المحتوى الرئيسى

فيزيائيون يستطلعون مركز مجرتنا بحثاً عن القوة الخامسة للطبيعة

07/13 16:57

حسب فهمنا الحاليّ للكون، يوجد أربعة قوىً أساسيّة تهيمن عليه وهي: قوة الجاذبية، والقوة الكهرومغناطيسية، والقوتان النووية القوية والضعيفة. ولكن هناك إشاراتٌ على وجود قوةٍ خامسة في الطبيعة، وإذا كانت موجودة فلن نكون قادرين فقط على ملء الثّغرات المتبقية في النسبية العامة لآينشتاين، بل سيتعيّن علينا أيضاً إعادة التفكير في آلية عمل الكون، كما توصّل الفيزيائيون الآن إلى كيفية اختبار وجود هذه القوة الغامضة. تُشكِّل القوى الأربعة للطبيعة دعامة وتماسك النموذج القياسي للفيزياء (Standard Model of Physics) الذي نستخدمه للتنبؤ ولتفسير سلوك الجسيمات والمادة في كوننا.

تعد القوة النووية القوية مسؤولةً عن تماسك النوى الذرية في مكانها، أما القوة النووية الضعيفة فهي مسؤولةٌ عن خضوع بعض الذرات للاضمحلال الإشعاعي. وعلى الجانب الآخر، تُحافظ القوة الكهرومغناطيسيّة على ترابط الجزيئات معاً، في حين أن قوة الجاذبيّة هي المسؤولة عن ضمان تماسك المجرات والكواكب وعدم تفكّكها. كل شيء منظّم ومعقول جداً، ولكن هناك مشكلة، فمن نواحٍ عدّة تعد الجاذبية الاستثناء الوحيد في هذه المجموعة الهامة جداً لسبب واحدٍ فقط وهو أن قوة الجاذبية هي آخر القوى الأربعة الأساسية التي لم يتمكن البشر من معرفة كيف يتم إنتاجها والتحكّم بها.

كما لا يبدو أنها تفسر كل شيءٍ كما ينبغي تفسيره، فقد أظهرت الدراسات وجود جاذبيّة في الكون أكثر مما يمكن أن تنتجه جميع المواد المرئيّة في الفضاء. أما المفهوم الذي نستخدمه لشرح هذه الفجوة فيسمّى بالمادّة المظلمة (Dark Matte)، ولكنّ هذا المفهوم لم يساعدنا في حل تلك المشكلة، إذ لم نتمكّن من رصد أيّ أثرٍ على وجودها حتى باستعمال أفضل أدواتنا. وبسبب عدم قدرتنا على معرفة ماهيّة المادة المظلمة، فإنّ بعض الفيزيائيين يريدون بشكل مثير للجدل التخلص تماماً من الجاذبية كقوةٍ أساسية. 

ولكن بدلاً من إسقاط إحدى قوى الطبيعة الأساسية بشكلٍ دائم على أمل أن يكون الكون أكثر منطقيةً بدونها، ماذا لو أضفنا قوة خامسة تربط الجاذبية بالقوى الأخرى بطرق لم نفكر بها من قبل؟!. تقول أندريا ڠيز Andrea Ghez، مديرة مجموعة مركز ڠالاكتيك Galactic Centre في جامعة كاليفورنيا: "تصف نظرية آينشتاين الجاذبية بشكلٍ جيد، ولكن هناك الكثير من الأدلة على وجود ثغراتٍ في النظرية، فوجود الثقوب السوداء الهائلة يخبرنا أنّ نظريّاتنا الحاليّة لكيفية عمل الكون غيرَ كافيةٍ لشرح ماهيّة الثقب الأسود". تعمل ڠيز وفريقها على البحث عن هذه القوة الخامسة الافتراضية في الطبيعة، وتقول إنَّ أفضل مكانٍ للبحث في الكون هو حيث يكون تأثير الجاذبية قوياً جداً، وبالتالي سيسهل العثور على علاماتٍ على وجود شيءٍ إضافي.

ومن خلال تحليل الصور المفصّلة جداً التي التقطها مرصد كيك (Keck) في هاواي لقلب مجرة درب التبانة، يستطيع الباحثون تتبّع مدارات النجوم بالقرب من الثقب الأسود الهائل الموجود في مركز مجرتنا. واستناداً إلى هذه المسارات، يمكنهم قياس التأثير المباشر للجاذبية على حركة النجوم ومعرفة ما إذا كان هناك شيء آخر يؤثرعليها.

تقول ڠيز: "هذا أمرٌ مثيرٌ حقاً، إنّ عملنا في دراسة النجوم في وسط مجرتنا يفتح باباً جديداً لدراسة كيفية عمل الجاذبية، فمن خلال مراقبة حركة النجوم لأكثر من 20 عاماً باستخدام قياساتٍ دقيقةً جداً مأخوذةً من بيانات مرصد كيك، إذ سنستطيع من خلالها معرفة آلية عمل الجاذبية". إنّ الفريق مهتمٌ بشكل خاص بالحدث الذي من المتوقّع أن يتمّ في العام المقبل، حيث سيقترب نجمٌ يسمى S0-2 من الثقب الأسود الهائل الموجود في مركز مجرّتنا على مسافةٍ أقربَ من أي وقتٍ مضى، حيث سيتمُّ سحبه بأقصى قوّة نحو مركز الثقب الأسود.

فإذا كان هناك أيّ انحرافاتٍ عما تتنبّأ به النسبيّة العامة، فإنّ هذا سيكون أفضلَ وقتٍ لتحديدها. تقول ڠيز: "إذا كانت الجاذبية مدفوعة بشيء آخر غير النظرية النسبية العامة لآينشتاين، فسنرى اختلافاتٍ صغيرةً في المسارات المدارية للنجوم". هذه ليست المرة الأولى التي يلاحق فيها الفيزيائيون القوة الخامسة في الطبيعة بنشاط، ففي عام 2016 اكتشف فريق منفصل إشاراتٍ على تأثيرها على طاقة تبدو وكأنَّها جسيمٌ دون ذريٍ جديد.

قال الباحث الرئيسي جوناثان فنڠ Jonathan Feng من جامعة كاليفورنيا - ايرفين في ذلك الوقت: "إذا كان ذلك صحيحاً فإنها نتائج ثوريّة إذا تم تأكيد ذلك من خلال المزيدٍ من التجارب، فإنّ اكتشاف قوّة خامسة من شأنه أن يغير فهمنا للكون تماماً، كما سيساهم في توحيد المادة المظلمة مع القوى الأساسية الأربع".

لا نزال بعيدين عن معرفة ما إذا كانت هذه القوة موجودةً بالفعل، ولكن هذا الأسلوب الجديد سيسمح للعلماء بالبحث لأول مرة في مجالِ جاذبيةٍ قويّ مثل ذلك الخاص بثقبٍ أسودٍ هائل. وحتى لو لم ينتهي بنا المطاف بإيجاد قوةٍ أخرى في قلب مجرتنا، فمن المرجّح أن نكتسب فهماً أفضل للجاذبية نفسها، وهذا ما يحتاجه النموذج القياسيّ بشدة. وأضافت ڠيز: "إنّه لأمرٌ رائع أن نستطيع فعل ذلك، لأنّنا نستطيع طرح سؤال جوهري جدّاً ألا وهو: كيف تعمل الجاذبية؟".

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل