" الذى عُثر عليه فى أواخر 2010-على أحد الأرصفة وتم التعرف عليه بصعوبة، ليسارع النقيب "أشرف زكى" بتوفير مسكن ورعاية له قبل وفاته.

لتتوقف قليلا عند هذا الرجل.. فـ "أشرف ذكى" ليس مجرد نقيبا للفنانين، ولكنه رجل الـ "يوتوبيا" أى المدينة الفاضلة، فهو يتفانى بشكل غير مسبوق فى خدمة أعضاء نقابته على كل المستويات، حتى فى حال رحيل أحدهم لا يغمض له جفن حتى تنتهى المراسم وليلة العزاء بشكل لائق وبحضور مكثف من الفنانين، فهو المقاتل دائما لحفظ كرامة زملائه وإنقاذهم من أية مخاطر، والتواجد الدائم معهم فى أى أزمة مهما كانت تافهة، كل ذلك دون مقابل أو التفاف على المنصب أو حتى انتظار لكلمة شكر.. ورغم كل ذلك لم يُشفع له فتعرض للتنكيل والمقاتلة والتعدى بل التهديد بالقتل في 2011 رغم كل ما قدمه، حتى تمت إزاحته من منصبه وظهرت وجوه كثيرة على حقيقتها، ليواجه مع زوجته الفنانة "روجينا" ألوانا من الغدر ونكران الجميل والمحاربة غير المبررة ممن كانوا أمس من "العـزاز".. وسيظل القوس مفتوحا ليسجل المزيد من الضحايا!

يخطئ من يتصور أن كل هذه الأفعال السلبية هى "حصريا" لأوساط الأضواء والشهرة، فالفن بهذه الأوساط ليس إلا "صورة أشعة" للمجتمع، فتسليط الضوء على فئة منه يكشف لك حقيقة المجتمع الذى نعيش فيه، وللأسف يتسرع البعض ويتهم من ينتمون لهذه الأوساط بكل السلبيات والخروج عن الخطوط الحمراء، متناسين الحقيقة، أنهم مجرد أفراد من قلب المجتمع منهم الصالح ومنهم السئ، فهذه هى مكونات معادلة المجتمع التى تتفاعل وتُخرج لنا النتيجة.. فعندما تنفعل مع عمل فنى به خيانة أو غدر أو جرح أو صدمة فى "عزيز"، أو تنفعل من أحداث مماثلة لنماذج المشاهير السابقة.. هذا الإحساس فى الحقيقة هو انعكاس لما تراه وتعانيه من حولك ليل نهار.. تجد من يتركك فى الشدائد و من يقابل معاملتك الطيبة بالسوء، ومن لا يحترم وضعك له كـ "عزيز" فى حياتك.. فالحياة أصبحت مصابة بـ "سُعار" نحاول أن نهرب منه باستمرار دون فائدة.. ففى لحظة تأمل ستكتشف أننا نحتاج لوقفة كبيرة مع النفس لعلها تفلح فى إصلاح ما أفسده الدهر بأيادينا!

"ملعون أبو الناس العـزاز اللى لما احتاجنا ليهم طلعوا أندال بامتياز".. تلك الجملة العبقرية "الخلاصة" التى صاغها المخضرم "مدحت العدل" بكل الصدق ولحنها "عمرو مصطفى" بمنتهى الإحساس مع باقى الكلمات، تحولت من مجرد "تتر" مسلسل إلى "سكين ساخن" يكوى جروحا بداخلنا نحاول أن نتناساها فتصيبنا بالوجع.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل